31-ديسمبر-2019

زيادة استهلاك اللحوم الحمراء سبب رئيسي في التغير المناخي (Max Pixel)

"لدينا أقل من 12 عامًا لمنع حدوث أزمة مناخية كارثية بسبب التغير المناخي"، هكذا تصرح الأمم المتحدة، وتوصي، فيما توصي، بتغيير النظام الغذائي بخفض استهلاك اللحوم، فالاحتباس الحراري سيحدث بشكل أسرع مما نعتقد. لكن ما علاقة اللحوم بالاحتباس الحراري؟!

لإنتاج كيلوغرام واحد فقط من اللحم البقري، يتم إطلاق ما يعادل 36 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي

في حين سيؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى ارتفاع معدلات الوفيات والأمراض المرتبطة بالحرارة مثل ضربة الشمس، وتفاقم الأمراض المزمنة، مثل السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية؛ فإن تقليل استهلاك اللحوم سيؤدي إلى خفض الانبعاثات الغازية المتسببة في الاحتباس الحراري لنحو النصف، وسيؤدي إلى تجنب إزالة الغابات، علمًا بأن إزالة الغابات مساهم رئيسي أيضًا في التغير المناخي.

اقرأ/ي أيضًا: احذر.. التغير المناخي يهدد الصحة العقلية للإنسان بنسبة 50%!

إذًا، فاستهلاك اللحوم واحدة من المشكلات الأكثر إلحاحًا في العالم، إذ إن الغازات الدفيئة المنبعثة من الإنتاج الحيواني، تفوق في تأثيرها الغازات المنبعثة من كل السيارات والشاحنات والحافلات والسفن والطائرات والصواريخ في العالم. وإحدى الطرق لتقليل تأثيرنا السلبي على الكوكب، هو تقليل استهلاك اللحوم الحمراء والمعالجة، أو التخلص منها.

مشكلة أكبر مما نتصور

كالعادة، منبع المشكلة هي الدول الغنية، التي يتجاوز استهلاك اللحوم الحمراء فيها، المستويات الموصى بها، الأمر الذي ينعكس سلبًا ليس فقط على صحة الناس، وإنما أيضًا على صحة الكوكب.

يرتبط استهلاك اللحوم الحمراء واللحوم المعالجة بعدد من الأمراض والحالات الصحية الخطيرة، أبرزها أمراض القلب، والسكري، وسرطان القولون، والمستقيم، بل إن بعض العلماء يقولون إن خطرها على صحة الإنسان كبير لدرجة تستلزم وضع تحذيرات تمامًا كما يحدث مع السجائر والتبغ.

اللحوم المصنعة
يرى علماء ضرورة وضع تحذيرات على عبوات اللحوم المصنعة مثل تلك التي على علب السجائر

فيما يقترح آخرون فرض ضريبة على اللحوم الحمراء والمصنعة، ويقولون إن مثل هذه الضريبة يمكنها إنقاذ نحو 220 ألف شخص بحلول عام 2020، وتقليل تكاليف الرعاية الصحية بمقدار 30.7 مليار جنيه إسترليني.

لكن اللحوم الحمراء ليست ضارة بصحة الإنسان فحسب، لكنها ضارة بسلامة الكوكب أيضًا، إذ تعتبر اللحوم أحد العوامل الرئيسة التي تسهم في موجة الانقراض السادس الحالية التي يعيشها الكوكب.

وتضغط عملية إنتاج اللحوم على عديد النظم الإيكولوجية، وعلى كوكب الأرض ككل، حيث تتسبب في حدوث تلوث عن طريق استخدام الوقود الأحفوري، والميثان الحيواني، واستهلاك المياه، والأراضي، إذ تتطلب مساحة أكثر 160 مرة، وتنتج غازات دفيئة 11 مرة أكثر من الأغذية النباتية الأساسية مثل البطاطس والقمح والأرز. ولكل كيلوغرام من اللحم البقري المنتج، يتم إطلاق ما يعادل 36 كيلوغرام من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

كما تعد صناعة اللحوم أحد أكبر القطاعات في العالم المسببة للغازات الدفيئة التي تتسبب بدورها في فقدان التنوع البيولوجي وتعد مصدر الرئيس لتلوث المياه.

رغم هذه المخاطر، من المتوقع أن يتضاعف استهلاك اللحوم الحمراء نتيجة للنمو السكاني؛ علمًا بأن استهلاك اللحوم زاد لأكثر من الضعف منذ عام 1961. ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم ليصل نحو 10 مليارات شخص بحلول عام 2050.

ضرورة تقليل الاستهلاك

بدون إجراء تقليل كبير في معدل استهلاك اللحوم، ستستهلك الانبعاثات الزراعية ميزانية الكربون في العالم بأسره بحلول عام 2050، وستكون الثروة الحيوانية من المسببات الرئيسة، هذا يعني أن كل القطاعات الأخرى بما في ذلك الطاقة والصناعة والنقل، يجب أن تكون خالية من الانبعاثات لتحقيق التوازن، وهو أمر مستحيل، لذا فالتغيير الغذائي ضرورة لا محالة.

تتطلب زراعة الأعلاف الحيوانية مساحات كبيرة من الأرض، ففي الولايات المتحدة الأمريكية يُزرع 127.4 مليون فدان من المحاصيل للاستهلاك الحيواني مقارنة بـ77.3 مليون فدان من المحاصيل المزروعة للاستهلاك البشري. ويستغرق إنتاج رطل واحد من اللحم، سبعة أرطال من الأعلاف، وأقل من رطلين لكل رطل من لحم الدجاج.

