04-أبريل-2017

لقطة من فيلم بوسي كات من بطولة رانده البحيري

شهدت السينما المصرية في الفترة الأخيرة حالة من الركود بسبب التقلبات السياسية والتخوفات الاقتصادية، وهو ما دفع عددًا من رجال الأعمال وأصحاب القنوات الفضائية المختصة بعرض الأفلام الحديثة، والمتكاثرة بدون رقيب، إلى دخول مجال الإنتاج السينمائي. عندما نرصد ميزانيات هذه الأفلام نجد أن بعضها لا تتعدى ميزانيته المليون جنيه، وهو ما شاهدناه في أفلام "وش شجون" و"النبطشي" و"المواطن برص" و"جمهورية إمبابة" و"ظرف صحي".

ربما يرتفع الرقم قليلًا في بعض أفلام السينما المصرية ويصل حاجز المليون ونصف المليون جنيه كما في فيلم "عمود فقري" أو فيلم "مش وش نعمة" الذي يجري تصويره حاليًا، وتستمر القائمة بأفلام لم تتخط حاجز المليون جنيه كميزانية إنتاج منها فيلمان لمخرج اسمه وائل عبد القادر هما "زان" و"القرين". هذه الميزانيات الضئيلة والأسماء المغمورة والصورة الباهتة التي تظهر عليها الأفلام تقول الكثير عن الطريقة التي يتعامل بها صنّاعها مع الفن السينمائي؛ فالفيلم هنا يصبح مثل البيض المسلوق، كوجبة سريعة التحضير لا تأخذ وقتًا وتُنسى سريعًا.

أفلام المقاولات تعني فيلم "الدرجة الثانية" أو ما يطلق عليه أمريكيًا "بي موفيز"، وهي أفلام تعتمد على نجوم الصف الثاني دائمًا

في ثمانينات القرن الماضي، ظهرت "سينما المقاولات" مع ظهور منتجين جدد على الساحة السينمائية، ليصنعوا أفلامًا لا يُرى فيها أي من أبجديات السينما، من سيناريو وحوار وإخراج وتمثيل..إلخ، بهدف وحيد هو تمرير الوقت، وربما التهريج والإسفاف بحسب بعض النقاد والمتابعين.

اقرأ/ي أيضًا: الطريق إلى الذهب.. هؤلاء ينتظرهم قطار الأوسكار

ومن أجل توفير الأموال اللازمة لصناعة هذه الوجبات السينمائية السريعة، يعتمد منتجوها على الأسماء المغمورة في مجال السينما أو الاستعانة بمن هم خارج المجال أساسًا، مستغلين رغبتهم في طمع هؤلاء الأخيرين في الظهور والشهرة.

كان هذا أيام هجرة الكثيرين من فئات الشعب المصري إلى دول الخليج العربي للعمل، وأيام شركات توظيف الأموال والسمسرة، وصعود طبقة أصحاب الحرف "الأدنى اجتماعيًا" في السباكة والميكانيكا، الذين أصبحوا يتقاضون مبالغ كبيرة نظرًا لقلة عددهم بعد سفر معظمهم إلى الخليج. كانت "أفلام المقاولات" في السينما المصرية نتيجة منطقية لذلك التحّول الاجتماعي الرهيب الذي أعقب وفاة أنور السادات، بعد أن ترك وراءه إرثه "الانفتاحي" وسياسة السوق المفتوحة أمام الجميع، وإعلاء قيم "الفهلوة وتفتيح المخ" لصعود السلم الاجتماعي، معطوفًا على عودة البعض من دول الخليج محمّلًا بالأموال.

 هذا البعض الأخير ربما خرج من بينهم النواة الأولى لمنتجي "سينما المقاولات"، الذين أرادوا استثمار أموالهم في صناعة السينما المصرية من خلال تقديم ترفيه سينمائي لا يزعج أحدًا ولا يقول شيئًا، فظهرت موجة متكاثرة من الأفلام التي هاجمها أغلب النقاد المصريين ولكنها استطاعت جذب شرائح ضخمة من المتفرجين.

كان مخرجو هذه الأفلام، مثل ناصر حسين وأحمد ثروت، لا يفهمون شيئًا عن الإخراج إلا بما يخدم الخلطة المقدمة، وبدورهم كان ممثلوها ممن أرادوا تحقيق شهرة سريعة وأرباحًا مضمونة، مثل سعيد صالح ويونس شلبي وسميرة صدقي، وبعض الممثلات اللبنانيات والسوريات اللاتي حضرن إلى مصر لتقديم أنفسهن، نبيلة كرم على سبيل المثال، بالإضافة إلى الراقصات اللاتي احترفن التمثيل، في مقدمتهم الأسطورة هياتم.

