30-أبريل-2017

داريوس دابروسكي/ بولندا

لا صوت بعلو فوق صوت المعركة... عبارة أقصت كل المجانين، ورمت بالمفتونين بالحب على سجيتهم خارج فضاء التعبير. هنا حيث لا تعلو سوى لغة الموت والدفاع عن المقدس المورث بالرصاص فقط، وباسم هذه الفزاعّة الوطنية، والحب المزنّر بالسلاح سقطت كل فنون الحب الأخرى واستبيحت.

في الدكاكين المعارضة، ثمة إعلام جديد لا يسمح إلا لمن هتف بنداء "الله أكبر" بالعبور 

اليوم...هنا في المنافي وداخل الوطن ليس مسموحًا أن تحب كالبشر، وأن تعبّر كما تراه مناسبًا عن رأيك في أدق التفاصيل الصغيرة التي تهمك وحدك، وأن تهمس في أذن "صاحبتك" قبلة ربما يراها الآخرون خروجًا عن سياق العامة الذي صار قانونًا مغمسًا ومعمدًا بقدسية زائفة.

اقرأ/ي أيضًا: الشرق الأوسط: مأساة العرب

في الدكاكين الوطنية المعارضة، ثمة إعلام جديد لا يسمح إلا لمن هتف بنداء الله أكبر بالعبور إلى نوافذ البوح، ولمن حملوا فقط كاميراتهم وجوالاتهم في مطاردة القتلى والمقطّعين أولوية المال والنافذة والرأي. الصوت العاقل، والرأي الوسط، وأصحاب الخبرات هؤلاء ولى زمنهم، وصارت نداءات الانتقام تحت رايات الغباء السياسي والديني هي السائد الوطني النقي، وأما من يجاهرون بالحكمة وضرورة العودة إلى صواب اللحظة الأولى فملعونون مدسوسون... فلول جديدة. 

"فيتو" وقوائم جاهزة بأسماء الممنوعين من العمل، أو على الأقل ممن يسمح لهم بالعمل في الظل وهوامش محدودة، تقيهم من جوع ولا تحميهم من أعراض الحياة وويلاتها، وأما المتسيّدون فهم المطأطئون الخانعون الموافقون على كل الصيغ الجاهزة، وأعداء العودة إلى لغة لا تطلق من البنادق أو مقالات تردد شعارات الرايات السود الحانقة المدفوعة التمويل.

تلفزيونات وإذاعات ووكالات أنباء يقودها معتوهون، يقدمون خدمات مأجورة لمموليهم، ويقدمن تقاريرهم اليومية عن عامليهم، وعن الجبهات، والدكاكين الأخرى المنافسة، وأخرى الآن تقفل وتمنع من التمويل لأنها لم تستطع تقديم ما وعدت به واكتفت بتوزيع حصة التمويل على نفسها.

في هستيريا اللغة السورية الجديدة لن تجد موطأ قدم لك إن كنت عاقلًا وطنيًا

في الوقت نفسه، تلفزيونات جديدة ما زالت منذ أشهر تضع سياستها التحريرية متخبطة بين العمل مع الناشطين المحليين الذين هربوا من أماكن الصراع، أو مع بعض المحترفين الذين عملوا مع دكاكين سابقة أي أنهم أصحاب خبرة في تقديم الولاءات، وأسعارهم ثابتة ولغتهم استقامت ضمن آلة حذف الآخر الوطني المعتدل المحترف.

اقرأ/ي أيضًا: حول فكرة "المكونات" في مبادرات المعارضة السورية

بقية المعزوفات الصامدة ما زالت تدوّر أموال تمويلها تحت شعارات في وسط الطريق، لا تقف مع أحد ولا ضد أحد، في المنتصف تمامًا حيث وحدها الجيوب قاسم مشترك مع الجميع، والقول لمن يدفع.

في هستيريا اللغة السورية الجديدة لن تجد موطأ قدم لك إن كنت عاقلًا وطنيًا، وأما سلاح العمل والحضور فهو امتلاك بعض الخطاب السطحي الطائفي الوحشي الغبي، وأما دون ذلك فالصوت لا يبلغ صداه، والكلمة لا تخرج إلا من فم بندقية إلى عقل مجنون سيذهب إلى المعركة بصدر حالم بالجنة والحوريات، تاركًا وراءه أيتامًا وأرامل، وهؤلاء هم سلعة التمويل الجديد في مؤسسات رعاية ضحايا الحرب ونساء الشهداء... شهداء الكلمة/ الرصاصة الغبية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ماذا لو بقي بشار الأسد في السلطة؟

صرخة خان شيخون في آذان عالم أصم