02-مايو-2017

طالبات منقبات بجامعة القاهرة (كريس بورونكل/ أ.ف.ب)

ترددت الأقاويل في الفترة الماضية عن قرب الانتهاء من مشروع قانون داخل أروقة البرلمان المصري، ينص على منع ارتداء النقاب في الأماكن العامة وأماكن العمل. وللنقاب في مصر تاريخ خاص مرتبط بالدين أولًا وبالعادات والتقاليد ثانيًا، ولم تبدأ الأزمة مؤخرًا فقط، ولكن بالعودة إلى عام 2009 نجد حادثة أثارت غضب الشعب المصري، حينما أجبر شيخ الأزهر السابق سيد طنطاوي، فتاة أزهرية على خلع النقاب أثناء زيارته لأحد المعاهد الأزهرية، موبخًا إياها ومصرحًا بأن النقاب عادة وليس عبادة، لتطوله موجة من الانتقادات والهجوم بخاصة من شيوخ السلفية مثل محمد حسان وأبو إسحاق الحويني وغيرهم.

قالت نائبة برلمانية مصرية، إن النقاب "عادة يهودية انتقلت إلى الإسلام"!

وبعد هذه الحادثة بأيام، خرج يسري الجمل وزير التربية التعليم حينها، مصرحًا بأن ارتداء النقاب محظور على الطالبات والمعلمات داخل المدارس، لأنه يمنع "التواصل التربوي" بين الطلاب والمعلمات ويخفي تعبيرات الوجه، لتعود القضية مرة أُخرى إلى الساحة في حزيران/يونيو 2010، عندما رفضت محكمة مصرية الدعوى المرفوعة من قبل 200 طالبة جامعية يطالبن فيها بإلغاء قرار الجامعات المصرية بإلزام المنتقبات بكشف وجوههن داخل لجان الامتحانات.

وفي أواخر العام قبل الماضي، قرر جابر نصار رئيس جامعة القاهرة، منع المنتقبات من أعضاء هيئة التدريس، من إلقاء المحاضرات النظرية والعملية، وقوبل هذا القرار كذلك بالكثير من الرفض والدعاوي القضائية التي تطالب بإلغائه، لتقضي محكمة القضاء الإداري في كانون الثاني/يناير 2016 بتأييد قرار رئيس الجامعة بحظر المنتقبات من التدريس.

ائتلاف دعم مصر يطالب بحظر النقاب

أعلنت كتلة "ائتلاف دعم مصر" البرلمانية، في نيسان/أبريل المنصرم، عن قرب الانتهاء من صياغة مشروع قانون يمنع ارتداء النقاب في المؤسسات الحكومية والأماكن العامة، مستندين في ذلك إلى ضرورة التصدي للأعمال الإرهابية التي قد يُستخدم النقاب خلالها لتسهيل المهمة وحجب هوية المنفذين. 

اقرأ/ي أيضًا: البرلمان المصري يمنع النقاب بحجة مكافحة "الإرهاب"!

وأشاروا إلى بعض الجرائم خلال السنوات الماضية، التي ارتدى مرتكبوها النقاب، معتبرين أن النقاب "ليس من الإسلام في شيء"، وأنه "مجرد تقليد توارثته الأجيال"، وفقًا لما جاء على لسان النائبة البرلمانية آمنة نصير، التي قالت إن النقاب "عادة يهودية انتقلت إلى الإسلام".

موقف حزب النور السلفي.. هل تتدخل السعودية؟

يمثل حزب النور السلفي، الكتلة الإسلامية في البرلمان المصري، ويُعرف عنه تبعيته للمنهج الوهابي الرسمي في المملكة العربية السعودية، كما يُشتهر عنه العلاقات القوية بالسعودية،  حتى أن الحرب الدائرة ضد التيار الإسلامي في مصر لم تطله، وإن حجّمت من فاعليّته. وقد فصلت السلطات المصرية بينه وبين جماعة الإخوان المسلمين، فضلًا عن أن الحزب ومن ورائه أغلب التيار السلفي، دعم الحكم العسكري الذي منحه في المقابل الأمان.

ويعتبر حزب النور، والسلفيين من ورائه، أن النقاب فريضة واجبة، بالنظر إلى أنّ المرأة كلها عورة بما في ذلك وجهها، حتى أن مرشحات الحزب على مقاعد النساء لم توضع لهن صورًا في لافتات الدعاءة الانتخابية واستبدلت بورود! لذا رفض ممثلو حزب النور في البرلمان مشروع القانون المقترح مصرّحين باعتبار القانون مخالفًا للدستور، ويمثل قمعًا للحريات. 

