15-فبراير-2018

تلعب السوشال ميديا دورًا مؤثرًا في الحروب والصراعات الحديثة (إندبندنت)

الحروب والسياسة في عصر ما بعد الحداثة أمر يشغل الكثيرين، خاصة وأننا في زمن الحروب بامتياز؛ حروب متعددة ومتنوعة، ومجازر ومشاهد قتل تُوثّق مباشرة، وتصريحات "نارية" و مقاطع فيديو تفضح أكاذيب، وأخرى تُراكم الأكاذيب واحدة تلو الأخرى، وفي تويتر وفيسبوك، يتم تجنيد حسابات معينة لصالح النظام السياسي الفلاني، بينما تقف حسابات أخرى على أرض المعركة في الحرب لتصور الحدث بالصوت والصورة.

تلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورًا مُؤثرًا في حروب العصر الحديث، فتجند الأطراف المتحاربة حسابات تنشر معلومات تعزز موقفها

ديفيد باتركراكوس، وهو متخصص في شؤون الشرق الأوسط، يقدم في مقاله الذي نشرته صحيفة الإندبندنت، موضوعًا عن الحرب في غزة، دون أن يكون في قلب الحدث ولا مطلعًا بشكل مباشر على المصادر الإنجليزية للأخبار، وكأنه يريد أن ينقل لنا حروبًا جديدة يغطيها أفراد وليس مؤسسات صحفية رسمية أو دولية.

اقرأ/ي أيضًا: التكنولوجيا الحديثة.. إيجابياتها وسلبياتها

يبدأ حديثه في تناول حرب البلقان التي حضر معاركها على الأرض، ثم يتحدث عن غزة و الموصل، و ينتهي بالحديث عن حرب يغطيها الأفراد، ومواقع التواصل الاجتماعي تتأرجح بين الأكاذيب والحقائق، بين التلاعب والمصداقية، لكي يجيب عن التساؤل الأهم: "هل ترسم السوشال ميديا ملامح الحرب الحديثة؟" و"هل هناك أهداف أخرى أهم خلف تلك الحروب الحديثة؟".

الحمام الزاجل بديلٌ آمن

يقول ديفيد باتركراكوس إنه في الخامس من تموز/يوليو 2014 ، كان تويتر يضج بالأنباء التي تقول إن القوات الأوكرانية دفعت الانفصاليين المؤيدين لروسيا من معقلهم في بلدة سلافيانسك القريبة إلى بلدة دونيتسك. في ذلك الوقت لم تذكر "بي بي سي" على سبيل المثال، ولا غيرها من وسائل الإعلام التقليدية، شيئًا عن ذلك الأمر، فيما كانت حسابات تويتر تستكمل نشرها للأنباء بتفاصيل لم تُغطّها وسائل الإعلام التقليدية. ما نُقل من على الأرض أن الانفصاليين تحركوا تحركات تكتيكية من بلدة لأخرى، وأن المعركة مستمرة ضد كييف.

في هذا السياق يتحدث ديفيد عن الروايات الموالية لروسيا من حسابات مجهولة تمامًا على تويتر، تتحدث عن فظاعات مارستها القوات الأوكرانية، قصص لا أساس لها من الصحة، تتداولها فقط تلك الحسابات، مثل قصة الطفل ذي الثلاث سنوات الذي وُجد مصلوبًا في المناطق التي سيطر عليها الأوكرانيون، أو قصة تلعب على وتر الأقليات، كتلك التي تم تداولها آلاف المرات كما يقول ديفيد، عن الترويع الذي تعرض له  السكان اليهود في منطقة أوديسا الواقعة على ساحل البحر الأسود بأوكرانيا.

للسوشيال ميديا قدرة على منح الأشخاص العاديين، إمكانية تغيير مسار المعارك المادية، بالتحكم في الخطاب حولها

في أثناء ذلك كان الأوكرانيون يناقشون أسوأ السيناريوهات وهي قطع الاتصالات، وكانت إحدى الحلول البديلة المطروحة هي الحمام الزاجل، ذلك أن الإنترنت كان روسيًا بامتياز، وكأنّه مركز إعلامي يديره بوتين، يتحدث عن كييف بوصفها عاصمة للفاشية، بينما دعوات التحرر من نير روسيا بين الأوكرانيين كانت على الأرض، حين خرجوا ضد رئيسهم الذي رفض إمضاء اتفاقية تدعم التقارب مع الاتحاد الأوروبي على حساب روسيا. كانت هناك سرديتان لشعب واحد.

