29-أبريل-2022
تستمر حملات النظام المصري القمعية التي تدمر قطاع السياحة المصري (Getty)

تستمر حملات النظام المصري القمعية التي تدمر قطاع السياحة المصري (Getty)

شنت الداخلية المصرية حملة أمنية واسعة خلال الأسابيع الماضية، وألقت القبض على بعض العاملين بقطاع السياحة وأصحاب المتاجر السياحية والبازارات في محافظة الأقصر بصعيد مصر، إلى جانب عدد من المواطنين والأجانب بمحافظات أخرى كالقاهرة والجيزة والغردقة بتهمة "حيازة عملة أجنبية"، أو قانونيًا تحت بند مخالفة قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي فيما يخص التعامل في النقد الأجنبي خارج البنوك والقطاع المصرفي.

شنت الداخلية المصرية حملة أمنية واسعة خلال الأسابيع الماضية، وألقت القبض على بعض العاملين بقطاع السياحة وأصحاب المتاجر السياحية والبازارات

يتزامن ذلك مع وقت تواجه فيه مصر أزمة كبيرة على مستوى جذب الاستثماراث الأجنبية، والحفاظ على احتياطي النقد الأجنبي والإبقاء على قيمة ثابتة للعملة المحلية في مقابل العملات الأجنبية، ذلك على ضوء الحرب الأوكرانية وتأثيراتها على المنطقة، فضلًا عن التأثير المباشر على قطاع السياحة (أحد أهم مصادر الدخل القومي المصري) حيث يمثل السائحون الروسيون والأوكرانيون أكثر من ثلث إجمالي السائحين، ما يجعل مثل هذه التعاملات الأمنية غير المنضبطة مع السائحين والأجانب والعاملين بقطاع السياحة محل تساؤل.

القبض على عشرات الأشخاص، والتهمة حيازة دولارات

نشر موقع Middle east eye  البريطاني خبرًا منذ فترة عن مداهمة قوات من الشرطة المصرية لأصحاب المتاجر السياحية في محافظة الأقصر والقبض على بعضهم بتهمة التعامل في النقد الأجنبي خارج القطاع المصرفي، الأمر الذي اعتبره العاملون بالسياحة ضربة أخرى لصناعتهم. وأشار الموقع إلى اقتحام ضباط الشرطة لعشرات المحلات والبازارات وصادروا العملات الأجنبية وألقوا القبض على العمال بعد اتهامهم بالتورط في تجارة العملات الأجنبية غير المشروعة. وكان موقع middle east eye  توقع في شهر شباط/ فبراير الماضي مع بداية الحرب الأوكرانية ضربة موجعة لقطاع السياحة المصرية.

كان بازار "هاميس" الذي يقع في السوق السياحية الرئيسية بمدينة الأقصر أحد الأماكن التي اقتحمتها قوات الشرطة المصرية، وأخذ أفراد الأمن أموالًا من البازار بطريقة غير قانونية، بعدما أمروا المحاسب بفتح الخزانة، واستولوا على كل الأموال الموجودة. ثم ألقت قوات الشرطة القبض على المحاسب واُحتجز لمدة أربعة أيام على ذمة التحقيقات قبل أن يُجدد حبسه لمدة 15 يومًا آخرين، حسب ما صرّح سمير علي صاحب البازار. كما أضاف شهود عيان أن قوات الشرطة ألقت القبض على مرشد سياحي كان على وشك الدخول إلى مكتب صرافة لتحويل العملات الأجنبية التي اكتسبها من عمله إلى الجنيه المصري، واُتهم بحيازة عملات أجنبية بطرق غير مشروعة ومخالفة للقانون.

