20-ديسمبر-2022
gettyimages

تعمل موسكو على تأجيج "القومية الأرثوذكسية السلافية" في منطقة البلقان (Getty)

التوترات الأخيرة التي شهدتها كوسوفو بين سلطات بريشتينا والأقلية الصربية في شمال البلاد، تعيد للأذهان الحرب الدامية التي اندلعت في البلقان قبل أكثر من عقدين، والتي أدت إلى التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي ضد صربيا، وانتهى بإجبارها على الانسحاب من المنطقة التي كانت جزءًا منها.

التوترات الأخيرة التي شهدتها كوسوفو بين سلطات بريشتينا والأقلية الصربية في شمال البلاد، تعيد للأذهان الحرب الدامية التي اندلعت في البلقان قبل أكثر من عقدين

ومع توترات الأخيرة شمال كوسوفو، سلم رئيس حكومة كوسوفو ألبين كورتي الأسبوع الماضي طلبًا رسميًا لانضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، وأدت هذه الخطوة إلى صدور ردود فعل شديدة اللهجة من الجانب الصربي، فقد اعتبر الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش تلك الخطوة "انتهاكًا لكل التشريعات، والاتفاقيات الأوروبية"، كما اتهمت رئيسة الوزراء الصربية آنا برنابيتش، رئيس وزراء كوسوفو ألبين كورتي بـ"وضع المنطقة على حافة حرب أخرى".

 وبالموازاة مع هذه الخطوة، سيطرت شرطة كوسوفو الخاصة، الأربعاء الماضي، على مبنى بلدية سيفيرنا ميتروفيتشا، المقسمة عرقيًا بين الألبان والصرب، والواقعة في شمال البلاد، وأشرفت على تعيين نواب جدد، بعد انسحاب نواب الأحزاب الصربية من الهيئات التشريعية التابعة لحكومة كوسوفو، بعد إعلانهم عدم الاعتراف بها. وقال رئيس إدارة شؤون كوسوفو في الحكومة الصربية بيتار بيتكوفيتش إن "الألبان احتلوا مقاعد برلمانية تابعة للصرب في بلدية سيفيرنا ميتروفيتشا الصربية، من خلال العنف القانوني، والإجراءات أحادية الجانب، وذلك على الرغم من عدم تصويت أحد لهم، وليس لديهم دعم من الشعب الصربي".

التطورات المتسارعة في البلقان، ترافقت مع الحرب التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا،  وتتخوف الدول الأوروبية من انعكاسات الحرب على أمنها، وبالنظر إلى أن روسيا تعتبر أهم حليف لصربيا، وسط إشارات عن دور روسي في الأحداث الحالية في البلقان.

getty

وفي هذا الإطار، قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن "السفير الروسي في صربيا على اتصال وثيق بالقيادة الصربية، ولديه تعليمات بشأن الخطوات الملموسة لدعم تطبيع أو اقتراح طرق لتطبيع الوضع، وأن موسكو في انتظار رد من بلغراد"، في تلميح إلى دخول روسي على خط الأزمة. وكانت روسيا منذ الأيام الأولى قد دعمت الموقف الصربي من أحداث شمال كوسوفو واتهمت الأخيرة بالقيام في زيادة التوتر بدعمٍ من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي.

وتشير مجلة "بوليتيكو" الأمريكية في مقال لبول تايلور إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا، كشف للاتحاد الأوروبي، الأهمية الاستراتيجية لغرب البلقان، محذرًا من خطورة تلكؤ الاتحاد في ضم دول البلقان على مصالحه، وهو ما يفتح الباب أمام إمكانية قيام موسكو باستغلال النزاعات التي لم تحل في البلقان لتقويض أمن دول الاتحاد.

وأوضح تايلور في مقاله، أنه يتعين على قادة الاتحاد الأوروبي الآن "اغتنام اللحظة الجيوسياسية"، لتجديد فكرة انضمام دول غرب البلقان إلى الاتحاد، أو المخاطرة برؤيتهم "أدوات في أيدي روسيا، والصين في ألعاب النفوذ"، إذ أن استمرار دول الاتحاد الأوروبي في إبقاء تلك الدول بعيدة عن التكتل، يمكن أن يظهر بدائل أخرى تكون على توافق وثيق مع روسيا، أو ظهور منطقة "غير متحالفة وغير ليبرالية"، يمكن أن "تمتد من المجر إلى تركيا"، والأسوأ من ذلك هو  الانزلاق إلى صراع مسلح جديد، ينتج عنه تداعيات خطيرة، كالجريمة المنظمة، والهجرة لدول الاتحاد، بحسب ما جاء في المقال.

من جانبه، يشير معهد "كارنيغي أوروبا" (Carnegie Europe) في تقرير، إلى أن "هناك من يجدون رابطًا بين التوترات الراهنة في كوسوفو، والحرب الروسية في أوكرانيا"، حيث يقول التقرير إن مراقبين "يتكهنون بأن روسيا ربما تكون لها يد في ما يحدث في شمال كوسوفو، وأنها تسعى إلى فتح جبهة ثانية ضد الغرب في خاصرة أوروبا الضعيفة بمنطقة البلقان"، فقد أشار التقرير إلى أن "العلاقة الوثيقة بين روسيا وصربيا، والتقارب الثقافي والديني العميق"، فضلًا عن الروابط السياسية القوية، والتي كان من تجلياتها مطالبة موسكو قبل أيام بضمان حقوق الصرب في كوسوفو.

getty

واندلعت المواجهات في شمال كوسوفو بعدما أعلنت حكومة بريشتينا عن سريان قانون يُلزم الجميع بمن فيهم الصرب الذين يعيشون في كوسوفو، بالحصول على بطاقة هوية من إصدارها، وتغيير لوحات السيارات القادمة من صربيا إلى لوحات من إصدار كوسوفو. في محاولة من سلطات كوسوفو لتطبيق قوانينها، مما دفع الصرب إلى التمرد على سلطات الدولة والاحتجاج بشكلٍ كبير والقيام باستقالات جماعية من المؤسسات الحكومية في الشمال وإغلاق الطرقات بالإضافة إلى اشتباكات محدودة بالأسلحة مع شرطة كوسوفو.

ويُنظر أوروبيًا، للغزو الروسي لأوكرانيا، باعتباره عاملًا أدى إلى تأجيج النزعة القومية المتطرفة بين الصرب المتشددين الموالين لروسيا، حيث تلعب موسكو دور المحرض عبر تأجيج "القومية الأرثوذكسية السلافية"، واستغلال الانقسامات حيثما أمكن ذلك، وقد قدمت مؤخرًا الدعم لزعيم صرب البوسنة ميلوراد دوديك، في تهديداته بالانفصال عن البوسنة، كما سعت لنشر معلومات مضللة لتضخيم عداء صرب كوسوفو لحكومة بريشتينا.

هزيمة روسيا في أوكرانيا، من شأنها تقويض النفوذ الروسي في دول غرب البلقان

بالمقابل، فإن هزيمة روسيا في أوكرانيا، من شأنها تقويض النفوذ الروسي في دول غرب البلقان. كما أن الموقف الروسي في البلقان، يمكن أن يدفع العديد من قادة دول المنطقة، إلى النظر لخطورة ذلك، فقد أصبح اسم روسيا مقترنًا بالاضطرابات التي تشهدها المنطقة، ولضبط أي تحرك روسي في البلقان، أصبحت فكرة دخول دول غرب البلقان إلى التكتل الأوروبي، أولوية استراتيجية لدول الاتحاد الأوروبي.