28-يناير-2025
نموذج deepseek

أدى ظهور هذا النموذج إلى هزة غير متوقعة في الأسواق العالمية (رويترز)

 

وضع نموذج "DeepSeek"، الذي أطلقه ليانغ وينفنغ، الرئيس التنفيذي لصندوق التحوط الكمي المدعوم بالذكاء الاصطناعي "High Flyer"؛ عالم الذكاء الاصطناعي أمام نقطة تحول تاريخية لدرجة دفعت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى وصفه بأنه قنبلة ألقتها الصين في هذا المجال.

وانشغلت الصحف العالمية الكبرى، ولا تزال، بهذا النموذج الذي وضع النماذج الأخرى تحت ضغط كبير، فقد اعتبرت هذه الصحف ووكالات الأنباء أن ظهور نموذج "DeepSeek" قد يمثل خطوة أولية نحو إنهاء هيمنة الشركات الغربية على هذا المجال، خاصةً أنه يستخدم بيانات أقل، وبتكلفة بسيطة مقارنةً بمنافسيه.

وأدى ظهور هذا النموذج إلى هزة غير متوقعة في الأسواق العالمية المرتبطة بمجال الذكاء الاصطناعي، حيث سجلت تراجعًا حادًا في عدة دول، من بينها اليابان التي سجلت أسهم التكنولوجيا فيها، الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني الجاري، انخفاضًا كبيرًا.

أدى ظهور "DeepSeek" إلى هزة غير متوقعة في الأسواق العالمية المرتبطة بمجال الذكاء الاصطناعي، حيث سجلت تراجعًا حادًا في عدة دول، من بينها اليابان التي سجلت أسهم التكنولوجيا فيها انخفاضًا كبيرًا

وانخفضت أسهم شركة "Advantest" المتخصصة في تصنيع معدات اختبار الرقائق، والموردة لشركة "نيفيديا"، بنسبة 10 بالمئة اليوم الثلاثاء. وسجلت شركة "Tokyo Electron"، المصنّعة لمعدات تصنيع الرقائق، تراجعًا بنسبة 5.3 بالمئة. فيما تراجعت أسهم شركة "SoftBank" الرائدة في مجال التكنولوجيا بنسبة 6 بالمئة.

في المقابل، تسبب إطلاق "DeepSeek" بخسارة خمس من أكبر شركات التكنولوجيا المعنية بالذكاء الاصطناعي، وهي "نيفيديا"، و"ألفابت" (المالكة لغوغل)، و"أمازون"، و"مايكروسوفت"، و"ميتا بلاتفورمز"؛ ما يقرب من 750 مليار دولار أميركي من قيمتها السوقية. ومن المتوقع أن تكون شركة "نيفيديا" الخاسر الأكبر من بين هذه الشركات إذا تبين أن "DeepSeek" لم يعتمد على رقاقاتها.

ورغم أن إمكانيات النموذج لم تتضح بشكل كامل بعد، إلا أنه من المتوقع أن يستحوذ على جزء كبير من عملاء الشركات الأميركية الكبرى، وخاصةً شركة "OpenAI". كما يخشى المستثمرون أن يؤدي ظهور "DeepSeek" إلى تغييرات عميقة في مجال الذكاء الاصطناعي قد تنتهي بخسارة استثماراتهم، مما قد يؤدي إلى تراجع زخم الاستثمار والاهتمام بهذا المجال الذي استحوذ على اهتمام المستثمرين ومعظم شركات التكنولوجيا منذ أواخر عام 2022.

وفتح ظهور النموذج نقاشًا واسعًا في وادي السيليكون حول ما إذا كانت شركات الذكاء الاصطناعي الأميركية قادرة على الدفاع عن تفوقها التقني. ووسط شكوك هذه الشركات والمستثمرين حول ما إذا كانت قادرة على الحفاظ على هذا التفوق؛ سجلت أسهم الشركات التكنولوجيا الكبرى أسوأ تراجع لها منذ مدة طويلة، سيما شركة "نيفيديا" التي خسرت ما يقرب من 620 مليار دولار من قيمتها السوقية في يوم واحد، وهو أكبر انخفاض مسجل لأي شركة.