كانت هذه الأفلام أرضًا مناسبة لجميع أولئك الباحثين عن مكان تحت الضوء ورصيدًا ماليًا يعينهم على تقلبات الزمن، فهي أفلام لا تحتاج سوى أسبوعين أو أكثر قليلًا للتصوير وذات ميزانية محدودة. هي أفلام لتمرير الوقت، ربما يجد منتجوها فيها فرصة إضافية لكسب مزيد من الأموال عن طريق حشر أكبر كمية من الدعاية لمنتجات مستوردة في الفيلم، خاصة أدوات التجميل ومساحيق الغسيل والمنظفات.

اقرأ/ي أيضًا: 7 أفلام عليك مشاهدتها في السينمات خلال نيسان/أبريل

كانت تعتمد هذه الأفلام في توزيعها على دول الخليج، التي لم يكن بها سينما ولكن بها أجهزة فيديو، وبالفعل تم إنتاج مجموعة كبيرة من هذه الأفلام رغبة في غزو السوق الخليجي، لكن سرعان ما دخلت طي النسيان، وغالبًا ما كانت تُصوَّر داخل شقق مفروشة.

اختفت هذه الظاهرة في السينما المصرية مع بدايات الألفية الجديدة، لكنها عاودت الظهور مجددًا مع دفعة جديدة من المنتجين الباحثين عن دجاجة تبيض ذهبًا، وهؤلاء يتعاملون مع فكرة الإنتاج السينمائي كإضافة للوجاهة الاجتماعية على المستوى الشخصي وكعامل مساعد في زيادة المعارف والعلاقات وتخليص المصالح، حيث يعتمدون على ميزانية قليلة وممثلين شباب جدد يبحثون بدورهم عن أي ظهور على الشاشة ومستعدين للقيام بأي شيء في سبيل دور سينمائي.

أفلام المقاولات قليلة التكاليف وتسقط سريعًا ولا يتذكرها الجمهور، وقد ظهرت مثيلاتها بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967

بالنسبة لكثير من النقاد الذين قاربوا ظاهرة "سينما المقاولات"، فأفلام المقاولات تعني بشكل واضح وصريح فيلم "الدرجة الثانية" أو ما يطلق عليه أمريكيًا "بي موفيز"؛ وهي أفلام تعتمد على نجوم الصف الثاني دائمًا أو عارضات المجلات الإباحية أو نجوم هوليوود ممن فقدوا بريقهم بفعل الزمن، وهذه الأفلام تُعرض في دور عرض "درجة ثانية" أيضًا، وتدور معظم قصص هذه الأفلام في إطار العنف والجريمة والجنس، وهي موجودة إلى الآن ولها جمهورها ولكن في الأغلب يكون مردودها المالي قادمًا من إيرادات بيع أقراص الدي في دي أو بيعها للفضائيات الأجنبية.

اليوم، تنتظر الصالات المصرية عرض مجموعة من الأفلام ذات التكلفة الإنتاجية المحدودة، التي يشارك في بطولتها مجموعة ممن يوصفون بأنفهم وجوه "شابة" و"جديدة"، منها أفلام "تعويذة 2" و"عمارة رشدي" و"سكر برة" وغيرها من المشاريع التي لم يُعلن عنها بعد ولم تصل أخبارها إلى الصحفيين المختصين بأخبار الفن والسينما.

ربما لا يكفي كون هذه الأفلام وشبيهاتها محدودة الميزانية لإدراجها تحت مسمى "سينما المقاولات"، ولكن توقيت ظهورها وثيماتها واحتوائها على عيوب فنية واضحة يغري البعض بذلك، فضلًا عن تخصص منتجين معينين بالإنفاق عليها، ولكن في رأيي أنها لم تصل بعد إلى المستوى المتواضع لأفلام المقاولات في السينما المصرية. 

 مثل هذا النوعية من الأفلام قليلة التكاليف تسقط سريعًا ولا يتذكرها الجمهور، ظهرت مثيلاتها في الفترة بعد الحرب العالمية الثانية وبعد هزيمة حزيران/يونيو 1967، ربما تختلف أسباب ظهورها من جديد ولكنها تتشابه في ما بينها، كونها تعتمد على توليفة مجانية من العري والهزلية والإثارة والجريمة. ربما أكون مخطئًا، فالتاريخ لا يتوقف عن تكرار نفسه، ولكن أعتقد أن المجال مفتوح كذلك للأفلام الجادة التي تجعلنا نؤمن بقيمة السينما المصرية وسحرها وجمالها وأهميتها. لنصدِّق ذلك، حاليًا على الأقل.

اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "روّحي" وحلم العودة الكئيب

جُمل سينمائية من أفلام مصرية لا يسعنا نسيانها