سادت حالة من القلق بين العاملين بقطاع السياحة في الأقصر بعد هذه المداهمات، خوفًا من القبض عليهم وبحوزتهم عملات أجنبية اكتسبوها بطرق مشروعة من عملهم بالسياحة ليجدوا أنفسهم متهمين وعرضة للحبس والدخول إلى السجن. ويضيف أحد زملاء المرشد السياحي الذي قُبض عليه، أنه أصابه الخوف بعد علمه بالقبض على زميله، وأنه سيبدأ في مطالبة السائحين بالدفع له بالجنيه المصري عوضًا عن العملات الأجنبية، على الرغم من اعتياد السياح الدفع بعملة بلادهم، بيد أنه يخشى تكرار مثل هذه الهجمات الأمنية ليجد نفسه مهددًا بالسجن.

لم يتوقف الأمر على محافظة الأقصر فقط أو العاملين في قطاع السياحة. ففي الوقت نفسه، ألقت مباحث الأموال العامة بوزارة الداخلية، القبض على شخصين سوريي الجنسية يمتلكا محالًا لبيع الملابس في محافظة الجيزة، بتهمة الاتجار بالنقد الأجنبي خارج السوق المصرفي، بعد العثور بحوزة الأول على 2800 دولار أمريكي، و11100 ليرة سورية، و7 آلاف جنيه مصري، وبحوزة الثاني 15000 جنيه مصري و200 دولار أمريكي فقط!

وكما نرى فإن النيابة العامة لم تفرّق بين من يتكسب الأموال الأجنبية من عمله القانوني وبين من يتاجر في السوق السوداء، كما لم تفرّق بين من يحوز مبالغ كبيرة تضعه بمحل الشكوك، وبين من يحوز مبالغ محدودة لا تتعدى بضع المئات من الدولارات، كما في النماذج السابقة. قررت النيابة العامة على سبيل المثال، حبس شخص برازيلي من أصل لبناني بتهمة الاتجار في العملات الأجنبية بعد العثور معه على مبالغ محدودة (7 آلاف دولار، 400 ليرة تركية) داخل مقر شركته المتخصصة في صناعة الزجاج بالقاهرة.

وكانت النيابة العامة قررت حبس عدد من الأشخاص الأجانب والمصريين بمحافظات الجيزة والقاهرة، باتهامات كلها متعلقة بحيازة عملات أجنبية والاتجار بالعملة بالسوق السوداء والتعامل بالنقد الأجنبي خارج السوق المصرفية بالمخالفة لأحكام قانون البنك المركزي، على الرغم من أن القانون ينظم ويبيح للشخص حيازة النقد الأجنبي ما دام يتعامل فيه عن طريق البنوك والجهات المعنية. وتصل عقوبة الاتجار في العملة خارج السوق المصرفية إلى الحبس لمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 10 سنوات، وبغرامة لا تقل عن مليون جنيه ولا تجاوز خمسة ملايين جنيه أو المبلغ المالي محل الجريمة، حسب ما ينص عليه قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020.

هل لخفض قيمة الجنيه المصري علاقة بحملات القبض على مالكي وحاملي الدولارات؟

تزامنت المداهمات الأمنية لأصحاب المتاجر السياحية بالأقصر وحملات القبض على العشرات من الأجانب والمصريين ممن يحوزون مبالغ محدودة من العملات الأجنبية  مع قرار البنك المركزي المصري بتخفيض قيمة الجنيه المصري، حيث قرر البنك المركزي في الشهر الماضي تخفيض قيمة الجنيه المصري في مقابل الدولار الأمريكي ورفع سعر الفائدة في محاولة لجذب الاستثمارات الأجنبية والإبقاء على احتياطي النقد الأجنبي. ومن قبل هذه القرار بأيام، بدأت حملات القبض الأمنية في محافظات القاهرة والجيزة واستمرت حتى الأيام الماضية وامتدت إلى المدن السياحية كالأقصر والغردقة، فهل هناك صلة بين قرارات البنك المركزي والحملات الأمنية؟  وهل هناك تنسيق أمني مسبق؟ هذه الأسئلة يطرحها متابعون بالنظر إلى أن الأمر حدث سالفًا في عام 2016 عندما اتخذ البنك المركزي قرارًا بتحرير سعر الصرف فيما عُرف "بتعويم الجنيه" في تشرين الثاني/نوفمبر 2016. فقبل إعلان القرار ودخوله حيز التنفيذ بشكل رسمي، كانت الداخلية المصرية بدأت في حملات أمنية للقبض على الأشخاص الذين بحوزتهم عملات أجنبية.

