06-يناير-2018

واجهت الشرطة احتجاجات الأطباء السلمية في الجزائر بعنف لافت (فيسبوك)

لطالما وضع الجزائريون الطبيب في مقدّمة النّخبة المتعلّمة والمثقفة. وحثّوا أولادهم على أن يكونوا أطباء. إذ تسود بينهم عبارة "تقول عليه طبيب" أي كأنّه طبيب، كلّما أرادوا الحديث عن شخص نظيف وظريف ونبيه وخدوم.

صُدم الجزائريون من مشاهد الأطباء ملطخين بالدماء على أيدي الشرطة خلال احتجاجاتهم والتي استعملت فيها الهراوات لتفريق تجمّعهم

هنا، تجدر الإشارة أيضًا إلى أن هذه النظرة الشّعبية للأطباء في الجزائر هي ثمرة لكونهم كانوا نادرين في الفترة الاستعمارية (1830 ـ 1962) وما كان متوفرًا منهم كان حكرًا على المستوطنين. وبقي معطى النّدرة سائدًا إلى بداية العشرية الثالثة من الاستقلال الوطني، حيث بلغ عدد الأطباء عام 2014، حسب وثيقة لـ"وزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات" 77.406 طبيب ممارس، من بينهم 44.914 ممارس في القطاع العمومي و32.492 ممارس في القطاع الخاص.

اقرأ/ي أيضًا: أطباء مصر في مواجهة أمناء شرطتها

من هنا، كانت صدمة الجزائريين كبيرة حين واجهوا الصور التي بثّتها القنوات الفضائية الخاصة، وانتشرت في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك. حيث ظهر العديد من الأطباء ملطّخين بالدّماء على أيدي الشرطة، التي استعملت الهراوات في تفريق تجمّعهم الهادف إلى رفع مطالب مهنية وقانونية، منها تحسين ظروف العمل في المستشفيات الحكومية، وإلغاء قانون الخدمة المدنية، الذي يلزم الطبيب بقضاء فترة الخدمة العسكرية الإجبارية في الجزائر، وتمّ تنزيلها إلى سنة عوض 18 شهرًا، بأن يكون تحت التصرّف مجّانًا.

واجهت الشرطة احتجاجات الأطباء السلمية في الجزائر بعنف لافت (فيسبوك)

واجهت الشرطة احتجاجات الأطباء السلمية في الجزائر بعنف لافت (فيسبوك)

حدث ذلك حين أراد الأطباء المضربون نقل احتجاجهم من مستشفى مصطفى باشا في قلب الجزائر العاصمة إلى الشارع. فمنعتهم الشرطة بحجّة أن العاصمة مستثناة من حالة رفع الطوارئ التي أقرّها الرئيس بوتفليقة عام 2011، وبقي منع التجمهر فيها ساري المفعول.

يصف الطبيب ياسين عبد الجبّار المشهد لـ"الترا صوت" بالقول إنّ الإحساس بالغبن لدى الأطباء، وبمماطلة وزارة الصحة في معالجة المطالب، جعل حماسهم يدفعهم إلى مغالبة رجال الأمن، "قصد إيصال صوتنا للشّارع الذي بقي بمعزل عنه، لأننا بقينا محاصرين بين جدران المستشفيات، وإذا بهم ينهالون علينا بالهراوات، ممّا تسبّب في جرح العديد من الأطباء الذين كانوا في الواجهة".

يضيف عبد الجبّار: "لسنا خارجين عن القانون. فنحن أولى الشّرائح باحترامه، لكننا نرفض في المقابل أن نكون آخر شريحة يطبّق القانون لصالحها". يسأل: "ألم يبق في يد الحكومة إلا الهراوة لمعالجة مطالبنا؟ ليتها عاملتنا بالسّلاسة التي عاملت بها الإرهابيين الناّزلين من الجبال، بعد أن قتلوا عشرات الآلاف من الجزائريين".

اقرأ/ي أيضًا: عن أطباء السودان والبلاد التي تُكتب الآن

ما هي إلا دقائق حتى تجاوزت الحادثة أسوار أقدم مستشفى جزائري إلى الجزائر كلها من خلال تداول روّاد فيسبوك لصور الأطباء المصابين، بكلّ ما ترتّب عن ذلك من تعاطف واستنكار. كتب الأكاديمي لونيس بن علي: "اللجوء إلى العنف للردّ على المطالب المشروعة هو إعلان عن إفلاس كلّي للدولة، وعجز فادح عن التفاوض. أليس حريًّا بالحكومة أن تكون نموذجية في سياسة التفاوض السّلمي؟". أضاف: "لم يسلم أحد من هراوات السلطة: أساتذة، أطباء، مناضلين في حقوق الإنسان، بطالون. فقط حدث الاستثناء يوم خرج أعوان الأمن في مسيرة تاريخية، أسفرت عن زيادات في الرواتب بلمح البصر. فمن غير المنطقي أن يضرب الشرطي نفسه بهراوته".

حادثة ضرب الشّرطة للأطباء في الجزائر أثارت استياء واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي وأعادت النقاش حول القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة

 

 

من جهته كتب المسرحي أحمد رزاق مخاطبًا الشّرطة: "حين تضرب الطبيب من يعالجك؟ وتضرب الصّيدلي من يعطيك الدّواء؟ وتضرب متقاعدي الجيش من يحمي الوطن؟ وتضرب الأستاذ من يعلّم أبناء الوطن؟ وتضرب المحامي من يدافع عن أبناء الوطن؟ فأنت تضرب الوطن".

وتقول الطّبيبة صورية مطراني لـ"الترا صوت" إن المطالب التي رفعها الأطبّاء مشروعة وعلى الحكومة أن تتعاطى معها بجدّية، "فكثيرًا ما ننسى معاناة الطبيب بفعل نظرتنا الجاهزة عنه، فنحن نراه يعيش في راحة ورفاهية". غير أنها تتدارك: "أتحفّظ على مطلب إلغاء الخدمة المدنية، ذلك أنه من حقّ الوطن على أبنائه مهما كانت الشّريحة التي ينتمون إليها".

استطاعت حادثة ضرب الشّرطة للأطباء أن تحوّل مجرى النّقاش في أوساط الجزائريين خلال الأيام الأخيرة من القضايا المتعلّقة بالمقدّسات الدّينية، التي أثيرت في الآونة الأخيرة، إلى القضايا المتعلّقة بحقوق الإنسان والحرّيات العامّة، والتي تتجدد من فترة إلى أخرى مع تكرر حالات العنف ضد أي مظاهر احتجاجية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

أطباء شباب جزائريون.. هاجس العيادة الخاصة

طلبة الطب في المغرب يهزمون الوزير!