12-يونيو-2016

(Getty)

في الثالث والعشرين من آيار/مايو بدأت القوات العراقية عملية استعادة مدينة الفلوجة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية. في التقرير التالي والمنشور بمجلة فورين بوليسي الأمريكية يشرح دان دو لوس وهنري جونسون الأبعاد المعقدة للهجوم خاصةً تلك المتعلقة بمشاركة قوات الحشد الشعبي في العملية والمخاوف التي تثيرها تلك المشاركة.

_____

ترغب واشنطن في أن يظل المقاتلون الشيعة خارج المدينة، لكن لدى طهران خططًا أخرى.

يطلق عليها المسؤولون الأمريكيون "قواعد تكريت". إنه اتفاقٌ ضمني يقضي بعدم دخول الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران المدن السنية التي يتم استعادتها من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية بسبب الخوف من اندلاع توتراتٍ طائفية بها.

يطلق عليها الأمريكيون "قواعد تكريت"، إنه اتفاق ضمني يقضي بعدم دخول الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران المدن السنية بعد ما فعلته في تكريت

لكن تلك القواعد تواجه الآن اختبارًا صعبًا في الفلوجة، حسب تقريرٍ نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية، حيث تستعد القوات العراقية-مدعومةً بمجموعةٍ من الجماعات الشيعية المسلحة- لمحاولة استعادة المدينة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية.

يحمل الوضع في الفلوجة بعض أوجه الشبه بأزمةٍ اندلعت العام الماضي في تكريت، حيث شن مقاتلون شيعة مدعومون من إيران هجومًا لاستعادة المدينة السنية الواقعة شمال بغداد دون استشارة قادة الجيش العراقي. كانت العملية محاولة التفاف على وزارة الدفاع العراقية والمستشارين العسكريين الأمريكيين، والذين فوجئوا بأخبار الهجوم.

سرعان ما تعثر الهجوم، لتضطر الحكومة العراقية إلى طلب مساعدة القوة الجوية الأمريكية لكسر الجمود على ساحة المعركة. لكن المسؤولين والقادة الأمريكيين أحجموا، مبلغين الحكومة العراقية أنه لن يكون هناك ضرباتٌ جوية من طائراتٍ حربية أمريكية أو طائرات استطلاع تطير بالأعلى إلا إذا انسحبت الميليشيات الشيعية المنخرطة فيما يعرف بقوات الحشد الشعبي، لذا فقد تولت وزارة الدفاع العراقية السيطرة الكاملة على العملية، وقادت وحدات الجيش العراقي التي دربتها الولايات المتحدة الهجوم إلى داخل المدينة.

اقرأ/ي أيضًا: صار وجوده رسميًا..بغداد تعين سليماني مستشارًا لها

"قلنا إننا لا يمكننا القيام بذلك إلا إذا ظل الحشد الشعبي المدعوم من إيران خارج المدينة"، صرح أحد كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية لفورين بوليسي.

في الفلوجة، حيث تم نشر الآلاف من رجال الميليشيات الشيعية على المداخل الشمالية للمدينة، تضع الولايات المتحدة شروطًا مثل تلك التي وضعتها بشأن تكريت عام 2015، حسبما صرح المسؤول الكبير، الذي تحدث بشرط عدم كشف هويته، قائلا: "إنها مجموعة من القواعد الشبيهة إلى حدٍ كبير تلك التي يتم تطبيقها هنا".

لكن المشكلة هي أن الميليشيات الشيعية لا تلتزم بتلك القواعد. عانى السنة الذين هربوا من الفلوجة من اعتداءاتٍ واختفاءات بل وإعداماتٍ ميدانية على أيدي الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران على مدار الأسبوعين الماضيين، حسب شهادات "ذات مصداقية" أوردتها منظمة هيومان رايتس ووتش في تقريرٍ نُشر يوم الخميس.

قال برونو جيدو، ممثل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في العراق، إن سلوك الميليشيات كان "غير مقبولٍ تمامًا".

تم التأكد من مزاعم الانتهاكات "من العديد من المصادر"، حسبما صرح جيدو لفورين بوليسي، مضيفًا: "حسب التقارير التي تلقيناها فقد كان هناك عمليات تعذيب قامت الميليشيات بارتكابها".

تثير الانتهاكات مخاوف أمنية وإنسانية خطيرة لأن الانتهاكات الشيعية قد تؤدي إلى الرد بالمثل من قِبل السنة الخائفين واحتمالية اللجوء إلى تنظيم الدولة الإسلامية أو جماعات أخرى مسلحة من أجل الحماية.