وتعتبر "نيفيديا" من أكبر الشركات الرابحة من ثورة الذكاء الاصطناعي، وقد انخفضت أسهمها يوم أمس الإثنين بنسبة 17.8 بالمئة، فيما تراجع مؤشر ناسداك المركب، الذي يهيمن عليه قطاع الذكاء الاصطناعي، بنسبة 3.5 بالمئة. كما انخفض مؤشر "ستاندرد آند بورز" بنسبة 2.2 بالمئة، في حين تراجعت أسهم "مايكروسوفت" بنسبة 4.3 بالمئة.

بحلول أمس الإثنين، تجاوز "DeepSeek" منافسه "ChatGPT" من حيث عدد التنزيلات على متجر "Apple" ويعود جزء كبير من هذا الإقبال إلى كونه بديلًا أقل تكلفة

وبحلول يوم أمس الإثنين، تجاوز "DeepSeek" منافسه "ChatGPT" من حيث عدد التنزيلات على متجر "Apple". ويعود جزء كبير من هذا الإقبال إلى كونه بديلًا أقل تكلفة، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول مستقبل استثمار شركات التكنولوجيا الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي.

ووصف مارك أندريسن، وهو مبرمج ومستثمر، إطلاق نموذج "DeepSeek" بأنه "لحظة سبوتنيك" في مجال الذكاء الاصطناعي، بمعنى أنه يمثل نقطة تحول تاريخية تشبه إطلاق الاتحاد السوفيتي لأول قمر صناعي إلى الفضاء في عام 1957.

واعتبر أندرو دانكان، مدير الذكاء الاصطناعي في معهد آلان تورينغ، نموذج "DeepSeek" بأنه مثير للغاية، مشيرًا إلى أنه أثبت أنه يمكن تحقيق إنجازات مذهلة في هذا المجال باستخدام نماذج وموارد أصغر مقارنةً بالنماذج الأخرى، وأن الابتكار لا يتطلب موارد ضخمة دائمًا.

وقال جريجوري ألين، مدير مركز وادوني للذكاء الاصطناعي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بأن نجاح هذا النموذج يكشف عن قدرة الشركات الصينية على الابتكار رغم القيود المفروضة من قِبل واشنطن على تصدير التكنولوجيا الأميركية إليها.

تسبب إطلاق نموذج "DeepSeek" بخسارة خمس من أكبر شركات التكنولوجيا ما يقرب من 750 مليار دولار أميركي من قيمتها السوقية

بدوره، قال سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "OpenAI"، إن نموذج: "r1 من DeepSeek هو نموذج مثير للإعجاب، وخاصةً فيما يتعلق بما يمكنهم تقديمه مقابل السعر". وأضاف في منشور على منصة إكس: "لكننا متحمسون في الغالب لمواصلة تنفيذ خريطة طريق البحث الخاصة بنا ونعتقد أن المزيد من الحوسبة أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى للنجاح في مهمتنا".

يأتي هذا النجاح السريع لنموذج "DeepSeek"، وتداعياته السلبية الكبيرة على شركات التكنولوجيا الأميركية، في وقت تسعى فيه واشنطن، وخاصةً بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إلى وضع حد لطموحات بكين التكنولوجية.

ويثير هذا التطور تساؤلات عديدة بشأن فعالية القيود التي فرضتها واشنطن على تصدير التكنولوجيا الأميركية إلى الشركات الصينية، إذ تبيّن أن هذه القيود قد دفعت بهذه الشركات إلى تعزيز قدراتها على الابتكار والبحث عن حلول، الأمر الذي يشير إلى أن قيود الولايات المتحدة قد لا تكون كافية لوضع حد للتقدم التكنولوجي الصيني، بل إنها قد تفعل العكس تمامًا.