20-فبراير-2018

تطور الهجرة غير النظامية للجزائريين قد يعكس غياب مشروع مجتمعي يوحدهم وتدهور وضعهم المالي (ماركو دي لورو/Getty)

من المفارقات الجزائرية أن العشريتين الأخيرتين، حيث استتبّ الأمن في البلاد، تفوّقتا من حيث استفحال الهجرة غير النظامية إلى القارّة الأوروبية، على تسعينيات القرن العشرين، حيث كان القتل وجبة يومية في حياة الجزائريين، حتى أنّها عرفت بـ"العشرية السّوداء". ويفسّر كمال قرور رئيس "منتدى المواطنة" هذا المعطى بكون "محاربة الإرهاب المسلّح كان مشروعًا مشتركًا بين الشّعب والحكومة في التسعينيات، بينما افتقدت المرحلة التّالية إلى مشروع مجتمعي موحد".

تطورت الهجرة غير النظامية في الجزائر بشكل ملحوظ وصارت بالإضافة إلى تصدير مواطنيها، منطلقًا لانطلاق المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى الفضاء الأوروبي أيضًا

يشرح كمال قرور فكرته لـ"الترا صوت": "لماذا لا ندرس ظاهرة الهجرة غير النظامية حالة بحالة، لندرك أنها ثمرة للفراغ، الذي بات يعيش فيه الشابّ الجزائري؟ لا أعتقد أن شابًّا مستقرًّا ومرتاحًا ومنخرطًا في المنظومة الاقتصادية يُقبل على مغامرة الهجرة. ادخل إلى أيّ مكتب بريد يتمّ استلام الأموال فيه، وستلاحظ أن حضور الجيل الجديد منعدم، وهذا يعني أن المال الجزائري لم يصل بعد إلى هذا الجيل". يختم: "لقد باتت كلمة "الحرقة" التي تعني الهجرة غير النّظامية كلمة صميمة في القاموس الشّعبي الجزائري، وهذا يعني أنها باتت نشاطًا اعتياديًا".

اقرأ/ي أيضًا: مترشّحون للانتخابات الجزائرية يركبون قوارب "الحرقة"!

في الأعوام الثّمانية الأخيرة، انتقلت الجزائر من كونها مصدرًا للهجرة غير النظامية الخاصّة بالجزائريين، إذ احتلّت المرتبة العاشرة عالميًا، حسب تقرير "وكالة تحليل المخاطر" لسنة 2015، إلى كونها منصّة أيضًا لانطلاق المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء إلى الفضاء الأوروبي، خاصّة فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وجزر البحر الأبيض المتوسّط التابعة لهذه الدّول.

ولأسباب تتعلّق بالتّاريخ واللغة، تأتي فرنسا في طليعة الدّول الأوروبية، التي تستهوي الجزائريين. فحتّى أولئك الذين يتمكنون من دخول دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وإسبانيا ومالطا وبريطانيا، يستقرّون في النّهاية داخل التّراب الفرنسي، وهو المعطى الذي بات مزعجًا للسّلطات الفرنسية، بغضّ النّظر عن طبيعة الرّئيس، يمينيًا كان أم اشتراكيًا. فحسب تقرير أصدرته "الرّابطة الجزائرية لحقوق الإنسان"، بمناسبة "اليوم العالمي للهجرة" الموافق لـ18 كانون الأول/ ديسمبر من كلّ سنة، "فإنّ الشّرطة الفرنسية تعرقل دخول الجزائريين عبر الحدود الجوية، بسبب وثائق السفر والفيزا المزوّرة أو عدم توفرهم على الإمكانات المادية للوجود في تراب الدولة الأوربية".

أطلقت باريس مخططًا عام 2015 يقضي بوضع الجزائريين في صدارة لائحة تضم 10 دول يأتي ترحيل مواطنيها المقيمين خارج القانون ضمن "الأولوية القصوى"

في ظلّ هذا الواقع، أطلقت باريس مخطّطًا عام 2015 يقضي بوضع الجزائريين في صدارة لائحة تضمّ 10 دول يأتي ترحيل مواطنيها المقيمين خارج القانون ضمن "الأولوية القصوى"، إلى جانب كلٍّ من المغرب وتونس ومالي وبنغلادش والسنغال وباكستان ومصر والهند وموريتانيا، بالتنسيق مع سفراء هذه الدّول.

