15-مارس-2016

طائرات روسية في مطار حميميم (Getty)

لا شكّ ان إعلان بوتين انسحاب قوّاته الأساسية من سوريا شكّل مفاجأة كبيرة. مفاجأةٌ لم يكن ليتوقّعها حتّى الأطراف المشاركة في محادثات جنيف، بعد دخوله سوريا عسكريًا وبشكلٍ فاعل في 30 أيلول/سبتمبر الماضي، ينسحب بوتين اليوم، أو هذا ما يتم التّرويج له، وإقناع الرّأي العام به.

تظهير الانسحاب الرّوسي كإنجازٍ للمعارضة لا يخدمها بل يخدم النّظام

فور انتهاء اتصاله مع الأسد، أعلن الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين أن أهداف التّدخل العسكري قد تحقّقت، وأن لا حاجة لوجود قوّات روسية "أساسية" في سوريا. الإعلان تلقّفته أوساط المعارضة ومن معها بترحيبٍ واسع، بين مبرّرٍ للنصر على روسيا، ومنوّهٍ بقهر الشّعب السّوري بصموده للآلة العسكرية الرّوسية، لا شكّ أن صمود الشّعب السّوري، المناضل الفعلي لا معارضات الفنادق أمرٌ لا جدال فيه، لكن، تظهير الانسحاب الرّوسي كإنجازٍ للمعارضة لا يخدمها بل يخدم النّظام، الذي استطاع، بمشورة روسيا طبعًا، أن يحقّق انتصارًا ضمنيًا، ظاهره انكسارٌ وانسحاب.

في ختام تصريحه، أكّد بوتين أن القوات العاملة في القاعدتين الرّوسيّتين الأساسيتين في سوريا، طرطوس وحميميم ستواصل عملها كما في السّابق، دون أن يلمح لسحب سلاح الجو، بل أكّد سحب القوات البرّية والمستشارين الرّوس. يبدو أن المهلّلين لم يلتفتوا لتصريح بوتين بدقّة، الرّجل سيسحب قواته البرّية غير الفاعلة، وسيبقي على أعمال سلاح الجو الحربية كما تسليح الجيش السّوري، وللمفارقة، أرسلت روسيا منذ أيام دُفعةً جديدةً من الطّائرات إلى مطار حميميم، ليبقَ السّؤال المطروح، هل فعلًا انسحب الرّوسي من سوريا؟ ولماذا أعلن بوتين عن ذلك تزامنًا مع محادثات جنيف، والتّنسيق المتواصل مع الإدارة الأمريكية؟

اقرأ/ي أيضًا: سوريا.. في انتظار منطقة خضراء

إعلان بوتين هو تظهيرٌ للتسوية الأمريكية-الرّوسية، والسّلم الذي ستنزل عليه المعارضة من أعلى الشّجرة، تمهيدًا للشروع بالمشاركة بالتّسوية. الرّوسي لم يكن لينسحب من سوريا أو يعلن ذلك لولا أنّه قد ضمن تسويةً تناسبه والأسد، أي بقاء الأسد بكلامٍ آخر، ومشاركة المعارضة المرضي عليها روسيًا وأمريكيًا في الحكم، بحكومةٍ ودستورٍ جديدين تحت مظلّة الأسد، على أن يحاربوا الإرهاب سويًا، إذًا، فالانسحاب الإعلامي الشّكلي الرّوسي، محاولةٌ لحشر المعارضة والأطراف الإقليمية التي تدعمها بالزّاوية بالتّنسيق مع الإدارة الأمريكية، لأن الملف السّوري والحرب السّورية يجب أن تنتهي، أقلّه كي يُنهي أوباما ولايته بإنجازٍ فعلي.

لم يسمح الرّوسي بسقوط الأسد في بداية الأزمة، بل سعى لحمايته وصون نظامه، لعل المهلّلين اليوم والفرحين بقرار بوتين يعون ذلك، روسيا لم تتخلَّ عن النّظام السّوري عندما كان يعاني، فكيف تتخلّى عنه اليوم بعد تحسين شروطه التّفاوضية وسيطرته الميدانية؟ تخلّي روسيا عن نفوذها في سوريا يعني رسميًا إنهاء وجودها في آخر معقلٍ لها في الشّرق الأوسط. 

الرّوسي انسحب بالتّنسيق مع الأمريكي وبعد أخذه ضماناتٍ عديدة، من مكاسب في ستاتيكو المشهد الحالي، إلى مكاسب غازية – نفطية – اقتصادية، وطبعًا ضماناتٍ ببقاء الأسد، بغضّ النّظر عن إرادة الشّعب وخياراته، فخيارات الشّعب لا قيمة لها في الميزان الدّولي، حالها حال دمائه وتضحياته. 

اقرأ/ي أيضًا: 

الانسحاب الروسي.. نهاية جولة

من يفكر للدواعش؟!