26-نوفمبر-2019

أصبحت سياسة إسرائيل تجاه القواعد الإيرانية في سوريا أكثر عدوانية (Getty)

شهدت الفترة الماضية تصعيدًا جديدًا في الأراضي السورية عقب غارات إسرائيلية استهدفت مواقع لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني في محيط العاصمة دمشق، سبقه إطلاق أربعة صواريخ من سوريا باتجاه الجولان المحتل، فيما عدته حكومة الاحتلال الإسرائيلي انتقامًا من طهران لاغتيال الموساد مسؤولًا إيرانيًا رفيع المستوى حسب ما قالت وسائل إعلام عبرية. ويأتي ذلك تزامنًا مع مواصلة إيران بناء قاعدة بإشراف الحرس الثوري قرب الحدود السورية العراقية وفقًا لصور التقطتها الأقمار الصناعية ونشرتها شبكة "فوكس نيوز" اليمينية الأمريكية.

كان هجوم المقاتلات الحربية الإسرائيلية على مواقع إيران في وقت سابق من هذا الأسبوع في سوريا أحد أكبر الضربات على مدار العامين الماضيين، ما يدفع بالتساؤل إن كان هناك تغيير في قواعد الصراع الإسرائيلي الإيراني

قاعدة الإمام علي

شبكة فوكس نيوز قالت في تقرير نشرته الإثنين: إن قاعدة "الإمام علي" قرب البوكمال، تم تدميرها جزئيًا خلال غارات جوية شنتها طائرات مجهولة أوائل أيلول/سبتمبر الماضي. وأظهرت الصور الجديدة، التي درسها محللون في شركةImageSat   International (ISI)الإسرائيلية، بناء ثماني مناطق. ولكل بناء قدرة كبيرة تكفي لإخفاء الشاحنات وكميات كبيرة من المعدات، كما أظهرت الصور حواجز وجدران محصنة حول القاعدة.

اقرأ/ي أيضًا: كيف غيّرت سوريا مقاربة إيران العسكرية؟

الهجمات التي تعرضت لها "قاعدة الإمام علي"، أودت بحياة 21 شخصًا بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فيما لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن الضربات. ووفق تقرير سابق للشبكة نفسها، فإن القاعدة الجديدة لإيران في سوريا ستأوي آلاف الجنود والميليشيات الموالية لطهران.

ويشير التقرير إلى أن هذه القاعدة ستكون من أكبر القواعد التي تبنيها إيران في سوريا ووافقت على إنشائها المرجعيات العليا في طهران. وأسندت إيران مهمة بناء القاعدة التي تقع بالقرب من الحدود السورية - العراقية إلى "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، والذي يرأسه قاسم سليماني.

وكشف التقرير وجود خمس منشآت جديدة يمكن تخزين الصواريخ فيها، ناهيك عن وجود 10 منشآت أخرى، حيث يتوقع أن تكون القاعدة العسكرية جاهزة بالكامل في وقت قريب.

وأعلن النظام السوري الشهر الماضي، إعادة افتتاح معبر البوكمال - القائم الحدودي مع العراق، بعد أكثر من 7 سنوات على إغلاقه. وتستمر ميليشيا الحشد الشعبي العراقية، والميليشيات الإيرانية في التنقل عبر الحدود السورية العراقية المقابلة لمنطقة البوكمال شرق دير الزور، منذ سيطرتها على المنطقة التي كانت خاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية.

عملية سرية للموساد

قالت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية، نقلًا عن مصادر أمنية إسرائيلية إن الموساد اغتال شخصية أمنية إيرانية رفيعة المستوى ومقربة من خامنئي في سوريا، دون أن تورد تفاصيل إضافية. وأضافت الصحيفة، أن الغارات الإسرائيلية الأخيرة أسفرت عن مقتل 8 ضباط إيرانيين خلال وجودهم في فندق لم تسمه. وشددت الصحيفة على أن إطلاق أربعة صواريخ على الجولان المحتل لم يكن ردًا على محاولة اغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أكرم العجوري في دمشق، بل في أعقاب اغتيال شخصية إيرانية مهمة الأسبوع الماضي.

وادعت الصحيفة أن عملية الاغتيال طالت مسؤولًا رفيع المستوى وليس رجلًا عسكريًا، واغتيل فور وصوله إلى سوريا لعقد جلسات سرية مع مسؤولين في النظام. ويعتبر أحد أهم المستشارين المقربين من المرشد الإيراني علي خامنئي.