يلعب الخوف دوره على كلا جانبي الانقسام الطائفي، حيث أوقعت التفجيرات الانتحارية الأخيرة في الضواحي الشيعية لبغداد عددًا كبيرًا من القتلى. دفعت الهجمات إلى تصاعد المطالب بأن تركز الحكومة العراقية انتباهها على استعادة الفلوجة، التي تقع على مسافة 65 كيلومترًا فقط غرب العاصمة وظلت طويلًا قاعدة انطلاق للهجمات على بغداد التي يشنها متطرفون سنة.

انتهاكات الميليشيات الشيعية ضد السنة، قد تؤدي إلى الرد بالمثل من قِبل السنة الخائفين واحتمالية اللجوء إلى تنظيم الدولة الإسلامية

دقت روايات الاضطهاد حول الفلوجة نواقيس الخطر في واشنطن، حيث يتخوف المسؤولون المدنيون والعسكريون بشأن دور الميليشيات واحتمالية تسببها في إثارة عنفٍ طائفي.

من غير الواضح ما إذا كان نفوذ الولايات المتحدة على الحكومة العراقية -بما في ذلك التهديد بسحب القوة الجوية الأمريكية- سيكون كافيًا لكبح جماح الميليشيات الشيعية الأكثر قوة، والتي تأتمر بأوامر رعاتها الإيرانيين.

أوضحت إدارة أوباما، واضعةً في اعتبارها تقارير الاضطهاد ضد السنة، للحكومة العراقية أن تلك الانتهاكات غير مقبولة، حسبما قال مسؤولون. لكن إدانة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للانتهاكات وتعهداته بمعاقبة هؤلاء المسؤولين عنها قد شجعتها.

"بالدرجة التي تثبت بها صحة تلك المزاعم، سوف يكون مهمًا للعبادي إثبات جديته ليس فقط من خلال الكلمات وإنما الأفعال، عبر القبض على المسؤولين عن تلك الانتهاكات ومحاسبتهم"، قال المسؤول الكبير بالإدارة السابق ذكره.

وتابع أنه رغم تخوف واشنطن من التقارير التي تفيد بقيام الميليشيات الشيعية بإساءة معاملة السنة، فإن الإدارة لم تهدد بعدم مشاركة القوة الجوية الأمريكية في الفلوجة، يرجع ذلك جزئيًا إلى أن حكومة العبادي قد وعدت بأن الجيش العراقي سوف يقود الهجوم على المدينة وليس الميليشيات.

اقرأ/ي أيضًا: بعد 13 عامًا..التجنيد الإجباري يعود للعراق

عند سؤاله عما إذا كانت واشنطن تدرس جديًا سحب دعمها الجوي، قال المسؤول: "لسنا قريبين من تلك النقطة بأي شكل".

وأضاف: "لم يكن من الممكن أن نركز أكثر في التأكيد على أهمية هذا وأن هذا القرار ... سوف يشكّل قدرتنا على مساعدة الحملة".

اشتدت الحملة الجوية بقيادة الولايات المتحدة حول الفلوجة في الأيام الأخيرة، لكن المسؤولين يصرون على أن تلك الغارات تدعم عمليات الجيش العراقي في الجنوب وليس الميليشيات الشيعية في الضواحي الشمالية. على مدار الأسبوع الماضي، قامت الطائرات الحربية الأمريكية بشن أكثر من 30 ضربة جوية حول الفلوجة، حسبما ذكر الكولونيل كريس جارفر المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في بغداد.

تصاعدت وتيرة الغارات بصورةٍ كبيرة يوم الأربعاء، حيث دمرت طائرات التحالف 23 موقعًا قتاليًا ومخزن إمدادات وأهدافٍ أخرى لتنظيم الدولة الإسلامية، حسب إحصاءات القيادة المركزية الأمريكية.

لا ترغب الميليشيات الشعيية ورعاتها الإيرانيون في تكرار ما حدث في تكريت، حيث هُمشت قوات الحشد الشعبي بينما كان للقوة الجوية الأمريكية دور البطولة، حسبما قال ماثيو ماكينيس، المحلل الاستخباراتي السابق والزميل المقيم حاليًا بمعهد أمريكان انتربرايز.

"لقد كان ذلك محرجًا بالنسبة لهم"، قال ماكينيس.