يبدو أن الأمر يتكرر، ففي آب/أغسطس 2016، قبل إعلان البنك المركزي تحرير سعر الصرف، شنت الداخلية المصرية حملات قبض واسعة في عدد من محافظات الجمهورية وألقت القبض على عشرات الأشخاص بتهم الاتجار بالعملة الأجنبية في السوق السوداء، وكذا لم تفرق النيابة العامة في حينها بين حيازة المبالغ المحدودة التي لا تتجاوز بضع مئات من الدولارات في بعض الحالات وحيازة المبالغ الضخمة محل الشكوك، حتى أن قسم مكافحة جرائم الأموال العامة بمديرية أمن الدقهلية ألقى القبض على سعيد لطفي، مرشح سابق في انتخابات مجلس الشعب 2011، ومسؤول عن إحدى شركات السياحة، بتهمة الاتجار بالنقد الأجنبي بطريقة غير مشروعة، والمثير في الأمر أن الأموال التي ضُبطت في حوزته لم يكن من ضمنها سوى 100 دولار أمريكي فقط لا غير.

وبعد قرار المركزي بتحرير سعر الصرف، وخلال السنوات التالية، أُلقي القبض على العديد من أصحاب الصرافات باتهامات متعلقة بالتجارة غير المشروعة في العملة والإضرار بالاقتصاد القومي، والغريب في الأمر أن هذه القضايا المحالة للمحاكمة نُظرت أمام محاكم أمن دولة عليا ومحاكم طوارئ استثنائية، ولم تُنظر إلى محاكم جنائية اقتصادية، وأغلب القضايا لم تُحال للمحاكمة من الأساس إنما بقي المتهمون قيد الحبس الاحتياطي على ذمة قضايا أمن دولة عليا بعد أن اُتهموا بجرائم أخرى متعلقة بالإرهاب، كالانضمام للجماعات المحظورة وتمويل الجماعات الإرهابية.

أبرز تلك القضايا التي حوكم فيها رجل الأعمال حسن مالك، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، مع عدد آخر من رجال الأعمال وأصحاب الصرافات بتهم "الإضرار بالاقتصاد القومي". وتراوحت الأحكام الصادرة ضدهم عن محكمة إرهاب استثنائية بين 10 سنوات من السجن المشدد لثلاثة متهمين وحتى السجن المؤبد لحسن مالك ونجله وخمسة آخرين. ولم تكن هذه القضية الوحيدة التي واجهها مالك، فقد صدر ضده حكم آخر من محكمة القاهرة الاقتصادية بالحبس لمدة عامين في تهمة "مباشرة أعمال البنوك".

لا نجد منهجية واضحة أو أصل قانوني للأجهزة الأمنية في القبض على الأشخاص لحيازتهم أموال أجنبية

وهكذا لا نجد منهجية واضحة أو أصل قانوني للأجهزة الأمنية في القبض على الأشخاص لحيازتهم أموال أجنبية، فمرة للنيل من رجال أعمال ينتمون لفصيل سياسي معين، وتحميلهم نتائج الفشل الاقتصادي باتهامهم "بالإضرار بالاقتصاد القومي"، ومرة أخرى بشكل أكثر عشوائية لمواطنين مصريين عاديين أو آخرين يعملون بقطاع السياحة أو حتى من الجنسيات الأجنبية الأخرى باتهامات التعامل بالنقد الأجنبي خارج القطاع المصرفي. الأمر الذي يمثل أزمة كبيرة بالنسبة لقطاع هام كقطاع السياحة والعاملين به، كما يمثل مشكلة للسائحين والأجانب والمستثمرين في الوقت الذي تعاني فيه مصر بشكل ملحوظ من نقص النقد الأجنبي.