أما صحيفة يديعوت أحرونوت فادعت أنَّ إسرائيل كانت تعلم أن الأهداف خالية من الجنود لذلك لم ترسل أي تحذيرات سابقة للقصف، وحصيلة الضحايا وفق الجهاز الأمني من 10 إلى 20 قتيلًا غالبيتهم العظمى إيرانيون.

وقصفت المقاتلات الحربية الإسرائيلية فجر الأربعاء قرابة 20 هدفًا في الأراضي السورية تابعة لفيلق القدس الإيراني وقوات النظام، من بينها مطارَا دمشق الدولي والمزة.

ضرب المشروع الإيراني من سوريا

يقول موقع " ميدل إيست مونيتور" إنه تم ربط مبررات الغارات الجوية الإسرائيلية بالخطط الإيرانية التي تم الكشف عنها في عام 2017، والتي قيل فيها إن إيران تنشئ ممرًا بريًا يمتد عبر العراق وسوريا نحو لبنان، حيث يمكن أن تنقل بسهولة الأسلحة والمعدات العسكرية ومقاتلي الميليشيات، حيث يُنظر إلى هذه الهجمات على أنها تمثل جبهة جديدة لإسرائيل ضد إيران ونفوذها.

وتأتي مشاهد الأقمار الصناعية لبناء القاعدة الإيرانية وسط تقرير جديد كشفت فيه وثائق مسربة للمخابرات الإيرانية، عن المدى المذهل الذي تسيطر وتؤثر فيه على العراق والمنطقة الأوسع في بلاد الشام. وبيّنت الوثائق أن الحرس الثوري وتحديدًا فيلق القدس هو من يشرف على وضع سياسات إيران في العراق ولبنان وسوريا، كما أن تعيين السفراء بهذه الدول عادة لا يكون من السلك الدبلوماسي إنما من الرتب العليا في الحرس الثوري الإيراني، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

ويضيف المراقبون أن بناء القاعدة الإيرانية يتم بالتعاون مع "جهاد البناء" و"منظمة الإمام الحسين"، وهما مؤسستان ترعاهما إيران ولهما فروع في مدن دير الزور، الميادين، والبوكمال. وستعزز هاتان المنشأتين هدف طهران المتمثل في السيطرة على طريق استراتيجي رئيسي: من البوكمال شمالًا إلى محطة ضخ النفط في الميادين "تي-2"؛ ومن ثم غربًا إلى التياس التي تضّم محطة الضخ - القاعدة الجوية السورية "تي-4"؛ وأخيرًا إلى سهل البقاع في لبنان، المعقل الرئيسي لحزب الله.

وكان وزير الدفاع الإسرائيلي المعين حديثًا نفتالي بينيت علق على النفوذ الإيراني في سوريا محذرًا من أن "القواعد قد تغيرت: كل من يطلق النار على إسرائيل خلال النهار لن ينام ليلًا. كان هذا هو الحال في الأسبوع الماضي، وهذا هو الحال هذا الأسبوع "، في إشارة إلى قصف إسرائيل مؤخرًا منزل القيادي في الجهاد الإسلامي أكرم العجوري في دمشق، وأضاف بينيت: "رسالتنا إلى قادة إيران بسيطة: لم تعد محصنًا. أينما ترسل مخالب الأخطبوط الخاصة بك، فإننا سنخترقها".

إلا أن المحلل العسكري لصحيفة "معاريف" الإسرائيلية كتب أن أهمية الهجوم الإسرائيلي الواسع، غير كامنة في تغيير قواعد اللعبة، كما قال الوزير بينت، وإنما كامنة في الرسالة التي تنطوي عليها، وفحواها أن إسرائيل لن تساوم في موضوع الخطوط الحمراء التي وضعتها في كل ما يتعلق بالتموضع العسكري الإيراني في سوريا، حتى في ظل وجود تهديدات إيرانية بالرد على أي عملية عسكرية إسرائيلية، ورغم الغطاء الجوي والسياسي الروسي لنظام الأسد وحليفه الإيراني.

من جهة أخرى، فإن الانتعاش الإيراني عقب قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بسحب قوات بلاده من سوريا لم يدم طويلًا، حيث حافظت واشنطن على أبرز قواعدها في سوريا وشرق الفرات حيث تعتبر قاعدة الرميلان أكبرها، إضافة إلى قاعدة تل بيدر وقاعدة الهول وقاعدة الشدادي جنوب الحسكة، وقاعدة التنف على الحدود العراقية السورية الأردنية، والتي تقطع الطريق الدولي السريع بين بغداد وسوريا، وتحافظ أمريكا على تلك القاعدة بهدف الحد من نشاط الميليشيات الإيرانية في سوريا.