كما يتطلب الرعي مساحات واسعة من الأراضي، فلحم البقر مسؤول عن كميات كبيرة من إزالة الغابات. ولعلك سمعت عن حرائق غابات الأمازون في آب/أغسطس الماضي. في الحقيقة فإن الكثير من هذه الحرائق اندلعت بشكل متعمد من قبل أصحاب رؤوس الأموال المستثمرة في تربية المواشي وإنتاج وتصنيع اللحوم، لتوفير المساحات من جهة، ومن أخرى لتخصيب الأرض وتأهيلها لزراعات تربية المواشي.

حرائق غابات الأمازون
صناعة اللحوم من الأسباب الرئيسية في اندلاع حرائق غابات الأمازون

ووفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) تعد عمليات إزالة الغابات الناتجة عن الرعي، أحد الأسباب الرئيسية لفقدان بعض الأنواع النباتية والحيوانية الفريدة في الغابات الاستوائية المطيرة في أمريكا الوسطى والجنوبية. كما أنها سبب في زيادة إطلاق الكربون في الغلاف الجوي.

وتمثل تربية الحيوانات للاستهلاك البشري حوالي 40% من إجمالي كمية الإنتاج الزراعي في البلدان الصناعية. ويشغل الرعي 26% من الأرض الخالية من الجليد. ويستلزم إنتاج الأعلاف الحيوانية حوالي ثلث الأراضي الصالحة للزراعة. ويؤدي الرعي المفرط إلى انخفاض جودة الأراضي، حيث تقوم الحيوانات بإزالة العناصر الغذائية المهمة من التربة، دون أن يتاح للأرض وقت للتعافي.

في المقابل، تعتبر لحوم البقر غير فعالة في الإنتاج، لأن 1% فقط من أعلاف الماشية المستهلك، يتحول إلى سعرات حرارية يستهلكها الناس من تناول لحم الأبقار، مقارنة بالدواجن التي تحول 11% من أعلافها إلى سعرات حرارية قابلة للأكل، ما يعني أن لحم البقر يستهلك مزيد من الأراضي والمياه العذبة، ويولد انبعاثات غازات دفيئة أكثر لكل وحدة بروتين من أي طعام آخر شائع الاستهلاك.

كن نباتيًا يومًا في الأسبوع

من شأن التحول إلى النظم الغذائية القائمة على النباتات، أن يساعد في التخفيف من حدة التغير المناخي. وعلى كل حال، فسيتوجب على الإنسان كي يبقي على الأرض كوكبًا صالحًا للعيش فيه، أن يقلل من استهلاك اللحوم. 

ورغم اتساع دائرة الذين يتحولون لنظام الغذاء النباتي، إلا أن الأمر حتى الآن لا يزال في إطار المبادرات الفردية، فلا الحكومات ولا النشطاء المعنيون بالبيئة يقيمون الزخم اللازم للحث على التقليل من استهلاك اللحوم، وذلك عملًا بمبدأ أنه ليس لأحد التطفل على حياة الناس.

ورغم أن التغيير الغذائي، يمكنه أن يتسبب في خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بدرجة كبيرة جدًا، وفقًا لتقرير الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ؛ إلا أن الأمم المتحدة لا تملك حتى الآن خطة لإحداث هذا التغيير.

اللحوم الحمراء
يمكن خفض ربع انبعاثات الغازات الدفيئة بزيادة استهلاك الغذاء النباتي والتقليل من اللحوم الحمراء

من جهة أخرى، فإن النمو الاقتصادي الذي تعرفه دول مثل الصين والهند وبعض دول أمريكا اللاتينية، يزيد من الطلب العالمي على اللحوم الحمراء، الأمر الذي ينذر من جهة بتفاقم الكارثة، ومن جهة أخرى، إذا حَسُن استغلاله، يمكن أن يكون بُشرى لتقليل الاستهلاك، إذ أظهرت الإحصائيات وعيًا أكبر لدى سكان هذه الدول بتأثير النشاط الانساني على المناخ، من سكان دول كبرى مثل أمريكا وبريطانيا واليابان.

وجدير بالذكر أنه بالإمكان خفض ربع انبعاثات الغازات الدفيئة، من خلال زيادة تناول الحبوب والفاكهة والخضروات مقابل تقليل استهلاك اللحوم. وفي سبيل ذلك، بإمكانك أن تبدأ بتغيير نظامك الغذائي تدريجيًا، عبر تخصيص يوم واحد في الأسبوع على الأقل بدون لحوم.

يعد إنتاج وصناعة اللحوم الحمراء أحد أكبر القطاعات في العالم المسببة للغازات الدفيئة التي تتسبب بدورها في فقدان التنوع البيولوجي

وإذا كنت غير قادر على تخيل حياتك بدون لحوم، فيمكنك على الأقل تجربة البدائل النباتية للحوم، والتي أثبتت فاعلية في محاكاة اللحوم، لكن بمستوى بصمة كربونية أقل بكثير.

 

اقرأ/ي أيضًا:

لحمة وإنترنت أقل.. ما يمكن أن نفعله كأفراد لمواجهة الاحتباس الحراري

الخطر الوجودي المنسي.. لماذا العرب هم أكثر المتضررين من التغير المناخي؟