04-مايو-2017

الرئيس المصري ذو الخلفية العسكرية عبدالفتاح السيسي (يوت غرابوسكي/ Getty)

أخبار يومية حول الاعتقال والاختفاء القسري للمواطنين، وحديث دائم حول تأزم الوضع الاقتصادي، وتصريحات طريفة للسيسي تمثل مادة للسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، وتسريبات دورية من داخل أجهزة النظام؛ هذه الأخبار المكررة في مصر طيلة الفترة الماضية، والتي لعلها باتت مملّة، فلم يعد خبر قتل مواطن يثير الانتباه، ولم يعد حتى التسريب يشغل الحال.

وأصبح الخوف من أن نظام السيسي، وبخلاف اغتياله للحياة السياسية، استطاع اغتيال النفوس بفرض حالة رتابة رغم الاعتقاد الكامن، والذي قد لا يكون إلا مزيفًا، بوجود حراك هو تمهيد لتغيير قريب.

يعود الزمن في مصر إلى الوراء، من حيث انتهاكات حقوق الإنسان، وأيضًا من زاوية "خليهم يتسلوا"

في النهاية حكم مبارك لثلاثة عقود في ظل قانون الطوارئ. واليوم يعود الزمن في مصر للوراء ليس فقط من زاوية عودة الاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان، فلسان الحال في هذا الجانب يقول: "ولا يوم من أيامك يا مبارك"، ولكن أيضًا من زاوية "خليهم يتسلّوا"، أي فليفعل كل مواطن ما يريد، ولفعله جزاء، وليفعل النظام ما يريد ولفعله ثناء.

في النهاية، باتت فكرة إسقاط النظام كَمَن يحاول هدم جبل بدق المسامير على سفحه، وهذه الصورة القاتلة لو استحكمت خفية بين الأصوات الحرّة، فهي مثبطة للعزائم "المهدودة" بطبعها.

اقرأ/ي أيضًا: يسقط يسقط حسني مبارك.. تاني

منذ ثورة 25 يناير، كان الشارع حاكمًا لا معيارًا. في محمد محمود وفي ماسبيرو، وحتى أخيرًا في 30 حزيران/يونيو، وتتالت الانتخابات واحدة تلو أخرى، وحينما حصل الانقلاب العسكري، تواصل الحراك النشيط لأشهر، مظاهرات تأييد و"تفويض"، تقابلها مظاهرات رفض واحتجاج، كما انتظم استفتاء وانتخابات تشريعية ورئاسية.

ولكن حينما استحكم النظام العسكري على رأس السلطة التنفيذية، كاشفًا عن وجهه بوضوح دون مواربة، استنكف حتى على إتمام مسرحيته، فلم تنتظم الانتخابات التشريعية إلا بعد سنة ونصف من الانتخابات الرئاسية. وتراجع تباعًا دور الشارع، بعد إسدال ستائر المسرحية، وصدر قانون التظاهر، وأصبح كل مواطن محتج هو إخواني أو إرهابي، كما باتت مظاهرات الإخوان في بعض القرى، كل يوم جمعة، حدثًا روتينيًا لا ثقل له، أشبه ببرنامج ثقافي أسبوعي لا يهتمّ لشأنه إلا القلّة، وهو اهتمام متابعة لا أكثر.

استقرّ النظام بفكرة "الاستقرار"، وصار الحديث عن قرب سقوطه اليوم من أصحاب الهمّة ليس إلا حديث سذاجة يتعالى على واقع قاتل. لقد نجح السيسي في إعدام الحياة السياسية بخنقه لها، كما لم يسبقه أحد قبله، ونجح في جعل الخروج للشارع بمثابة إقدام على مغامرة انتحارية، منتهاها القتل أو الدفن الحيّ في إحدى المعتقلات.

إن الخطير والمؤلم في أن زلزلة الاستقرار المتغنى به لا يأتي إلا من النظام نفسه، لا من المعارضة أو الشارع، بمعنى أن النظام يتحرّك أولًا فيما يُكتفى مقابله بردّ الفعل دون المبادرة. فلم تكن احتجاجات جمعة الأرض، وهي الاحتجاجات الأعنف منذ الانقلاب، لو لم يقم النظام بطرح مسألة تبعية جزيرتي تيران وصنافير. لقد فقدت القوى الشبابية القدرة على المبادرة، وباتت التشكيلات السياسية إما دمى متحركة بيد النظام، أو جماعات محاصرة من النظام، لا تثبت وجودها إلا ببيان بين الحين والآخر.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب تيران وصنافير.. المصريون يكسرون قانون التظاهر

والخشية أن الجميع رفع يده للأعلى، إن لم يكن استسلامًا فهي مناجاة. أصبحت الصورة سوداوية وقاتلة، وبعض قول العجائز تسرّب لقلوب شباب عاشوا 25 يناير العظيمة في عزّ شبابها، بيد أن معرفتنا بكون المعركة طويلة، وأن "الثورة مستمرّة" هي الخزّان الحقيقي المتبقي لدينا.

الخطير أن زلزلة الاستقرار المتغنى به يأتي من النظام نفسه، الذي يتحرك أولًا، وتكتفي المعارضة برد الفعل دون المبادرة

نعم، نجح السيسي في فرض الرتابة والملل، ويكاد يقتل بعض الاندفاع المتبقي لدى الشباب، ولكن ما دام الشباب الذي عاش يناير طفلًا لا يتردد في السخرية من الرئيس الأبله على مواقع التواصل الاجتماعي، ومادام هذا الشباب يقتل نظام العسكر كل يوم سخرية، ومادام الفضاء الافتراضي موجودًا رغم المحاولات الساذجة من النظام لتضييق الولوج إليه، فليس ثمّة إلا خيار الإيمان بأن هذا النظام لن يصمد طويلًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ليس "وعيًا طبقيًا" وإنما روحٌ ثورية

25 يناير: حماية الارتجال.. بعيدًا عن العاطفية