30-أبريل-2017

من تظاهرة ضد الأسد في ستوكهولم (فريدريك ساندبيرغ/أ.ف.ب)

تحركات استثنائية قامت بها قوات الجيش الأمريكي أول أمس الجمعة حيث نشرت بعض مقاتليها على الحدود ما بين تركيا وسوريا، التي شهدت في الآونة الأخيرة تبادلًا لإطلاق النار بين الجيش التركي ومقاتلين أكراد سوريين. كما قالت وكالة الأنباء الفرنسية إن وحدات حماية الشعب الكردية كانت ترافق تلك القوات الأمريكية التي كانت على متن عربات مدججة بالسلاح قرب منطقة الحدود، الأمر الذي ربما يشير إلى مدى التوتر في العلاقات ما بين تركيا وأمريكا فيما يخص الملف السوري.

لا يوجد توافق دولي بالنسبة لمصير الأسد حتى اللحظة، لكن الكل، بما فيهم روسيا، متفقون أن لا شيء عصي على الاستغناء عنه في سوريا

ويبدو أن غياب الرؤية الدولية المتماسكة عمومًا لم يكن فقط وراء تعثّر التسوية داخل سوريا، بل إن القوى الإقليمية مثل السعودية وتركيا أثبتت خلال الفترة الأخيرة إنها قادرة على رسم مسار مختلف للملف السوري بعيدًا عن تحكمات روسيا والولايات المتحدة الأمريكية ربما ينتهي إلى تدخل عسكري واضح قادر على إزاحة بشار من المشهد. ونحاول في هذا التقرير رسم مسار تلك العلاقات، والتحقق من إشكالية رحيل بشار القريب أم نفيها.

تركيا.. التهديد الأخطر على مستقبل الأسد!

منذ أيام قصفت الطائرات الحربية التركية مجموعة من المسلحين الأكراد بالعراق وفي شمال شرق سوريا، الأمر الذي تسبب في مقتل 20 شخصًا على الأقل وذلك في تصعيدٍ واضح لحملة عنيفة ضد الجماعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني المحظور، وذلك بعد مقتل حوالي 70 مسلحًا في العمليات داخل البلدين. كما استهدفت الغارات في سوريا وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبر فصيلًا رئيسيًا في قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة التي كانت تعمل على تضييق الخناق على معقل تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة، بحسب التقارير الرسمية للجيش التركي.

اقرأ/ي أيضًا: ماذا لو بقي بشار الأسد في السلطة؟

وأعربت أمريكا عن قلقها نتيجة تلك الضربات، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية "مارك تونر" في مؤتمر هاتفي مع الصحفيين هناك "إننا عبّرنا عن تلك المخاوف لحكومة تركيا مباشرة؛ لأن التحالف لم يوافق على هذه الضربات التي أدت إلى خسائر مؤسفة للأرواح في صفوف قوات شريكة لنا في قتال الدولة الإسلامية".

وبالرغم من أن الضربات تضر بجهود التحالف إلا أن تركيا برّرت الأمر بأن التحالف المضاد الذي يجمعهم مع حوالي 60 دولة أخرى لم يعلق على الأمر. وتوضح تلك الضربات التحديات التي تواجه مبادرات الولايات المتحدة للتغلب على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا بل تجازف بزيادة التوتر بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا؛ عضوي حلف شمال الأطلسي.

بقي الموقف التركي منذ البداية ثابتًا في رفضه للأسد، علي الرغم من التقارب بين أنقرة وموسكو

على ما يبدو أن الاستفتاء التركي الذي أتاح صلاحيات أكثر لأردوغان داخل تركيا قد أضاف أيضًا بشكلٍ غير مباشر حرية في اتخاذ قرارات فردية لا تجد معارضة قد تمثل أهمية كبيرة داخليًا إن لم تجد التأييد الكامل لأردوغان وحزبه. ولذلك يمكننا الاعتراف بأن السلطات التركية أصبحت تمثّل تهديدًا واضحًا على بشار الأسد بجانب تهديدها الجماعي من خلال التحالفات التي تدخل فيها في سعي واضح لثبيت أقدام تركيا في قضايا مصيرية كالملف السوري. كما يمكننا أن نعبّر بنفس الكلمات عن ما يدور في المملكة العربية السعودية أيضًا.

مناورات إسرائيلية منسقة روسيًا..  بث الشرعية في الأسد!

