28-سبتمبر-2017
Porn web page button

الإقبال الواسع على أفلام البورنو يثير توجس البعض (سين جالوب/Getty)

قليلة هي الأمور التي تتسم بكونها كونية بحق، فالناس يتحدثون لغات مختلفة ويأكلون أطعمة مختلفة ويتفاعلون مع الأمور بطرق متباينة. لكن يبدو أن مشاهدة المواد الإباحية قد باتت واحدة من الظواهر العامة المنتشرة في العالم الحديث، شرقه وغربه. لكن هل المشاهد الإباحية مضرّة؟ وما هي أضرار مشاهدة الأفلام الإباحية حقًا؟ 

تتهم صناعة البورنو بأنها تجنح إلى العنف في موادها بشكل متزايد، لكن لم يثبت للآن وجود علاقة بين الإباحية والجرائم الجنسية

الحديث عن الإباحية ومواد البورنو يشوبها الكثير من التوجس والحساسية، والمعلومات المغلوطة أو المبالغ بها، خاصة وأن الكثيرين حول العالم أيضًا من مختلف الثقافات والأديان يجدون في هذه الممارسة مرضًا سلوكيًا ونفسيًا واجتماعيًا له عواقب وخيمة على الفرد ومن حوله، حتى وصل الأمر ببعض السياسيين أن رفعوا شعار محاربة البورنو في أمريكا وغيرها من الدول باعتباره من الأمراض العامة التي تجب مكافحتها.

من جهة أخرى دخلت صناعة البورنو في العالم مرحلة من التحول الكلي في السنوات الأخيرة الماضية، وذلك نظرًا لتزايد توفر الانترنت وتطور سرعته وإمكان الوصول إليه من مختلف الأماكن والأوقات. ثم دخلت مؤخرًا تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز التي نقلت تجربة المشاهدين إلى مستوى جديد بالكلية.

لكن ما الذي يقوله العلم الحديث وآخر الأبحاث الأكاديمية الموثوقة عن مشاهدة البورن وأضرار المشاهد الإباحية على الجسم والدماغ؟ وما هي الأدلة التي تثبت أو تنفي ذلك؟ وما هو الصحيح من كل ذلك والمبالغ فيه؟ هذا ما سيوضحه لنا التقرير التالي المترجم بتصرف عن موقع البي بي سي فيوتشر.

3 أضرار لمشاهدة الأفلام الإباحية

1. العنف الجنسي

هناك سؤال كثيرًا ما يطرحه الباحثون في هذا المجال، وهو ما إذا كانت مشاهدة البورنو تشجع العنف الجنسي أو تجعله أمرًا مستساغًا لدى المشاهد، خاصة حين ترتبط مشاهدة المقاطع الإباحية بحوادث اغتصاب أو تحرش.

وقد درس العلماء هذا الجانب منذ السبعينيات. فقد درس العالم بيرل كوتشينسكي، وهو أستاذ علم الجريمة في جامعة كوبنهاغن، وأحصى الجرائم الجنسية في الدنمارك والسويد وألمانيا بعد تشريع الإباحية في الستينات والسبعينات، ولم يجد أي دليل يربط بين تزايد الجريمة وتشريع الإباحية، بل وجد في الواقع أن بعض أنواع الجرائم الجنسية قد تراجع في تلك الفترة، ولاسيما في حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي على الأطفال.

لكن في الوقت الذي لم تثبت فيه الدراسات بشكل قاطع وجود علاقة بين الإباحية والجرائم الجنسية، إلا أن صناعة البورنو تتهم باستمرار بأنها تجنح إلى العنف في موادها بشكل متزايد.

ففي أحد الأفلام الوثائقية عن صناعة البورنو، قال أحد الممثلين السابقين في هذا المجال أن أفلام البورنو في التسعينات كانت تتمثل في "ممارسة الجنس على السرير" بشكل لطيف وحميمي. لكن الأمر اختلف في الألفية الجديدة. ففي العام 2010، قام باحثون بتحليل أكثر من 300 مقطع إباحي ووجدوا أن 88% منها تشتمل على عنف جسدي. وقد كان هذا العنف عادة يصدر من الرجل تجاه المرأة، بحيث تكون ردة فعل المرأة عادة بالتظاهر بالمزيد من المتعة وكأن الأمر طبيعي.

يقارن الباحث نيل مالاموث من جامعة كاليفورنيا مشاهدة البورنو بشرب الكحول، فيما يتعلق بالعنف، حيث يجادل أن كلا الأمرين لا يشكلان خطرًا جوهريًا بأنفسهما، ولكن الخطورة تكمن في طبيعة المستهلك، فإن كانت لديه مشاكل سلوكية ونفسية واستعداد للعنف، فإن الكحول أو مشاهدة البورنو قد تدفعه للعنف.

