28-أبريل-2025
يعتزم محامون من أكثر من 40 دولة المطالبة بإصدار رأي استشاري يُدين قرار إسرائيل بوقف التعاون مع وكالة "الأونروا (GETTY)

يعتزم محامون من أكثر من 40 دولة المطالبة بإصدار رأي استشاري يُدين قرار إسرائيل بوقف التعاون مع وكالة الأونروا (GETTY)

 

بينما تواصل إسرائيل عدوانها على قطاع غزة وتشدد حصارها المفروض على سكانه، تجد نفسها هذا الأسبوع أمام تحدٍ قانوني غير مسبوق في أروقة محكمة العدل الدولية في لاهاي.

ففي سابقة تعكس تزايد الضغوط الدولية، يعتزم محامون من أكثر من 40 دولة المطالبة بإصدار رأي استشاري يُدين قرار إسرائيل بوقف التعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، باعتباره انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة.

وتأتي هذه الجلسات في وقت تتعمق فيه الكارثة الإنسانية في غزة، مع اتهامات متزايدة لإسرائيل بارتكاب سياسة "تجويع متعمد" بحق المدنيين، وسط تحذيرات من أن استمرار تل أبيب في تحدي قرارات المحاكم الدولية يهدد بتقويض أسس النظام القانوني الدولي برمته.

عتزم محامون من أكثر من 40 دولة المطالبة بإصدار رأي استشاري يُدين قرار إسرائيل بوقف التعاون مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، باعتباره انتهاكًا صارخًا لميثاق الأمم المتحدة

تحديات قانونية متصاعدة

تحمل جلسات الاستماع، التي تمتد على مدى خمسة أيام، طابعًا متزايد الأهمية بعد قرار إسرائيل في 2 آذار/مارس وقف  دخول جميع المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. لكن القضية الأساسية المطروحة أمام المحكمة تركز على ما إذا كانت إسرائيل، بصفتها دولة موقعة على ميثاق الأمم المتحدة، قد تصرفت بشكل غير قانوني عندما تجاهلت الحصانات والامتيازات الممنوحة لوكالات الأمم المتحدة.

وكانت إسرائيل قد أنهت جميع أشكال التعاون مع عمليات "الأونروا" في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، بزعم أن الوكالة قد "تسلل إليها عناصر من حركة حماس"، وهو ادعاء محل نزاع واسع، لم تتمكن إسرائيل حتى الآن من إثباته.

وتقدم "الأونروا" خدمات حيوية لما يقرب من مليونَي فلسطيني في غزة، بما يشمل توزيع الغذاء والتعليم والرعاية الصحية. وفي سياق متصل، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة نفاد مخزونه من الطعام المخصص للمطابخ التي تقدم وجبات ساخنة داخل غزة. وبدوره، وصف المفوض العام لـ"الأونروا"، فيليب لازاريني، المجاعة في غزة بأنها "مجاعة من صنع الإنسان وذات دوافع سياسية".

وقد طلبت 45 دولة ومنظمة، بما في ذلك الأمم المتحدة، رأيًا استشاريًا من هيئة المحكمة المكونة من 15 قاضيًا بشأن قانونية تصرفات إسرائيل. ومن المتوقع أن تكون الولايات المتحدة والمجر الدولتين الوحيدتين اللتين ستدافعان عن إسرائيل خلال الجلسات.

الأمم المتحدة: إسرائيل ملزمة بضمان عمل الطواقم الإنسانية في الأراضي الفلسطينية

خلال مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية، أكدت المستشارة القانونية للأمم المتحدة، المحامية والدبلوماسية السويدية إلينور همرشولد، أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش يبذل كل الجهود الممكنة لإنهاء المعاناة الإنسانية للمدنيين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة.

وأوضحت أن منع دخول المساعدات الإنسانية منذ الثاني من تشرين الأول/أكتوبر فاقم من المعاناة الإنسانية المتفاقمة في قطاع غزة، مشددة على أن جميع الأطراف ملزمة بالامتثال لواجباتها بموجب القانون الدولي.

ولفتت إلى أن المرافعة تهدف إلى تقديم استشارة قانونية حول مدى التزام إسرائيل بالتعاون مع عمل الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، مؤكدة أن جميع المنظمات الإنسانية العاملة في فلسطين تابعة للأمم المتحدة وتقدم خدمات أساسية حيوية.

وختمت بالتأكيد على أن إسرائيل، بصفتها قوة احتلال، تتحمل مسؤولية قانونية بحماية الطواقم الطبية والإنسانية وموظفي الأمم المتحدة العاملين في الأراضي الفلسطينية.

إسرائيل تمارس سياسة التجويع والاقتلاع لطمس الهوية الفلسطينية

من جهته، اتهم ممثل دولة فلسطين أمام محكمة العدل الدولية إسرائيل بأنها تمارس سياسة ممنهجة لتجويع الشعب الفلسطيني، وتقصفه بشكل متواصل، وتدفعه إلى الهجرة القسرية من أرضه.

وأكد أن إسرائيل ارتكبت مذابح بحق الفلسطينيين، وأنكرت حقوقهم الأساسية، في إطار نية واضحة تهدف إلى تدمير وجود الشعب الفلسطيني. وأضاف أن إسرائيل تشن حملة مستمرة لمحو الشعب الفلسطيني وطمس هويته الوطنية في انتهاك صارخ للقانون الدولي ومبادئ العدالة.