روسيا وتغيّر قواعد اللعبة

كان هجوم المقاتلات الحربية الإسرائيلية على مواقع النظام وإيران في وقت سابق من هذا الأسبوع في سوريا أحد أكبر الضربات على مدار العامين الماضيين، مع تصاعد العنف بين إسرائيل وإيران في سوريا، بحسب موقع ميدل إيست آي.

لكن بعد عام 2015، نقلت القوات الروسية آلاف الجنود إلى سوريا، بما في ذلك القوات الخاصة والطائرات الحربية وناقلات الطائرات وأنظمة الاستخبارات والقاذفات والبطاريات الأكثر تطوراً S-400 المضادة للطائرات، وبذلك غيروا قواعد اللعبة.

نجحت إيران في إنشاء ممر بري يربط طهران بالبحر الأبيض المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان. كما قررت تعزيز قاعدتها في سوريا، وإقامة صواريخ أرض - أرض، وبطاريات مضادة للطائرات وطائرات بدون طيار، ومعدات استخبارات، وقواعد لإيواء عشرات الآلاف من الميليشيات الموالية لها تحت قيادة  قاسم سليماني قائد قوة القدس.

وترى صحيفة نيوزويك أن روسيا تمكنت من تقييم العلاقات بين العدوتين اللدودتين إيران وإسرائيل وأن تُطور علاقات استراتيجية مع كلتيهما وهي تسعى وراء تحقيق أهدافها في سوريا، إلا أن عملية التوازن الدقيقة تلك يمكن أن تفشل في أية لحظة كما أثبتت الغارات الإسرائيلية الأخيرة. والآن بات كلا اللاعبين يتطلع إلى موسكو لتفادي الوصول إلى نتيجة كارثية.

لكن مع تزايد محاولات إسرائيل لاستهداف قواعد إيران، يبدو أنها أبدت حذرًا أقل. ويرى مراقبون أن سياسة الامتناع عن التحدث علنًا عن الهجمات للحفاظ على الإنكار قد تم انتهاكها من حين لآخر، خاصة في العام الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: إعادة بناء قوات الأسد.. جيش من المليشيات والطلاب والموظفين

وفي يأسه لكسر شلل السياسة الداخلية وصرف الانتباه عن اتهاماته بالفساد، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على استعداد لتحمل المزيد من المخاطر واللعب على حافة الهاوية وكشف الأسرار وتهديد إيران. ونتيجة لذلك، وسعت إسرائيل من استهدافها للأصول الإيرانية خارج سوريا لتشمل العراق ولبنان.

بالنسبة لإيران، فإن الأوضاع الداخلية لا تسر كثيرًا النظام، مع الاحتجاجات والعقوبات الأمريكية، التي تسبب تدهورًا اقتصاديًا قد يضع البلاد في موضع لا خيارات كثيرة غير التصعيد فيه

تكشف أحداث هذا الأسبوع أن كلا الجانبين يباشران الآن مرحلة ثالثة، حسب آراء عديدة، وهي الأخطر حتى الآن، فقادة الجيش الإسرائيلي ووزراء الحكومة عالقون بالفعل في معضلة سياسية. من جهة فإنهم لا يميلون ولا يريدون حل مشاكل غزة الاقتصادية أو الاجتماعية أو التعامل مع مأزق السلطة الفلسطينية أو حتى ضبط سياسة خارجية واضحة فيما يتعلق بإيران وحزب الله، ويكتفون بالتعامل الأمني مع جل القضايا بما يشمل التحديات الداخلية ومشاكل الفساد، ويبدو أنهم الآن أكثر عدوانية ومغامرة. لقد هدد وزير الدفاع المعيّن حديثًا نفتالي بينيت، باتخاذ المزيد من الإجراءات العدوانية ضد إيران حتى لمح إلى أنه قد يستخدم سياسة الاغتيالات ضد قادة الجيش الإيراني. أما بالنسبة لإيران، فإن الأوضاع الداخلية لا تسر كثيرًا النظام، في سياق يواجه فيه احتجاجات واسعة، وتحديات عديدة، لا تشمل فقط الحصار والعقوبات الأمريكية، التي تسبب تدهورًا اقتصاديًا قد يضع البلاد في موضع لا خيارات كثيرة غير التصعيد فيه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 رهان موسكو الأخير.. المال مقابل السلام في إدلب