غير أن تقريرًا صدر مؤخرًا عن الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) اتهم السّلطات الجزائرية بعدم التّعاون مع السّلطات الفرنسية، في مسعى ترحيل مواطنيها، الذين دخلوا التّراب الفرنسي بطريقة غير نظامية. ممّا جعل الرّحلات الجوّية المخصّصة لنقل هؤلاء المهاجرين منعدمة خلال عام 2017. ومن تجلّيات عدم تعاون الجزائر، بحسب التّقرير، أن قنصلياتها في فرنسا تشترط لتجديد جواز السّفر الخاص بالجزائريين أن يكونوا حاصلين على شهادة إقامة، وهي الشهادة التي لا تمنح إلا لذوي الجوازات سارية المفعول، "ممّا جعل المهاجر الجزائري غير النّظامي في رحلة ذهاب وإياب ما بين القنصليات والمقاطعات  الإدارية الفرنسية". 

يقول أحد كوادر "المركز الثقافي الفرنسي" في الجزائر، اشترط لـ"الترا صوت" عدم ذكر اسمه، إن الدّوائر الحكومية الفرنسية ترى في هذا التّماطل الحكومي الجزائري تواطؤًا غير معلن من الحكومة الجزائرية مع مهاجريها غير النظاميين، "ونحن نحتاج تعاونها للتخلّص من مشكلة نرى حلّها مهمّةً مشتركة".

اقرأ/ي أيضًا: على درب الحلم الأوروبي.. قصة جزائري عائد من الموت

وفي ظلّ صمت الحكومة الجزائرية، أمام ما ذهبت إليه وثيقة البرلمان الفرنسي، بقي الموضوع مفتوحًا على الجدل الشّعبي، بين رافض للمطلب الفرنسي الدّاعي إلى تعاون جزائري في ترحيل الـ"الحرّاقة"، ورافض للتّماطل الجزائري.

تؤكد السلطات الفرنسية عدم تعاون السلطات الجزائرية مع مسعاها ترحيل المواطنين الجزائريين المستقرين بشكل غير نظامي على أراضيها وهو ما قابلته الجزائر بصمت ولا مبالاة

يقول الكاتب والنّاشط عبد المنعم عامر لـ"الترا صوت": إنه "على فرنسا التي احتلّت الجزائر 132 عامًا واستولت على خيراتها، ألا تطالب الجزائر اليوم بتطبيق القانون فيما يخصّ الهجرة غير النظامية، قبل أن تعتذر للجزائريين عن جرائمها وتعوّض لهم ما خسروه". يضيف: "بعض ما نعانيه اليوم هو نتاج الاحتلال، ومن حق الشاب الجزائري أن يقيم في التّراب الفرنسي ليعيش وضعًا أفضل".

من جهته، يقول أستاذ اللغة الفرنسية إسماعيل محمد إنه غير منطقي أن نتعامل خارج القانون الدّولي والاتفاقيات الثنائية، "فنحن دولة مستقلّة، ومن حقنا أن نطالب بحقوقنا التّاريخية من فرنسا، بعيدًا عن هذا الابتزاز". يضيف محدّث "الترا صوت": "هذا المنطق يسيء لثورة التّحرير وللشّهداء أكثر".

جدير بالذّكر أن عدد الجزائريين الذين حصلوا على ما يسمّى في الأدبيات الفرنسية "شهادة الإقامة للجزائريين" عام 2017، بحسب تقرير البرلمان الفرنسي، بلغ 579 ألفًا و279، من مجمل 2.96 مليون تصريح مسّ كافة جنسيات العالم، فيما بلغ عدد التّأشيرات الممنوحة لهم خلال العام نفسه 413 ألف و976 تأشيرة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تجارب فرنسا النووية.. جرح الجزائر الغائر

تصريحات ماكرون تفتح جرح الماضي بين فرنسا والجزائر