17-ديسمبر-2017

تحتكر القدس محبة البسطاء من دون سلاطينهم (Getty)

(1)

هنا عند منحدرات التلال ، أمام الغروب

وفوهة الوقت

قرب بساتين مقطوعة الظل

نفعل ما يفعل السجناء

وما يفعل العاطلون عن العمل

نربي الأمل

لا تملك قريحتك جودة وسخاء قريحة محمود درويش لتخلق من التحديق في اللاشيء فعلًا أبديًا مقدسًا، فأنت فعلًا على فوهة الوقت تنتظر رصاصة الرحمة من كل شيء. الحيّ الهادىء الذي أسكن فيه، مقطوعة عنه المياه منذ ساعات، والمزاج العكر في الأجواء وعلى وجوه العمال منذ الصباح.

العمل في الصحافة يشبه وضع اليد في القمامة قبل تدويرها، فالصحفيون يعلمون أكثر من غيرهم بشأن قاذورات العالم

تتوقف الموسيقى ويبدأ النشيد الإذاعي لطمًا على أنغام إعلان ترامب الأخير بشأن القدس. تبدأ المقدمات الوطنية المعلبة لمذيعي الخارج بالغليان في قدر ماء خالِ من الدسم، بتعليمات فوقية ألا يتجاوز الأمر مرحلة "التعاطف الحذر".

اقرأ/ي أيضًا: السعودية ومسلسل التطبيع.. متى سيرفرف العلم الإسرائيلي في الرياض؟

عملك كصحفي يُشبه من يضع يده في القمامة قبل تدويرها. فأنت تعرف أكثر بقليل مما يعرفه الآخرون، فتعرف سر السهرة الطويلة بين ابن سلمان وكوشنر صهر ترامب وممول المستوطنات، وتعرف أن ابن سلمان بات يعمل على تهريب كل ما يمكن تقديسه من مكة، وأن رفرفة العلم الإسرائيلي في الرياض، باتت مسألة وقت.

تعرف أيضًا أن الإمارات تمول التطبيع كما مولت الانقلاب في مصر، وأن هناك 50 ألف معتقل في السجون المصرية، لأنّه، وكما بات يتردد بي أوساط المعارضين في مصر: "ابن زايد عاوز كده". الماء لم يعد بعد في الصنابير، ولا أظنّ القداسة ستعود لمكّة قريبًا.

(2)

فمازلنا هنا نُرتّق ثوبًا أزليًا..

تأتي ذكرى مذبحة مجلس الوزراء في مصر، أذكر صف النسوة اللاتي اتّشحن بالسواد معلقين في رقابهن صور أبنائهن من الشهداء، وأذكر أن من كانت تصلي جواري كانت شابة بيضاء قصيرة من شرق آسيا، تقرأ من كتاب فيه القرآن بالعربية وبلغة أخرى. 

أذكر صوت نحيب امرأة بين دعاء الخطبتين، وأذكر صورة "ست البنات" التي عرّاها الأمن في الشارع لأنها، حسب قول أبناء الكلاب من المطبلين لبيادات العساكر، كانت ترتدي عبائة دون ملابس داخلية! 

أذكر كيف كان الخطيب في القائد إبراهيم يحث الناس على "التروي"، وألا يخرجوا في مظاهرات ضد "ولي الأمر"، وأذكر الشباب وهم ملتهون عنه في ترتيب يافطاتهم التي سيرفعونها، وأذكر كيف تحولت حمالة صدر الفتاة الزرقاء في مجتمع محافظ إلى رمز لإحراج العساكر وأذنابهم.

في مذبحة مجلس الوزراء بمصر، تحوّلت حمالة صدر زرقاء في مجتمع محافظ لرمز يُعرّي العسكر وأذنابهم

ولا أدري كيف مشيت بين أهم وأطول 23 محطة في الاسكندرية على قدمي أنا وكل الشباب الهاتفين، لكنني أتذكر أن حذائي لم يعد يصلح لشيء بعدها، وأنني احتجت للبكاء حين وقفنا أمام بيت أحد الشهداء حين فأجتنا أمه بالهتاف من الشباك.

اقرأ/ي أيضًا: في مديح الثورة السلمية

(3)

في صحبة المعنى

تمردنا على الشكل

وغيّرنا ختاما.. مسرحية

لا نحتكر الله

ولا دمع الضحية

هناك افتراض شديد الرومانسية يقول إن العالم يبدأ من القدس. هذا ما قالته لي ذات مرة امرأة فلسطينية عجوز، كانت تسكن في حيينا الصغير بالكويت. كانت لها ابنة تُسمّى يافا، وجهها أبيض وعيناها زرقاوان. حينها قررت أن اسمي ابنتي يافا، لكن القدر تدخل لاحقًا وغيّر أمورًا كثيرة. 

ولو أنّ العالم يبدأ حقًا من القدس، لكان مفهومًا أن يرقص الشباب فرحًا في القاهرة حين يرفع العلم المصري على السفارة الإسرائيلية، وإلى جواره العلم الفلسطيني. ومن المفهوم في ذات السياق، كيف أسهم الانقلاب في مصر في عودة التطبيع لعزه، كقط يرقد على حجر حياة الناس والمثقفين في مصر، دون أن يهشه أحد.

كيف لا والصحفيون الصهاينة أنفسهم يتوقعون أن يتبادل الأمراء العرب مع نتنياهو القهوة العربية، بينما يرقبون سباقًا للهجن في الصحراء تحت سقف خيمة فخمة!

العالم يبدأ من القدس وإن معنويًا في قلوب الشباب الذين رقصوا فرحًا لمّا رُفع العلم الفلسطيني على سفارة إسرائيل بالقاهرة

المأساة الحقيقية أن إسرائيل ككيان جهنمي، سيبتز كل قرشٍ في خزانة الخليج من أجل إرضاء "السامي"، ووقتها لن يُسمّى "رز" وإنما تحالفًا استراتيجيًا من أجل القضاء على الإرهاب في الشرق الأوسط.. مثلًا!

في نهاية المشهد، لا زالت القدس تحتكر الأنبياء، ومحبة البسطاء، من دون سلاطينهم.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

القدس.. أرملة عروبتكم

انتفاضة القدس تبدد الحلم الإسرائيلي