30-مارس-2019

من اعتصام الأساتذة المتعاقدين في المغرب (الترا صوت)

من احتجاجات الطلبة بالدار البيضاء في 23 آذار/مارس 1965 إلى اليوم، يعيد التاريخ نفسه، هذه المرة بخروج زهاء 50 ألف معلم إلى شوارع العاصمة الرباط، في 24 آذار/مارس 2019، منددين بما فرض عليهم من سياسة التعاقد.

من احتجاجات الطلبة عام 1965 إلى اليوم يعيد التاريخ نفسه، هذه المرة بخروج 50 ألف أساتذ تعاقد في المغرب إلى الشوارع مطالبين بدمجهم

كان القمع مصيرهم، صحيح أنه لم يبلغ حدود وحشية ما عرفه سلفهم قبل 54 عامًا، لكنه كان قمعًا كافيًا ليحيل تحركهم الاحتجاجي إلى "يوم أسود" آخر في تاريخ التعليم المغربي، وقد أصيب العديد منهم بالجراح التي نقلوا على إثرها للطوارئ، وبعضهم للعناية المركزة.

اقرأ/ي أيضًا: عنف دموي ضد اعتصام الأساتذة المتعاقدين في المغرب.. والإضراب مستمر

بداية السير

"بعد مسيرة نضالية لأكثر من شهر تكللت بتصعيد الاحتجاج بالإضراب ثم اعتصام جهوي فضّ بذات الكيف القمعي الذي استجد بمسيرة الرباط بعدها، توجهنا نحن أطر تنسيقية مركز طاطا، تلبيةً لما كان مقررًا في برنامجنا النضالي، نحو الرباط لإجراء اعتصام وطني بها"، تصرح لـ"ألترا صوت"، لطيفة المخلوفي، عضو المجلس الوطني لتنسيقية الأساتذة المتعاقدين بمدينة طاطا جنوب المغرب.

وتسترسل ساردة رحلتها: "توجهنا بمعية مجموعة من الأساتذة نحو المحطة الطرقية للمدينة، وإذا بنا نتفاجأ بإلغاء كل الرحلات المتوجهة إلى الرباط ذلك اليوم، وهو إلغاء لم يكن المراد منه سوى منعنا من الالتحاق بجماهير زملائنا والتنديد بقضيتنا. هكذا كان لزاما علينا إطالة الطريق، وتكبد عناء التوجه جنوبًا بـ292 كلم نحو مدينة كلميم، وعبر سيارة شخصية لأحد الزملاء، لنستقل حافلة حملتنا بدها صوب وجهتنا الأولى الرباط".

اعتصام الأساتذة المتعاقدين في المغرب
شارك أكثر من 50 ألفًا في اعتصام الأساتذة المتعاقدين في المغرب

نفس العناء تكبدته المعلمة سكينة بنغالم، في رحلتها من مدينة وجدة أقصى شرق المغرب إلى الرباط، أقصى الغرب، حيث طريق يطول حسب وصف المتحدثة، قطعته هي كذلك بالحافلة التي تعددت توقفاتها عند كمائن الشرطة المنتشرة على مد خط السير. لم تشر سكينة لأي مضايقات تخللت الطريق، كما عينت لطيفة المضايقات في حيز ضيق هو حدود مدينتها.

"وقت الوصول كان الاجتماع وتنظيم الشكل النضالي أول مهمة قمنا بها"، تقول لطيفة المخلوفي، موضحة أن الاجتماع كان بحضور كافة أعضاء المجلس الوطني، حيث تم فيه فرز اللجان الوظيفية التي نظمت "السير السلمي والمنضبط للخطوة النضالية"، على حد تعبيرها. 

هكذا، تم فرز لجنة التوثيق التي واكبت المسيرة والاعتصام، وكذلك لجنة الشعارات، ولجنة التغذية... إلخ. كما أقر الاجتماع تمسك التنسيقيات بقرار الاعتصام، وتنزيله. أما في حالة سكينة، والتي كانت معفية من حضور مجريات الاجتماع التنظيمي؛ استغلت بعض الوقت للراحة، بعد ذلك توجهت إلى مقر وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، حيث كان مقررًا كنقطة بداية للمسيرة.

شموع لضحايا التعليم

"كان وصولي إلى محيط الوزارة لحظة لا توصف، عنوانها الرئيسي هو الحماس والإيمان بعدالة قضيتنا، وقتها أحسست صدق المجاز بأننا جسد تعليمي. كنا جسدًا تعليميا واحدًا رغم اختلاف لهجاتنا والمدن التي ننتمي لها، نردد الشعارات بصوت واحد وروح واحدة"، هكذا تصف سكينة بنغالم الجو الذي انطلقت فيه المسيرة.

سلمية وبالشموع المضاءة على أرواح من قضوا برصاص القمع في احتجاجات الطلبة عام 1965، بدأت مسيرة اعتصام الأساتذة، التي رجت شعاراتها طول المسافة بين وزارة التعليم ومبنى البرلمان المغربي.

"كان الحشد غفيرًا، وتتملكك روحه دون القدرة على التحكم فيها، وتنساق مع سيل اللحظة الجارف، وتصرخ دون شعور، وبإيمان أنك في أكثر لحظات حياتك أمنًا. أنت هنا لست واحدًا بل جماعة متحدة تحميك. كانت لحظة التجرد من الأنوية لصالح الكل المتحد لتحقيق المطالب العادلة والمشروعة"، تقول ذات المتحدثة.

