25-مايو-2017

لم يسبق للحظر الصحافي في مصر أن وصل ما هو عليه هذه الأيام

لم يتوقف الأمر عند حظر بعض المواقع من خارج مصر، إنما امتدّ ليشمل مواقع تُبثّ من مقارها بالقاهرة، بعدما قررت سلطات الإمارات والمملكة السعودية حَجْب ذات المواقع الإلكترونية لتلحق القاهرة بركب الحظر الإلكتروني.

حظرت مصر 21 موقعًا اتَّهمتها بترويج الإرهاب في خطوة تمس حرية التعبير والصحافة وتتناقض مع الدستور

جاء قرار مصر بحظر قائمة من المواقع ضمَّت "الشرق والعرب والراية والوطن القطرية، ووكالة الأنباء القطرية، والمواقع التابعة لقناة الجزيرة، وعربي21 وصحيفة الشعب والمصريون، وحرية بوست، وحسم، وبوابة القاهرة، والمصريون، وهافينغتون بوست، وحماس أونلاين، وإخوان أونلاين، ورصد، ومدى مصر".

وقالت مصادر مصرية إن السلطات ستحجب قائمة جديدة من المواقع، ومنها مواقع قناتي مكملين والشرق، وكلمتي، ونوافذ أخرى تنطلق من خارج مصر.

ولا يزال اللغز يفرض نفسه بشأن بعض التفاصيل، التي لا تزال غامضة في قرار حظر المواقع بالقاهرة.. نحاول أن نجيب عنها في هذا التقرير.

اقرأ/ي أيضًا: عسكر مصر والعربي الجديد.. خوف الطغاة من الحريات

بحكم محكمة.. حظر المواقع ممنوع

يؤكِّد حكم محكمة القضاء الإداري المصريّة، في الدعوى رقم 15575 لسنة 61 ق بتاريخ 29 ديسمبر 2007، على رفض ومنع حجب المواقع من الجهة الإدارية. ووفقّ نص الحكم، الذي أشار إليه الناشط الحقوقي جمال عيد، فإن "حجب موقع بالصحافة الإلكترونية هو من ذات جنس حظر صحيفة مكتوبة بجامع أن كل ذلك قيد على حرية التعبير محظور دستوريًا، وتأخذ المحكمة في الاعتبار وبخصوص الحالة الماثلة أنّ المخالفات، التي يأخذها المدعي على بعض المواقع كأنها تسببت في التعرض له بالإهانة فإن ذلك يسوغ له ملاحقة مرتكبيها جنائيًا ومدنيًا، إلا أنها لا تبرر حجب هذه المواقع بالكامل لما تحتويه، كما هو معلوم من آلاف المعلومات الأخرى التي يستفيد منها كل من يسعى إلى المعرفة وبالتالي يطولهم عقاب الجهة الإدارية في حالة حجبها الموقع".

مدى مصر.. مكملين رغم الحصار

قال العاملون بموقع "مدى مصر" إنهم مستمرون في النشر عبر كافة المنصات المتاحة، وهو ما يعني أن الموقع سينتقل مصريًا من البثّ عبر سيرفر إلكتروني إلى صحافة السوشيال ميديا عبر تويتر وفيسبوك وانستجرام ومواقع تواصل اجتماعي أخرى. وأكَّد، في بيان أعقب حظره بدقائق، أن "مدى مصر حُجِب".

وأضاف البيان: "تأكدنا الآن بعد التواصل مع شركائنا التقنيين أن موقع مدى مصر قد حُجب عبر حقن (ريسيت) تعطل الاتصال بعنوان موقعنا عبر أغلب مقدمي خدمة الإنترنت في مصر".

وشدّد الموقع على أنه "نحاول الآن تعقب وتحديد مصدر الهجوم، لكنه حدث بالتزامن مع أخبار حجب الحكومة 21 موقعًا بسبب دعمها الإرهاب ونشرها اﻷكاذيب، على كل اﻷحوال، فلنستمر". وتابع: "رغم أن الحصول على إجازة كان سيسعدنا كثيرًا، إلا أننا مستمرون في النشر عبر كافة المنصات المتاحة إلى جانب موقعنا اﻹلكتروني أيضًا. انتظروا صحافتنا كالمعتاد".

ووضع "مدى مصر"، المدعوم من الاتحاد الأوروبي، عدّة طرق للوصول إلى الموقع، الذي سيظلّ مستمرًا في تقديم خدماته للمصريين خارج مصر، منها النسخ المخبأة "الكاش"، والبروكسي، مؤكدًا: "ليس هذا مثاليًا لكن علينا جميعًا أن نتأقلم مؤقتًا".

