10-أكتوبر-2017

لا اتفاق حول ما يمكن اعتباره أمرًا مخلًا بالحياء في تونس (صورة تمثيلية/ فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

أثار حكم أصدرته محكمة محليّة تونسية مؤخرًا بسجن شاب فرنسي جزائري لمدة 4 أشهر ونصف، جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام المحلية، والسبب المُتداول للحكم هو تقبيله لفتاة تونسية في سيارة في طريق سياحي بالعاصمة، لتتم محاكمته بتهمة التجاهر بفحش.

يجرّم القانون التونسي ما يسمّيه "التجاهر بفحش" ويعاقب عليه بالسجن لمدة 6 أشهر مع خطية مالية وذلك على غرار عديد القوانين العربية

غير أن الرواية الرّسمية مخالفة للمتداول، حيث أمام حالة السخط والجدل المتصاعد، خرج الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية موضحًا ملابسات القضية مساء أمس، قائلًأ إن المسألة لا تتعلّق بقبلة، مضيفًا أنه تمّ القبض على الشاب والفتاة في "وضع جنسي مخل"، على حد تعبيره، إضافة إلى كون التهم الموجّهة للشاب تتضمّن "اعتداءه على الأمنيين وشتمهم والسكر الواضح والاعتداء على الأخلاق الحميدة". وفي المقابل، يدفع محامو المتهمين بوجود خروقات شكلية ثابتة من قبيل منع استدعاء محام أثناء التحقيق وعدم إحضار مترجم وعدم إعلام العائلة.

لكن تجاوزًا للتفاصيل، سرعان ما تحوّل الموضوع إلى قضية رأي عام منذ أن تداول أن الحكم النافذ بالسجن سببه مجرد قبلة، حتى عمّت السخرية مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يتردّد بعض الناشطين في نشر صور شخصية لهم بصدد تقبيل أزواجهم أو أصدقائهم، إضافة إلى تداول البيت الشهير لامرئ القيس حينما تغزل بمحبوبته "قبلتها تسعًا وتسعين قبلة وواحدة أخرى وكنت على عجل". كما دخل السفير الفرنسي على الخطّ بما أن المتهم حامل للجنسية الفرنسية وكاد الأمر أن يتحول لأزمة دبلوماسية، وكان السؤال الأكثر تداولًا، هل القبلة جريمة تؤدي بصاحبها للسّجن في تونس اليوم؟

اقرأ/ي أيضًا: الحريات الفردية ضرورة أم مجرد ترف حقوقي

 

 

 

 

في البداية، يجرّم القانون التونسي ما يسمّيه "التجاهر بفحش" ويعاقب عليه بالسجن لمدة 6 أشهر مع خطية مالية، وذلك على غرار عديد القوانين العربية مثل القانون المصري الذي يسمّيه "الفعل الفاضح المخلّ بالحياء" أو القانون المغربي الذي يستعمل مصطلح "إخلال علني بالحياء". وفي المقابل، تخلّى المشرّع الفرنسي عن هذه الجريمة ليعوّضها بجرم الاستعراء الجنسي. وتقوم جريمة التجاهر بما ينافي الفحش أو الفعل المخلّ بالحياء على ثلاثة أركان هي وجود فعل فحش، ووقوع ذلك الفعل علانية، وتوفر الركن العمدي. وظلّ السؤال دائمًا، ماهو الفحش؟ كيف يمكن تعريفه؟ وهل القبلة في الشارع من قبيل الفحش فعلًا؟

تتقارب جريمة التجاهر بالفحش مع جريمة الاعتداء على الأخلاق الحميدة في صعوبة تقديم تعريف ضابط للفحش أو للأخلاق الحميدة، والتي تتغير معالمها بين بلد وآخر، وبين محيط اجتماعي وآخر، بل وبين قرية وأخرى في نفس البلد عمومًا. فما يبدو فحشًا في قرية ريفية محافظة يعدّ عاديًا في المدينة عادة، وإن باتت الفروقات اليوم في عالمنا العربي محدودة بين الأرياف والمدن، فبالكاد لم تعد الرحلة الأولى إلى العاصمة بمثابة اكتشاف لعالم جديد كما كان سابقًا، حيث بات يمكن للريفي أن يكتشف المدينة من بيته عبر شاشة الكمبيوتر.

تتقارب جريمة التجاهر بالفحش مع جريمة الاعتداء على الأخلاق الحميدة في صعوبة تقديم تعريف ضابط للفحش أو للأخلاق الحميدة

في الأثناء، حاولت المحاكم التونسية في عديد المناسبات تقديم تعريف للفحش، فأكدت محكمة التعقيب، المحكمة العليا في البلاد، في إحدى قراراتها بأن تقديره أمر اعتباري موكول لاجتهاد القاضي مما يستمده من حالة الواقعة وظروفها بالنظر للوسط الذى وقعت فيه ودرجة الحضارة التي كان عليها ذلك الوسط وغاية المشرع من هذا، كما قدر، "حماية الآداب ومحاربة الرذيلة وصيانة الجمهورية".

اقرأ/ي أيضًا: أذان في ملهى ليلي بتونس.. القصة الكاملة

وقبل ثلاثة أشهر، عاقبت محكمة تونسية شبانًا لجهرهم بالإفطار في نهار رمضان بتهمة "التجاهر بفحش"، وكذا تعاقب المحاكم التونسية التعرّي أمام العامّة بنفس التهمة. ولكن، هل يعتبر تقبيل فتاة في سيارة مركونة في طريق سياحي من قبيل الفحش؟

يصعب القبول بذلك، فتقبيل شاب فرنسي لفتاة هو مألوف بما لا يخرج عن العادة، وأن يقع التقبيل في منطقة سياحية يكثر فيها السيّاح الأجانب، فإنه يصعب كذلك اعتبار الفعل من قبيل الخادش للحياء في هذه المنطقة، إضافة إلى أن الواقعة تمت في سيارة بما يجعل ركن توفّر العلنية محلّ تساؤل في كل الأحوال. ولكن الحقيقة، وفق الرواية الرسمية على الأقل، تؤكد أن جريمة الشاب ليست التقبيل، كما تداولت وسائل الإعلام المحلية لأيام، بل لوجود أفعال أخرى، إضافة "لقيام الشاب بالاعتداء على الأمنيين وشتمهم".

في النهاية، القبلة في تونس في عمومها لا تؤدي للسّجن، إلا إذا توفّرت ظروف جعلتها من قبيل الفحش الذي يخلّ بالحياء العامّ، وهي المسألة التي يصعب تقديرها وتتنوع الآراء فيها، فالقبلة الخاطفة في بهو فندق سياحي ليست كالقبلة الفرنسية في منطقة شعبية، والجدل في هذه المسائل لا يتوقف عربيًا أبدًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل أطاح "بلايستيشن" بمواعيد الغرام خلف جامعات مصر؟

تمثال لتمجيد العسكرية المصرية..متهم بالتحرش الجنسي