اقرأ/ي أيضًا: كيف تؤثر "السوشيال ميديا" على الحقائق؟

ركامٌ من الأكاذيب وبعض الحقائق

في أثناء العمليات التي كانت يقوم بها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الموصل، كانت صور الحرب الرهيبة تتوالى من المدنيين قبل الوسائل التقليدية. يقول ديفيد باتركراكوس: "في قلب كل هذا أدركت شيئًا واحدًا أساسيًا، وهو قدرة وسائل التواصل الاجتماعي علی منح الأفراد العاديين -غالبًا غير المقاتلين- القدرة علی تغيير مسار المعركة المادية والتحكم في الخطاب حولها".

في ربيع عام 2014 كانت صور العدوان على غزة والتي كان جيش الاحتلال الإسرائيلي يسميها "الجرف الصامد" تتوالى بين فيسبوك وتويتر، حتى أن ديفيد باتركراكوس يقول إنه تابع حربًا كاملة بأيدي موثقيها من المدنيين.

ويتناول ديفيد باتركراكوس الأهداف السياسية وراء الحرب، فيؤكد أن مواقع التواصل الاجتماعي غيرت النظرة إلى الحروب، فقد استخدم الناس العاديون هذه المنصات لتشكيل شبكات عابرة للدولة الوطنية، ليكون لها قدرات على إعادة التعاطي مع الأحداث من خلال إنتاج سرديتها الخاصة. وفي هذا السياق يشير إلى أليك روس، أحد المستشارين السابقين لهيلاري كلينتون الذي يقول: "إن السُلطة بشكل ما تتسرب من الأشكال الهرمية التسلسلية إلى المواطنين وشبكات التواصل". 

ويضيف روس: "هذا التحول في امتلاك السلطة ممكن، في ظل التطور السريع في قدرات هذه الشبكات، وبهذا نرى أن هذه القدرات التي كانت مقصورة ومتاحة فقط في يد السلطات الرسمية للدولة وأدواتها الإعلامية، قد أصبحت فجأة متاحة أيضًا في يد الأفراد العاديين".

ورغم أن هذه النقطة تحديدًا تبدو غير دقيقة وذات تناول غير محكم، وخاصة لو في دولة بحجم الصين تشترط على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أن يضعوا صورهم الحقيقية في حساباتهم، وتطارد الحسابات المبهمة أو الوهمية؛ لكن سلطة مواقع التواصل أيضًا تتدخل فيها السياسة كما رأينا في فضيحة فيسبوك الذي يطارد حسابات الناشطين الفلسطينين بناءً على أوامر من إسرائيل والولايات المتحدة، كما أنه لا يمكن الجزم بأن الإنترنت سيكون محايدًا خاصة بعد قضية حياد الإنترنت وملابساتها الخطيرة، التي تتحكم بشكل غير مباشر فيما يراه و يبحث عنه المستخدمون حول العالم.

ربما يكون التوثيق الإنساني للحدث هو أكثر ما قد يبدو حقيقيًا في مواقع التواصل الاجتماعي التي تتراكم فيها الأكاذيب مع بعض الحقائق

وتبقى نقطة التوثيق الإنساني للحدث هي النقطة الوحيدة الحقيقية تمامًا وذات القدرة على التأثير ولو لبعض الوقت، كما حدث مع معركة حلب عندما وثق السوريون أحزانهم ووداعهم لمدينتهم الأثيرة أمام العالم. ذلك هو أكثر ما قد يبدو حقيقيًا في مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت تشبه سلة ضخمة تتراكم فيها الأكاذيب مع الحقائق، بحيث تصبح قدرة التوصل لمعلومة دقيقة أمرًا غايةً في الصعوبة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تُهدّد وسائل التواصل الاجتماعي الديمقراطية؟

منصات التواصل الاجتماعي وخطاب الكراهية.. لا مكان للعبث!