في العام 2010، قام باحثون بتحليل أكثر من 300 مقطع إباحي ووجدوا أن 88% منها تشتمل على عنف جسدي، أساسًا من الرجل على المرأة

اقرأ/ي أيضًا: الابتزاز الجنسي الرقمي..عندما تتحول لحظة حب إلى كابوس حقيقي

2. الدماغ والجسد

مشاهدة المقاطع الإباحية قد تؤدي إلى تقلص في أجزاء من الدماغ ترتبط باللذة، كما جاء في دراسة أجريت عام 2014. فقد وجد الباحثون في دراسة أجريت على 60 رجلًا يشاهدون البورنو بكثرة أن النواة المخططية في الدماغ (Striatum) لديهم كانت صغيرة، وهذا يعني أنهم كانوا يحتاجون لمواد أكثر إباحية لتحقيق الإثارة الجنسية. لكن الأمر غير الأكيد في هذه الأبحاث هو ما إذا كانت مشاهدة البورنو فعلًا هي المسؤولة عن التقلص الحاصل في هذا الجزء من الدماغ، أو أن من لديهم تقلصًا في هذا الجزء من الدماغ لديهم ميل لمشاهدة الإباحية أكثر من غيرهم.

البعض كذلك يربط بين ضعف القدرة على الانتصاب عند الرجل ومشاهدة البورنو، إلا أن هذا الأمر غير قاطع أيضًا في ظل غياب الدراسات التي تدعم هذا الافتراض، ولا سيما مع وجود بعض الدراسات التي تشير إلى أن مشاهدة البورنو قد تعمل في واقع الأمر على تعزيز الإثارة الجنسية لدى الرجل، كما يرى باحثون في جامعة كاليفورنيا لوس أنجلس وجامعة كونكورديا.

البعض يربط بين ضعف القدرة على الانتصاب عند الرجل ومشاهدة البورنو، إلا أن هذا الأمر غير قاطع في ظل غياب الدراسات التي تدعمه

3. العلاقات الجنسية

يقال إن مشاهدة المواد الإباحية تجعل الرجل يفقد اهتمامه بعلاقاته الجنسية بعيدًا عن شاشة الحاسوب/الهاتف، وقد انتشرت هذه النظرة خصوصًا في بداية التسعينات، بعد بحث أجراه دوغلاس كينريك كان له أثر كبير في تلك الفترة.

لكن يبدو أن الأمور اختلفت في الألفية الجديدة على الأقل. فقد أجرت الباحثة روندا بالزاريني من جامعة ويسترن أونتاريو الكندية، بحثًا شارك فيه عدد أكبر بعشرة أضعاف ممن شاركوا في دراسة دوغلاس كينريك الشهيرة، دحض النتائج التي كان قد توصل إليها دوغلاس عام 1989. بالرغم من أن روندا تعترف بأن الفرق بين نتائج الدراستين قد يعود ربما إلى حقيقة أن توفر المواد الإباحية في الثمانينيات والتسعينيات لم يكن بالقدر الذي هو عليه في العصر الحالي.

في المقابل، ظهرت دراسة في أيار/مايو الماضي ووجدت أن الانتقال لمشاهدة المواد الإباحية قد يكون مؤشرًا على النية في الطلاق والانفصال. فقد وجدت دراسة اعتمدت على بيانات من الاستبيان الاجتماعي العام في الولايات المتحدة الأمريكية بين العامين 2006 و2014 أن احتمالية الطلاق تضاعفت لدى الأمريكيين الذين بدؤوا بمشاهدة المواد الإباحية في فترة معينة من الزواج. ومع ذلك فإن هذه الدراسة لا تقدم رأيًا قاطعًا حول ما إذا كانت مشاهدة البورنو "سببًا" في الطلاق، أو أنها مجرد مؤشر أو عرض على علاقة غير صحية مع الزوج أو الزوجة.

أثبتت دراسة في الولايات المتحدة أن احتمالية الطلاق تضاعفت للذين بدؤوا بمشاهدة المواد الإباحية في فترة معينة من الزواج

4. الإدمان

شبهت إحدى الدراسات من جامعة كامبردج الإدمان على مشاهدة المواد الإباحية بالإدمان على المخدرات، وذلك بعد ملاحظة أن كلا الأمرين يحفزان الدماغ بطريقة متشابهة. وهذا ما توصلت إليه أبحاث صادرة عن هيئة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، والتي جاء فيها أن الإدمان على المواد الإباحية هو اضطراب قد يشتمل على عادات ترتبط بالجنس قد تكون خارجة عن السيطرة.

في المقابل تذكر معظم هذه الأبحاث أنه بالرغم من أن الدماغ يظهر تشابهًا في الاستجابة عند مشاهدة المواد الإباحية وتعاطي المخدرات، إلا أن ذلك لا يثبت بالضرورة أن مشاهدة المواد الإباحية تؤدي بالضرورة إلى الإدمان.

الخلاصة؟

يربط الكثيرون بين المشاهد الإباحية وعدد من الأضرار والمشكلات على مستوى الأفراد من جهة وعلى مستوى المجتمع والعلاقات بين الأفراد من جهة أخرى، لكن واقع الأمر هو أن مقابل كل دراسة تثبت ضرر المواد الإباحية ستجد موادًا وأدلة أخرى تعارضها أو على أقل تقدير تثير بعض الشكوك حول مدى دقتها وقطعيتها. فالأدلة حول هذه القضية تبقى متباينة، فللأبحاث حول هذا الموضوع الحساس بعض ما يقيدها على مستوى حجم الدراسات والطرق المستخدمة فيها.

لكن السؤال الأخطر الآن يتعلق بالتقنيات الحديثة وما تقدمه من تجارب انغماسية أكثر واقعية في مشاهدة البورنو والمواد الإباحية، خاصة مع تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز، وصولًا مؤخرًا إلى الروبوتات الجنسية التي طرحت في بعض الأسواق مثل اليابان مؤخرًا.