نفذت إسرائيل بعض الضربات الصاروخية التي أسفرت عن انفجار ضخم ووقوع حرائق في منطقة محيط مطار دمشق الدولي الذييقع على بعد نحو 15 كيلومترا الى الجنوب الشرقي من العاصمة السورية. مما أدّى إلى حدوث انفجارات في المكان تسببت في بعض الخسائر المادية الكبيرة. ومنذ أسابيع عادت مرة أخرى مدينتا "مضايا والزبداني" إلى سيطرة جيش النظام بعد أن وافقت على شرط رجوعها الأساسي؛ الذي يقضي بمبايعة بشار
الأسد إلى الأبد، وجاءت هذه المبايعة بعد حصار شاق وطويل من حزب الله اللبناني.

وكانت إسرائيل قد أغارت أيضًا في آذار/مارس الماضي على بعض المواقع العسكرية الحكومية داخل ريف حمص وسط سوريا أيَضًا، بينما تمثل التحركات الإسرائيلية في الأجواء السورية مصدرًا غنيًا لتغذية خطاب الأسد وحلفائه، بشآن "الممانعة" ومقاومة إسرائيل، في الوقت الذي مرت كل الاعتداءات الإسرائيلية دونما ردود سورية جدية، وبتنسيق كامل مع موسكو، تحت حجة تجنب الحوادث الجوية وتنسيق الجهود.

ترى الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سوريا أن بقاء الآسد هو آسهل الحلول بالنسبة لتل آبيب

كما أن للقادة الأمنيين والسياسيين الإسرائيليين جولات عدة من التصريح بأن بقاء الأسد يمثل الحل الاستراتيجي لناحية إسرائيل في سوريا. وهي التي استضافت بعض من يسمون أنفسهم في صفوف "المعارضة" للحديث في جامعاتها، وتاجرت كثيرًا بمشهد إسعافها لجرحى سوريين، الأمر الذي شكل مادة خصبة لإعلام حلف الأسد في الهجوم على المعارضة، وتصوير الثورة منذ بدايتها على أنها "مؤامرة" كونية وفق رواية نظام الأسد.

استحالة التصالح مع بشار الأسد!

قامت الولايات المتحدة باطلاق 59 صاروخًا من طراز توماهوك من سفينتين في البحر المتوسط في اتجاه قاعدة الشعيرات الجوية، وذلك بعد الهجوم الكيماوي الذي شهد مقتل العشرات من المدنيين داخل منطقة خان شيخون في سوريا، والذي جعل ترامب يصف بشار "بالدكتاتور" الأمر الذي يمكن اعتباره تغيّرًا حاد في التعامل الأمريكي مع بشار الأسد، لكن دون أفق واضح لاستراتيجية ترحيل الأسد، علي الرغم من حديث واشنطن المتواصل عن رفض استمراره في الحكم. 

اقرأ/ي أيضًا: هستيريا سوريّة... لغة ممولة بالرصاص

كما جاء الموقف البريطاني مستمرًا في رفضه وجود الأسد عبر لسان وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون الذي قال إن "بشار الأسد أطلق العنان لقتل مواطنيه بسلاح محظور دوليًا منذ ما يقرب من 100 سنة، وإن بلاده لن تعارض توجيه ضربات مشتركة مع الولايات المتحدة ضد سوريا، كما إنه سيكون من الصعب جدًا على بريطانيا أن ترفض دعم الولايات المتحدة في توجيه ضربة عسكرية أخرى ضد سوريا على الأقل من خلال صواريخ تطلقها غواصاتنا في البحر المتوسط".

بينما قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إنه لن يسمح لمدينة سنجار التي تقع على بعد 115 كم من الحدود التركية أن تصبح (قنديل الجديدة) في إشارة إلى منطقة تمركز حزب العمال الكردستاني في العراق بالقرب الحدود مع تركيا وإيران. واعتبر أنه ما من سبيل للتوصّل إلى حل للصراع الداخلي في سوريا ما دام بشار الأسد الذي هاجم شعبه بالدبابات وبالمدافع وبالبراميل المتفجرة وبالأسلحة الكيماوية وبالطائرات المقاتلة على رأس السلطة السورية". كما تساءل باستهجان عن السبب الذي يجعله رغم كل ذلك على رأس السلطة.

وحتى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صرّح سابقًا بأنه ليس ملتزمًا بصفة شخصية بالرئيس السوري بشار الأسد وإنه ليس إلّا عنوانًا لحل منتظر في سوريا "فأنا لست محاميه" على حد قول بوتين.