منذ عملية تكريت، أجرت الميليشيات المزيد من التدريبات وتلقت أسلحةً جديدة، من بينها أسلحةٍ روسية مضادة للدبابات. "أمضى الإيرانيون وقتًا كبيرًا في تحسين قدراتهم"، تابع ماكينيس.

مؤكدًا على الأولوية التي توليها إيران لعملية الفلوجة، زار الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، مقاتلي الميليشيات بالقرب من الفلوجة في نهاية الشهر الماضي.

اعتمدت إيران تاريخيًا على ثلاث ميليشيات لممارسة نفوذها في العراق. تسبق الجماعات الثلاث تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، ويدعم كلٌ منها علنًا القائد الأعلى لإيران بالإضافة إلى إيديولوجيتها الثورية. كانت جماعتين على الأقل من بين تلك الجماعات على صلةٍ بالهجمات الدامية على الجنود الأمريكيين خلال فترة الاحتلال ما بين عامي 2003 و2011.

تعد منظمة بدر، الأكبر من بين تلك الجماعات، هي أيضًا أقدمها. خدمت المنظمة التي تم تكوينها عام 1982 في طهران، في الأساس كقوة متحمسة إيديولوجيًا مساعدة لإيران خلال حرب الثماني سنوات مع العراق. يتحدث هادي العامري، قائد منظمة بدر، الفارسية بطلاقة، كما يحمل جواز سفر إيراني ولديه زوجة إيرانية. كما يقود أيضًا قوة يبلغ قوامها 20,000 رجلٍ عراقي ويقود أغلب عمليات الحشد الشعبي.

أما الثانية من حيث الحجم، عصائب أهل الحق، فقد شكلتها إيران عام 2006 لمهاجمة القوات الأمريكية التي تسيطر على العراق. مثل منظمة بدر، تعلن عصائب أهل الحق ولاءها للعقيدة الإيرانية التي تقضي بتخويل السلطة السياسية لرجال الدين. قامت الجماعة بالتجنيد بكثافة خلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، حيث وصل عدد مقاتليها إلى ما بين 10,000 و15,000، حسب فيليت سميث، الباحث بشؤون الميلشيات الشيعية بجامعة ميريلاند. كانت عصائب أهل الحق أيضًا مسؤولة عن أحد أشهر الهجمات خلال الحرب الطويلة: هجومٌ مخطط بعناية على قاعدةٍ أمريكية بالقرب من مدينة كربلاء أسفر عن مقتل خمسة أمريكيين.

رغم الشهادات عن الاضطهاد من قِبل الميلشيات (للفارين السنة من الفلوجة)، دعت الحكومة العراقية سكان الفلوجة للفرار قبل أن تدخل قواتها المدينة

تعتبر الجماعة الثالثة، كتائب حزب الله، أحد أكثر الميليشيات تعقيدًا في العراق، حيث ينتقى أعضاؤها الأساسيون من العناصر شديدة الولاء لإيران بمنظمة بدر. ترتبط كتائب حزب الله أيضًا بمقتل جنود أمريكيين في العراق وكانت تعرف بنشر مقاطع فيديو للهجمات على القوات الأمريكية والعراقية على الإنترنت. رغم أنها أصغر حجمًا من الجماعتين السابقتين -حيث تدعي أن لديها ما يقرب من 10,000 مقاتل- إلا أن كتائب حزب الله تتمتع بقدرة خاصة على الحصول على أسلحةٍ وتدريبٍ إيرانيين. يتصرف مؤسس الجماعة، أبو مهدي المهندس، كيدٍ يمنى لسليماني في العراق وهو نائب قائد الحشد الشعبي. يرتب المهندس الخطط اللوجستية والعملياتية ويراه العديد من المقاتلين على أنه القائد الحقيقي للقوات.

ذُكرت اثنتان من تلك الميليشيات المدعومة من إيران -منظمة بدر وكتائب حزب الله- بالتحديد من قِبل شهود ومسؤولين محليين بمحافظة الأنبار في تقريرٍ يرصد وقائع ضرب مبرح وفظائع ضد السنة الذين هربوا من الفلوجة نشرته منظمة هيومان رايتس ووتش يوم الخميس. تقول المنظمة إنها تلقت "مزاعم ذات مصداقية بوقوع إعداماتٍ ميدانية واعتداءاتٍ على رجال غير مسلحين واختفاءاتٍ قسرية وتشويهٍ للجثث" من قبل الميليشيات والشرطة الاتحادية على مدى أسبوعين منذ الثالث والعشرين من أيار/مايو.

