26-ديسمبر-2015

غرافيتي في مدينة سراقب السورية

الصمت خيانة.. هكذا يصرخ البعثي الخارج من بين غبار مجلة "المناضل" قبل قليل، وكالعادة يوزع صكوك الوطنية على الزملاء في المقهى، ولا أحد سواه يعرف معنى الثورة، هو الذي قرأ عنها وكتب عنها ولم يعشها.

 قادتهم الصدفة إلى أماكن واسعة أكبر من مقاسهم، وفرص يتمسكون بها بأسنان من فولاذ

الليلة لن تمر دون أن ينعت أولئك الذين خانوا أمانة الثورة، وهتافات الجماهير الغفيرة، وصمتوا، ويعيشون الآن في بيوتهم غير مكترثين بتضحياته، هو الذي ترك خلفه بيته في ضواحي دمشق البائسة، وراتبه الشهري، ومكتبه الفوضوي في الطابق الخامس حيث كان يدقق مقالات صغار المناضلين، ويشتم الإمبريالية والاستعمار، وينتقد أداء الحزب في مفاصل حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية فهذا من باب النقد والنقد الذاتي.

الوجه الآخر له يجلس في دكانه معتقدًا أنه يملك ما يحمي وجهه وظهره، فالتمويل الذي يصله يكفي لكي يعيش هو وإخوته، وأخوات زوجته الذين وقع لهم عقود العمل، وإجراءات الإقامة أوشكت على الانتهاء، وأما موقعه الإلكتروني فيضج بالأخبار الساخنة العاجلة، وغير العاجلة، وأهم ما في الأمر رضا الجهة الممولة التي بدورها لا يهمها منتجه الرديء، وإنما إغراقه في التمويل حتى أذنيه، وهو الجائع للمال قبل الحرية.

في المقهى الدافئ، وعلى ضفاف طاولته التي لا تخرج تصريحاته عنها، يريد الصحفي الفذ المنشق أن يخبرك أنه لا ارتباطات له مع أولئك الذين تركهم خلفه مفجوعين كيف خرج من بين أسنانهم، وأن ماضيه الوسخ كان مرحلة لا تصح إلا كما كانت، وأن ما أخذه من أموال التجار هو نظير ما يضعونه من إعلانات، وأن ابتزازهم حلال... من نفس الطاولة يلوح بالتهديد للصوص اللحظة، وأنه يجب عدم المسامحة والغفران، فاللحظة لا تحتمل الصمت على أفعالهم وأيديهم التي تمتد لجيوب ثورته.

الآخر حظي بما لم يكن يحلم به أكثر من "شطحات" أحلام اليقظة ما حصل معه، الرجل البسيط الأبله أدركته أيام السعادة أخيرًا بعد شظف العيش، ومحاولات الحصول على فرصة عمل أيام كانت البلاد بخير، وبصحة جيدة، وعندما سقمت ابتسم له الحظ، والآن حان دوره للانتقام من كل أولئك الذين رأوا فيه رجلًا بلا موهبة، وصحفيًا عقيمًا، وأن لا أمل منه يرجى، وها هو يرفضهم واحدًا تلو الآخر، والمال والسؤال بيده وحده، ها هو يبتعد عن كل من يعرف من أشخاص اختبروه في الإملاء ذات يوم، وبعضهم مد له يد المساعدة حتى أنه مسك له يده ليهجأ أول مقالاته.. إنها الحياة يا أوغاد.. صرخته ملء الصدر المكتوم.

آخرون قادتهم الصدفة إلى أماكن واسعة أكبر من مقاسهم، وفرص يتمسكون بها بأسنان من فولاذ، وفي أعماقهم يدركون أنهم فائض معرفي أجوف، ولكنها الفرص التي صنعت منهم نجومًا على فضائيات الأخبار التي تريد كمًا كبيرًا من البشر لملء ساعات البث الطويلة، فيما الألسنة تسن ليل نهار ليوم جديد من الثرثرة عن الوطن، والخيانة، والتمويل الذي سينقذهم من الغرق في بلم (قارب مطاطي) متهتك في المتوسط أو إيجة القرش.

اقرأ/ي أيضًا:

صح النوم يا سوريا

سينما غازي.. أسدلوا الستارة