غياب الدفاع الإسرائيلي الشفوي

رغم تقديمها دفاعًا مكتوبًا، فإن إسرائيل لن تقدم مرافعة شفوية خلال جلسات هذا الأسبوع. وتُعد هذه الجلسات أكبر اختبار لمدى تحدي إسرائيل لمبادئ القانون الدولي منذ القرارات التاريخية التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في كانون الثاني/يناير وآذار/مارس ويونيو/حزيران 2024، والتي أمرت فيها إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى غزة. كما قضت المحكمة في يوليو/تموز 2024 بأن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني.

ورفضت إسرائيل تنفيذ هذه القرارات، ما أدى إلى تفاقم الشكوك حول مصداقية النظام القانوني الدولي.

من جانبها، حذرت منظمة "الحق "الفلسطينية من أن استمرار إسرائيل في تجاهل قرارات محكمة العدل الدولية قد يستدعي سحب مقعدها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيرة إلى أن "ثقة الشعوب في القانون الدولي على المحك".

أساس القضية القانونية

تعود هذه الدعوى إلى تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2024، حيث صوّت 137 عضوًا مقابل 12 لصالح طلب رأي استشاري من المحكمة بشأن ما إذا كانت إسرائيل، كدولة موقعة على ميثاق الأمم المتحدة، تنتهك الحصانات والامتيازات التي يجب أن يتمتع بها موظفو الأمم المتحدة ووكالاتها مثل "الأونروا".

ولا تقتصر مهام "الأونروا" على توزيع المساعدات فحسب، بل تشمل أيضًا إدارة المدارس والمراكز الطبية في غزة والضفة الغربية ودول الجوار. وقد تم بالفعل إغلاق ست مدارس تابعة لـ"الأونروا" في القدس الشرقية، في خطوة تواجه طعنًا قانونيًا قدمته منظمة "عدالة" الفلسطينية لحقوق الإنسان.

ويستند الطعن القانوني إلى أكثر من 1500 وثيقة تشمل مداولات مجلس الأمن والجمعية العامة ووكالات الأمم المتحدة، التي توضح نشأة "الأونروا" ومكانتها القانونية واتفاقياتها التشغيلية مع إسرائيل منذ عام 1967.

تهديدات إسرائيلية إضافية

يدور محور الجدل القانوني حول قانونين أقرتهما الكنيست في 28 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، يزعمان أن "الأونروا" تضم في صفوفها "إرهابيين"، وينصان على إلزام الحكومة الإسرائيلية بإنهاء جميع أشكال التعاون مع الوكالة، بما يشمل وقف إصدار التأشيرات لموظفي "الأونروا" الدوليين. وقد ارتبطت هذه الإجراءات بسياسات أوسع تهدد برفض إصدار تأشيرات لأي من موظفي المنظمات غير الحكومية التي تنتقد إسرائيل، إضافة إلى سحب امتيازات المنظمة الأممية ووقف أي اتصال رسمي مع طواقمها.

وفي 2 آذار/مارس، قررت إسرائيل أيضًا تعليق دخول جميع المساعدات إلى غزة بادعاء الضغط على حركة حماس. وأدانت فرنسا وألمانيا وبريطانيا تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، التي ربط فيها إدخال المساعدات بممارسة ضغوط سياسية على حماس، واعتبرتها "غير مقبولة".

محاولات الدفاع عن إسرائيل

في دفاعها عن إسرائيل، أصدرت منظمة "محامون بريطانيون من أجل إسرائيل" مذكرة أكدت فيها أن لإسرائيل الحق في إنهاء اتفاقها مع "الأونروا" ومنع الأمم المتحدة من تنفيذ أنشطة داخل أراضيها، خاصة خلال زمن الحرب.
وقالت الوثيقة إن إسرائيل غير ملزمة بتمرير المساعدات عبر "الأونروا" تحديدًا، وأن بإمكانها اختيار وسائل بديلة مثل برنامج الأغذية العالمي "WFP ".

كما طعنت الوثيقة في حياد محكمة العدل الدولية وقدرتها على الحكم في قضية تعتمد على وقائع متنازع عليها، مثل مدى تغلغل حماس في "الأونروا"، ومدى توفر بدائل موثوقة عنها.

ضغوط قضائية أميركية على "الأونروا"

في تطور لافت، أبلغت وزارة العدل الأميركية محكمة نيويورك الخميس الماضي بأن "الأونروا" وموظفيها لا يتمتعون بالحصانة أمام القضاء الأميركي، مما يمثل تراجعًا عن موقف إدارة بايدن السابق.

وسط هذه الأزمة المتفاقمة التي تهدد مستقبل "الأونروا"، قررت الأمم المتحدة تكليف الدبلوماسي البريطاني السابق إيان مارتن بإجراء مراجعة شاملة لدور الوكالة ووضعها المالي. ومع استمرار الضغوط القانونية في لاهاي، تظل "الأونروا" ومستقبل المساعدات الإنسانية في غزة عالقين بين التجاذبات السياسية والتحديات القانونية المتصاعدة.