فيما أشارت لطيفة المخلوفي إلى الجو التنظيمي الذي دارت فيه الأحداث، قائلة: "كانت الأمور تجري بسلام، وانطلق كل شيء كما رتب له؛ المسيرة على الساعة الخامسة مساء من مقر وزارة التربية والتعليم، ووصولها إلى أمام مبنى البرلمان بتنظيم دقيق، وبحسب الجهات سارت المسيرة منضبطة دون أي انفلات".

اعتصام الأساتذة المتعاقدين في المغرب
في العاشرة والنصف مساءً بدأت قوات الأمن بمحاصرة الاعتصام

ولا تخفي لطيفة أن هاجس القمع كان حاضرًا دائمًا بين المتظاهرين، لكنها تقول إنه كان مقرونًا بـ"تصميم أكبر على سلمية التحرك الذي لم نتخلى عنه طوال الخطوة النضالية، عازمين كذلك على التشبث بقرار الإضراب".

وبعد فض الاعتصام بالقوة، عقد الأساتذة المتعاقدون جمعهم الوطني لمناقشة الخطوات الاحتجاجية التي سيخوضونها بعد ثلاثة أسابيع متتالية، فقرروا تمديد الإضراب للأسبوع الرابع على التوالي

ليلة من الاعتصام.. المطاردات والاعتصام مجددًا

وصولا إلى البرلمان، بدأ الاعتصام بشكل سلسل، حيث تكفلت كل لجنة جهوية بتنظيم اعتصام مجموعتها، وبذات الشكل المحكم سرت الأمور على طول خط المسير، وفي كل ما يخصه من تغذية وتوثيق وشعارات، كما أوضحت لطيفة المخلوفي.

وفي الساعة العاشرة والنصف مساءً، بدأت القوات العمومية بمحاصرة المعتصمين بالعساكر مكافحة الشغب وبالآليات. تقول لطيفة: "أيقنّا وقتها أن القمع آت، وقد تدخل بعض المسؤولين وممثلي السلطة لمحاورتنا، وطلبوا منا فض الاعتصام، لكن إرادة عموم المحتجين كانت هي أساسنا الديموقراطي لصناعة القرار".

وأضافت: "بالرجوع إلى المعتصمين، تبيّن أن الجميع ملتزم بقرار إكمال الاعتصام. ونحن صراحة كان لدينا نفس الإصرار فتم الرد: أننا سنبيت هنا".

ماهي إلى ساعات ثلاث، وقبل الفجر بقليل، بدأت تظهر بوادر التدخل الأمني، وبالفعل تأكد ذلك مع اقتراب صفوف طويلة من قوات الأمن تجاه مقدمة الاعتصام، لتبدأ بعدها خراطيم المياه في عملها، ثم تدخل عساكر مكافحة الشغب بعصيهم.

"نجح العنف في طردنا من ساحة البرلمان، إلا أن تحركنا ذاك كان إعلانًا لفصل آخر من فصول تلك الليلة، هو لعبة القط والفأر في الشوارع، فقد عزم الأستاذة على عدم مغادرة الشارع، بل صاروا يتجمعون في مجموعات صغيرة ويواصلون ترديد الشعارات، لتطاردهم من جديد قوات الشرطة، فيتفرقون ليعاودوا الالتحام ببعضهم في أزقة أخرى وترديد الشعارات مجددًا"، كما تروي لطيفة.

اعتصام الأساتذة المتعاقدين في المغرب
استخدمت قوات الأمن الهراوات وخراطيم المياه لتفريق اعتصام الأساتذة المتعاقدين في المغرب

وتصف سكينة بنغالم إحساسها أثناء المطاردة، قائلة: "وقتها توقف كل شيء بالنسبة لي، لم أكن أحس حتى بالرعب، أكثر شيء تذكرته هو فرحتي يوم تم قبولي في هذه الوظيفة، ولم يكن حتى هذا ندمًا. يمكن أنها الصدمة التي جمدت داخلي كل شيء، وتركتني أواجه الحاجة القهرية للركض، للهرب من العصا أقصد".

تابعت سكينة الركض بمعية زملائها يقودهم أحد الأساتذة الذي ساعدهم للوصول إلى مكان آمن بعيدًا عن محيط عنف الشرطة، فيما استمرت المسيرات والمطاردات الأمنية إلى حدود السابعة صباحًا.

تؤكد لطيفة المخلوفي أحد كوادر إضراب أساتذة التعاقد، أن تحركهم تجاوز  المطالب الخاصة إلى إصلاح الوضع المزري للتعليم العمومي في المغرب

"مع رفض الأساتذة الاستسلام والالتحاق بمقرات النوم، في حين استنزفت طاقة قوات الشرطة بالمطاردة والسهر؛ واصلنا رفع الشعارات، مجسدين صمودًا منقطع النظير، إلى أن التحقنا بالمسيرة الكبرى التي نظمت كذلك صباح الأحد بمشاركة فعاليات سياسية واجتماعية عديد، والجماهير الطلابية التي كذلك عبرت عن تضامنها مع قضيتنا التي هي جزء لا يتجزأ من الإكراهات التي تعانيها مهنة التدريس، بسبب فشل سياسات الحكومة في إدارة الملف"، تقول لطيفة المخلوفي.

تؤكد لطيفة في نهاية حديثها لـ"ألترا صوت" أن تحركات الأساتذة المتعاقدين تجاوزت مطالبهم الخاصة إلى إصلاح الوضع المزري للتعليم العمومي في المغرب، وإعطاء أبناء الوطن حقهم في تعليم ذي جودة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أساتذة التعاقد في المغرب.. حكاية صمود أمام سياسة "تكسير العظام"

دعوات مغاربية لتحسين التعليم العمومي