21-يوليو-2017

انحاز الإعلام العالمي للحقيقة والموضوعية وليس لقطر لأنها قطر (جاستن سوليفان/Getty)

يُطرح السؤال أعلاه بكثرة مؤخرًا في إعلام دول الحصار، ليس في شكله الاستنكاري، بحثًا عن الحقيقة والفهم، بل في شكل تأكيدي يقيني موغل في التلفيق. لكن بعيدًا عن السفسطة ما مدى صحة هذا السؤال؟

ركزت أبرز المؤسسات الإعلامية في العالم على الأزمة الخليجية باعتبار أهمية انعكاساتها مع التزام المهنية والموضوعية في معظم الأحيان

عالميًا ومنذ حوالي شهرين، ركزت أبرز المؤسسات الإعلامية في العالم على الأزمة الخليجية باعتبارها حدثًا مهمًا، له تداعيات على البلدان المنخرطة في الأزمة مباشرة، ولكن أيضًا على معظم المنطقة ومختلف التحالفات القائمة وهي انعكاسات سياسية واقتصادية وحتى اجتماعية.

من أهم ما تميزت به تغطيات أشهر المؤسسات الإعلامية، محاولة تقديم مختلف الآراء وعدم تغليب الرأي الواحد، إضافة إلى تجنب تلفيق القصص والروايات. كان ذلك جليًا في تعامل هذه المؤسسات مع ما استهل الأزمة من تصريحات مفبركة ومغلوطة نسبت لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهي التصريحات التي انتقدت أبرز وكالات الأنباء ووسائل الإعلام إصرار وسائل إعلام خليجية، وعلى رأسها قناتي "العربية" و"سكاي نيوز"، تواصل نشرها وبناء تحليلات بناءها خاصة وقد أعلن مباشرة أن الأمر يتعلق باختراق استهدف موقع وكالة الأنباء القطرية الرسمية "قنا".

كان جليًا الإصرار على نسبة التصريحات لأمير قطر وبدا ذلك من خلال استضافة عدد من "الخبراء والمحللين" في السياسات الإقليمية، الذين تناوبوا على مهاجمة الدوحة وسياستها وقادتها، بناء على تصريحات واهية. هذا طبعًا لم تعتمده مؤسسات إعلامية مهنية ومحترفة عالميًا فأوله البعض انحيازًا لصالح قطر، بينما كان انحيازًا للحقيقة وابتعادًا عن الفبركة.

الهدف لدى الإعلام العالمي كان مغايرًا، كان البحث عن الحقيقة عمومًا هو الهدف. سارعت عديد الصحف والقنوات إلى العمل الاستقصائي التحقيقي، ومن نتائج ذلك ما أظهره تقرير إعلامي أمريكي في صحيفة "واشنطن بوست" بتاريخ 17 تموز/ يوليو الجاري من أن الإمارات ضالعة في اختراق الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء القطرية في أواخر أيار/ مايو الماضي والذي كان مستهل الأزمة في الخليج. وأكدت أمس وزارة الداخلية القطرية، بناء على الأدلة التي حصلت عليها من خلال التحقيق المشترك مع كل من مكتب التحقيق الفدرالي الأمريكي (FBI)، والوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة البريطانية (NCA)، ما جاء في التقرير الصحفي للواشنطن بوست.

العرب اللذين قالوا قديمًا "إن الحرب أولها كلام" عادوا ليرسخوا ذات المقولة في سنة 2017 في محاولة لم ينسق خلفها الإعلام المهني

لم تنسق هذه المؤسسات الإعلامية العالمية خلف فرضية تصر عليها دول الحصار وتتبناها دون أدلة عن "دعم قطر للإرهاب" بل حرصت على البحث والتنقيب" عن مدى صحة هذا الدعم وعن ما تقدمه دول الحصار في ذات السياق أيضًا، ونتج عن ذلك التقرير البريطاني عن مؤسسة "هنري جاكسون" البحثية، والذي يحمل عنوان "التمويلات الأجنبية للتطرف الإسلامي"، والذي خلص إلى وجود صلة بين التطرف في بريطانيا والمملكة العربية السعودية، هذه الأخيرة، وحسب ذات التقرير، تتزعم تمويل التطرف ببريطانيا.

اقرأ/ي أيضًا:  السعودية عملاق تمويل الإرهاب في بريطانيا.. الفضيحة مستمرة

وقد ساهم في انتشار التقرير مناقشته وتناوله من قبل مختلف المؤسسات الإعلامية العالمية البارزة وتوضيحه تأخر تيريزا ماي في نشر هذا التقرير وذلك خشية من تأثر العلاقات السعودية البريطانية، والضغوط التي تواجهها ماي من أعضاء في البرلمان للكشف عن محتواه. هكذا كان تعرض الإعلام الدولي لمن يدعم الإرهاب، أي بناء على أدلة وتقارير بحثية وليس على بناء على أهواء وروايات من صنع الخيال.

حتى أشهر مطالب دول الحصار من قطر، والتي أشيعت على مواقع التواصل، والمتمثلة في إغلاق قناة الجزيرة الإخبارية التي تبث من قطر إضافة إلى وسائل إعلام قطرية التمويل، كان التعامل الإعلامي عالميًا مهنيًا معها. المسألة كانت محاولة غلق منبر إعلامي، أي ما يرادف المس بحرية الصحافة والتعبير. في هذا السياق، كان التناول أيضًا في إطار البحث عن الحقيقة وخلفيات ما يحصل، حيث نشرت مثلاً صحيفة نيويورك تايمز، مستهل تموز/ يوليو الحالي، تقريرًا كشفت فيه تلقي محمد فهمي، الصحفي السابق بشبكة الجزيرة، دعمًا ماليًا ولوجيستيًا من الإمارات، للمضي قدمًا في إجراءات رفع قضية على القناة يطالب فيها بتعويض قدره 100 مليون دولار.

اقرأ/ي أيضًا: الرفض القطري لإغلاق الجزيرة.. "إعلاءً لحرية الصحافة واستقلالها"

منذ فترة نقلت صحيفة الغارديان البريطانية، تصريح سفير الإمارات في روسيا عمر غباش الذي جاء فيه أن بلاده "لا تروّج لحريّة الصحافة"، وذلك ردًّا على سؤال حول مطلب دول الحصار إغلاق شبكة الجزيرة. وبرّر غباش التضييق على حرية التعبير، بأن "لمنطقة الشرق الأوسط سياق خاصّ"، كل ما قامت به الغارديان كان نقل التصريح وإظهار صورة كما هي، لكن ذلك لم يرق لإعلام دول الحصار. هل نقل ما حصل دون تحريف يعد انحيازًا لصالح طرف دون آخر؟ هل يضر هذا بحريتي الصحافة والتعبير أم تضر بها حرب إعلامية شرسة قوامها التزييف والفبركة وأولى ضحاياها الموضوعية والمهنية.

يبدو الحديث عن الانحياز الإعلامي العالمي لقطر في الأزمة الخليجية الأخيرة واهيًا، لكن العرب اللذين قالوا قديمًا "إن الحرب أولها كلام" عادوا ليرسخوا ذات المقولة في سنة 2017 في محاولة لم ينسق خلفها الإعلام المهني فخاب وقع "الكلام" أمام النظر والبحث والتحقيق. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

إعلام السعودية والإمارات..تحريف على المكشوف وسقوط متواصل

واشنطن بوست: حصار قطر يبوء بالفشل!