رغم الشهادات عن الاضطهاد من قِبل الميلشيات (للفارين السنة من الفلوجة)، دعت الحكومة العراقية سكان الفلوجة إلى الفرار قبل أن تدخل قواتها المدينة.

حسب آخر إحصاء، هرب أكثر من 16,000 شخص من الفلوجة منذ الثالث من أيار/مايو، من بينهم عائلات باستخدام إطارات وثلاجات لعبور نهر الفرات، حسب جيدو. وأضاف أن هؤلاء الذين ظلوا في المدينة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "يعانون من الجوع، ولا يستطيعون إيجاد طعام"، حيث يقومون بطحن التمر البالي لصناعة الدقيق.

دعا أكبر رجل دين شيعي بالعراق، آية الله العظمى علي السيستاني، إلى ضبط النفس في الفلوجة. كما دعى نائبه، عبد المهدي الكربلائي، مؤخرًا إلى الهدوء مناشدًا قوات الأمن حماية المدنيين وعدم التصرف بوحشية.

رفض بعض قادة الميلشيات أيضًا في تصريحاتٍ لهم سوء معاملة السنة. لكن أحد أعضاء كتائب حزب الله، إحدى الميليشيات المشاركة، قدّم تبريرًا محتملًا للانتقام الطائفي الموجه ضد المدنيين السنة، حيث قال في الأول من شباط/فبراير إن "80 %" من سكان الفلوجة متحالفين مع تنظيم الدولة الإسلامية.

يدرك قادة الميليشيات المدعومة من إيران بدرجةٍ كبيرة أنهم لا يستطيعون استعادة الفلوجة وحدهم ولا يستسيغون فكرة السيطرة الفعلية على مدينة سنية بمجرد طرد مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية، حسبما قال محللون.

لكن المحللين يقولون أيضًا إن الميلشيات ترغب في أن يكون لها دورٌ رئيسي في الهجوم، وأن يصبح لها وجودٌ دائم على الطرق الرئيسية التي تقود إلى بغداد، وأخيرًا، والأكثر أهمية، أن تستخدم تحرير الفلوجة في النهاية في دعاياتها.

"أيًا كان النحو الذي ستسير عليه العملية فإنهم سوف يحاولون أن ينسبوا كل شيء إلى أنفسهم"، قال باتريك مارتن، الباحث في شؤون العراق بمعهد دراسات الحرب.

منذ بدء الهجوم في الثالث والعشرين من أيار/مايو، تطرق القوات العراقية أبواب الفلوجة من عدة اتجاهات، حتى إذا كانت غير قادرة على اختراق عمق المدينة. قامت كتائب من الفرقة الرابعة عشر العراقية الأطراف الشمالية للمدينة، بينما إلى الجنوب، لا تزال كتائب من الفرق الأولى والثامنة والسابعة عشر العراقية تقوم بإزالة القنابل والعوائق الأخرى بالقرب من نهر الفرات.

يشارك القوات "مقاتلي قبائل الأنبار السنة الذين يفحصون المناطق التي تم اجتيازها للقضاء على الجيوب المتبقية" لمقاتلي التنظيم، حسبما أبلغ جارفر المراسلين يوم الأربعاء.

كان القتال في الجنوب كبيرًا، حسب المتحدث باسم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، حيث يستخدم مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية "شبكة كثيفة من الأنفاق وسواتر وعوائق وعبوات ناسفة تُستخدم كحقول ألغام"، ما يشبه كثيرًا معركة استعادة الرمادي في تشرين الثاتي/نوفمبر الفائت.

تعمل قوات مكافحة الإرهاب العراقية -والتي لعبت دورًا محوريًا في معارك استعادة الرمادي وبيجي وتكريت العام الماضي وتعد قوات النخبة- أيضًا جنوب الفلوجة وسوف يتم استدعاؤها للقيام بالضربة الرئيسية ضد مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في المدينة. أُنشئت القوة، التي تعرف باسم جهاز مكافحة الإرهاب، وتم تدريبها من قِبل المستشارين العسكريين الأمريكيين وتورد تقارير أن لديها بعض الارتياب تجاه الميليشيات المدعومة من إيران.

اقرأ/ي أيضًا:

مساع لإعادة مقاتلين في الحشد الشعبي لجؤوا لأوروبا

نواب سنة وكرد يخشون العودة إلى بغداد