الغائب الوحيد عن حلبة التشاور بالنسبة لمصير الأسد، هو الشعب السوري الذي دفع ثمن ثورته ضد النظام بكل مرارة وما زال

ربما تملك العديد من الدول بعض السيطرة أو المصالح الجزئية داخل سوريا لكن يظل الجانب الروسي هو الشريك الأقوى والأهم لتواجد بشار الأسد داخل السلطة حتى الآن، الأمر الذي يجعل تصريحات مثل هذه تعتبر تهديدًا واضحًا على الأيام القادمة لسوريا بشار. فالمبرر القديم الذي ينفي أي بدائل غير تنظيم الدولة الإسلامية لتملك السلطة داخل سوريا أصبح عديم الجدوى، خاصة مع الحرب المتنامية ضد التنظيم، وكذلك الاقتناع المتزايد بأنه أحد أعراض الأزمة التي سببها سلوك نظام الأسد.

هل هناك نتائج أخرى يمكن أن تحدث؟

منذ أن شكّل الدعم الإيراني ثم الروسي إضافتين كبيرتين يمكنهما أن تعزّزا من قوة بشار الأسد في سوريا، وتذكّر بأن الحرب يمكن أن تنتهي بحسم عسكري كامل. لم يستطع أحدًا أن يتدخل عسكريًا في سوريا ضد بشار أو ضد رغبات روسيا وإيران. لكن التواجد الإيراني في حد ذاته أوجد لدى أمريكا اختلافًا في الرؤية مع روسيا.

وعلى الرغم من التنسيق الواسع الذي أقامته روسيا مع إسرائيل إلا أن مواجهة إيران تجتذب إسرائيل أكثر نحو أميركا، خصوصاً أن التطوّرات في جنوب سوريا تشير إلى أن إيران مصرة على الخروج بحصيلة بعيدة الأمد في سوريا، فالأمر بالنسبة لطهران لا يتوقف عند الإبقاء على الأسد وتثبيت نظامه، بل أكثر من ذلك مسعاها مرتبط بتثبيت وجودها ومليشياتها هي، وما التوسع في التملك العقاري والتغيير الديمغرافي في محيط العاصمة السورية دمشق إلا أحد تمظهرات هذه المنهجية الهادفة للبقاء بالقرب من سواحل المتوسط، ما يتيح لطهران أوراقًا، ربما تتجاوز فيها مدى اللعبة الأقليمية، ولتستطيع من خلالها المناورة دوليًا، سواء مع الولايات المتحدة، أو مع تركيا، وحتى الاتحاد الأوروبي. 

ربما لا يمكننا الحديث عن رحيل "الأسد" دون أن نذكر القرار الدولي رقم 2254 الذي يقضي بتقاسم المسؤوليات في الجيش والاستخبارات بين أطراف الصراع في سوريا بالإضافة إلى رحيل الأسد كشرط لا يمكن التخلي عنه، لكن ثمة تساؤل قديم يظهر؛ ما الذي تملكه أوروبا أو أمريكا من أسباب القوة للضغط على روسيا (الحليف الأقوى لبشار) وإرغامها على إلزام النظام وحلفائه الآخرين التقيد بالهدنة أو القبول بتقاسم المسؤوليات خصوصاً في المؤسسات العسكرية والأمنية، أو حتى التوصل إلى إبعاد الأسد؟

على ما يبدو أن الأحداث في سوريا، رغم تغيّر مسارها كل يوم، وتلك الخطوات التي سارت عليها بعض الدول المعارضة لتواجد بشار الأسد، سواء الإقليمية مثل تركيا والسعودية، أو عالمية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، يمكن أن تجعل روسيا تحت ضغط كبير يمكن من خلاله أن تتنازل عن التمسك بالأسد وخلق بديل له يمكن له التعبير عن انسجام أكبر بين مصالح الأطراف السابق التطرق لأدوارها ومواقفها، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا البديل معبرًا عن انسجام وتوافق سوريين، حسبما تشير خارطة مصالح التدخل، فالشعب السوري، الذي دفع ثمن الصراع، بمختلف أطيافه ومواقفه، ربما يكون آخر من يُسأل عن رأيه في أي من المصائر المفتوحة أمام مستقبله. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

هل تنهي تركيا عملية "غضب الفرات" الكردية باتفاق مع واشنطن؟

شبيحة الأسد.. تعرف على أبرز المليشيات الأجنبية المقاتلة مع النظام السوري (3-3)