وتكمن المشكلة هنا في الموقف السعودي المحتمل من مشروع القانون، الذي قد يمثل التصويت عليه بالإيجاب، شرخًا جديدًا في العلاقات بين البلدين، التي بدأت تتحسن قليلًا بعد توتر دام شهور.

رفض مجتمعي وإدانة حقوقية

قوبل الإعلان عن مشروع القانون برفض مجتمعي واسع، إذ لم يعلن تأييد مشروع القانون إلا من قلة علمانية وإعلامية موالية للنظام، فيما كان أغلب التوجه نحو رفضه، سواءً من بشكل مجتمعي، أو بإدانة حقوقية، فقد أدانت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية الدولية، القانون، مشاركةً في ذلك طيف واسع من الحقوقيين المصريين.

ورأى الحقوقيون في مشروع القانون مخالفةً لنصوص الدستور المصري، بدايةً من المادة الثانية الناصة على أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع"، وكذا المادة الثامنة الناصة على أن "تلتزم الدولة بتحقيق تكافؤ الفرص بين جميع المواطنين دون تمييز"، وأيضًا المادة 64 التي تنص على أن "حرية الاعتقاد مطلقة وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية، حق ينظمه القانون"، معتبرين أن ذلك القانون "انتهاك للحرية الشخصية"، داعين إلى الوقوف إلى جانب المنتقبات وحماية حريتهن الشخصية.

مصر على خطى المغرب وتونس

نفس القضية طرحت في البرلمان التونسي في آذار/مارس 2016، عندما تقدمت الكتلة البرلمانية الحرة، المنشقة عن حزب نداء تونس الحاكم، بمقترح قانون يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة، بدعوى حماية الأمن العام.

وفي بداية العام الحالي قررت وزارة الداخلية المغربية منع بعض المحال التجارية من بيع أو تصنيع البرقع، ما اعتبر خطوةً استباقية لمنعه بشكل رسمي في المستقبل القريب، وكان نفس المبرر مطروحًا، وهو حماية الأمن القومي للبلاد.

توجه عالمي لمنع النقاب تقوده أوروبا

وعلى ما يبدو فثمّة توجه عالمي لمنع وتجريم ارتداء النقاب أو أغطية الوجه، بخاصة بعد تزايد العمليات الإرهابية في العالم، وصعود اليمين المتطرف، وكانت فرنسا من أوائل الدول التي سعت لمنع النقاب في الأماكن العامة منذ عام 2010، ليصدّق على القانون ويدخل حيز التنفيذ في نيسان/أبريل 2011، وفرضت غرامة قدرها 150 يورو على من يخالف القانون.

اقرأ/ي أيضًا: فرنسا خائفة من "البوركيني"

سارت بلجيكا على درب فرنسا لتصدر قانونًا مشابهًا بعد ثلاثة شهور فقط من حظر النقاب في فرنسا، وتفرض غرامة تقدر بـ137.5 يورو لمن يخالف القانون، بالإضافة للسجن سبعة أيام، معتبرةً أنّ النقاب "رمزٌ لقمع المرأة".

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، وافق البرلمان الهولندي على قانون حظر النقاب في الأماكن العامة، فيما أكدت الحكومة على أنه قانون ضروري لأسباب أمنية أيضًا، بينما اعتبره البعض استرضاءً لليمين المتطرف. ومنع القانون ارتداء أي غطاء يحجب الهوية في الأمكان العامة بما في ذلك المباني الحكومية والمواصلات العامة والمستشفيات والمدارس، مع فرض غرامة قدرها 405 يورو على من يخالف القانون.

ثمّة توجه عالمي لمنع وتجريم ارتداء النقاب تقوده أوروبا، خاصة مع تزايد العمليات الإرهابية وصعود اليمين المتطرف

ثم جاءت ألمانيا كآخر الدول التي تسعى لمنع النقاب، خاصة بعد تزايد أعداد اللاجئين واندماجهم في المجتمع الألماني. ومنذ أيام قليلة صادق مجلس النواب الألماني على مسودة قانون يحظر ارتداء النقاب على الموظفات أثناء ساعات العمل، إلا أنه لم يمنع ارتداء النقاب بشكل كامل في الأماكن العامة. وكانت أنجيلا ميركل أعلنت في وقت سابق عن رغبتها في منع النقاب في الأماكن العامة أينما كان ذلك قانونيًا، مصرحة بأنه لا يناسب ألمانيا ولا ينتمي إليها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المنشور 108.. عن انتهاك حرية اللباس في تونس

"بيت الكوميديا".. 10 مقترحات "غريبة" قدمها برلمانيون مصريون