وعلَّقت لينا عطالله، المدير التنفيذي لموقع مدى مصر، على قرار الحجب أن "ما جرى ليس متوقعًا"، خاصة أن "الشركة تعمل من داخل مصر وتقوم بأداء ما عليها من التزامات تجاه الدولة من ضرائب وغيرها". وأضافت: "دائمًا كنا نتوقع أن تكون الهجمات ضدنا بالطرق التقليدية كالقبض أو تحريك قضايا ضدنا مثلما جرى مع حسام بهجت بعد تحقيقه عن محاكمة الضباط بتهمة محاولة الانقلاب".

وأشارت لينا إلى أن العاملين بالموقع فوجئوا، أمس، بعدم إمكانية الوصول إليه: "عندما عدنا إلى شركائنا التقنيين أخبرونا أننا تم حجبنا، وهو ما تأكد لنا بعد ذلك رغم عدم ورود اسمنا على أي من القوائم المعلنة". واختتمت تصريحاتها: "كل شيء صار متوقعًا، سياسة الحجب جديدة علينا، ولكن يبدو أننا دخلنا منطقة جديدة من التعامل".

وأشارت إلى "قوائم دعم الإرهاب"، التي لقَّبت بها مصر تلك المواقع، بقولها: "الغريب الآن هو إقحامنا داخل قوائم بعينها".

اقرأ/ي أيضًا:  "كوابيس السلطة الرابعة".. كيف تغيرت الصحافة العربية في 2017؟

نقيب الصحفيين السابق: "الحَجْب انتهاك للدستور"

علق نقيب الصحفيين السابق في مصر يحيى قلاش أن حجب مواقع صحفية انتهاك صريح للدستور، وسابقة خطيرة تكرس فرض إعلام الصوت الواحد

أما يحيى قلاش، نقيب الصحفيين السابق، فقد علَّق على قرار حجب 21 موقعًا صحفيًا بالقاهرة، في تدوينة عبر موقع فيسبوك: "قرار إغلاق مواقع صحفية انتهاك صريح للدستور، وسابقة خطيرة تكرس فرض إعلام الصوت الواحد، وعدوان على حقوق مئات العاملين بها".

وأكّد قلاش، عبر تدوينته، أن "تطبيق القانون والدستور هو الكفيل وحده بالمحاسبة عن أي تجاوز. لا ديمقراطية دون حرية النشر والتعبير وصحافة حرة تضمن التعددية والتنوع وتصون مصالح الوطن ومصلحة المواطن".

"البداية": مبارك لم يجرؤ على حَظر الصحافة

رفض موقع "البداية"، المحسوب على الجماعة الحقوقية في مصر، ويديره خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، حجب 21 موقعًا إخباريًا بالقاهرة، وبدأ حملة لرصد ردود الأفعال، ومحاولة ردّ القرار.

وجاء في "البداية": "الحجب هو استمرار لسياسات المنع والمصادرة واعتداء سافر على حرية الصحافة لابد من مواجهته والتصدي له بكل الطرق القانونية الممكنة وعبر وسائل التضامن من أجل صحافة حرة للجميع تحمي الحقوق وتدافع عن الحريات، وتشدد البداية على أن الحجب مصادرة لابد من التصدي لها.. مؤكدة أن الخطوة الأمنية بحجب 21 موقعًا إلكترونيًا، طبقًا للتصريحات المنشورة في عدد من المواقع هي انتهاك شديد الخطورة ضد الصحافة وحريتها، وهي خطوة لم يفعلها نظام مبارك سوى خلال أيام الثورة ولمدة لم تتجاوز عدة ساعات أو يوم على الأكثر".

كيم يونج أون في مصر

من الشخصيات السياسية، التي تدخّلت لتبدي رفضها قرار حجب المواقع الـ21، خالد داود، رئيس حزب الدستور، مشبهًا رئيس مصر برئيس كوريا الشمالية: "نعيش في عصر السيسي يونج أون".

وقال داود: "موقع مدى مصر من أكثر المواقع حرفية ومهنية على الإطلاق، وإغلاقه مع مواقع أخرى عديدة يعني أننا نعيش في عصر الزعيم السيسي يونغ أون وعاصمتنا الآن هي القاهرة يانج".

تجارب قمع الانترنت في العالم.. انشر بالأمر

في محاولة من صحف القاهرة الدفاع عن السلطات المصرية في قرار حظر 21 موقعًا إخباريًا، نشرت أغلبها، وعلى رأسها "المصري اليوم" و"الوطن" و"اليوم السابع"، تقريرًا بدا معمّمًا ومنشورًا بالأمر المباشر، نسبته إلى جهة سيادية، يبرر أسباب الحجب.

وبرَّر التقرير، الذي بدا هزيلًا وركيكًا، حجب المواقع بأن هناك دول أخرى أجنبية وعربية لها تجارب واسعة في حجب المواقع الإلكترونية، بمعنى أن مصر ليست الأولى. وواجه التقرير الموجَّه حملة سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف كشفت مواقع التواصل تزييف العربية وسكاي نيوز.. القصة الكاملة

العربية وسكاي نيوز.. فضيحة إعلامية غير مسبوقة