31-أغسطس-2022
تغير كبير في خارطة الولاءات في غرب ليبيا بعد الاشتباكات الأخيرة (Getty)

تغير كبير في خارطة الولاءات في غرب ليبيا بعد الاشتباكات الأخيرة (Getty)

شهدت العاصمة الليبية طرابلس نهاية أسبوع دامية بعد الاشتباكات التي دارت بين الكتائب والميليشيات الموالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة، وأخرى داعمة لرئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب فتحي باشاغا. وتعتبر هذه الاشتباكات الأسوأ منذ عامين، حيث أسفرت عن مقتل 32 شخصًا، وإصابة 159 آخرين بجراح، وترتب عنها واقع جديد، وخريطة تحالفات وولاءات جديدة في المنطقة الغربية من ليبيا.

شهدت العاصمة الليبية طرابلس نهاية أسبوع دامية بعد الاشتباكات التي دارت بين الكتائب والميليشيات الموالية لرئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة

وخرج رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة معلنًا "انتهاء العدوان على طرابلس دون رجعة، وملاحقة من تورطوا فيه". فقد حسمت الكتائب والقوات الداعمة لحكومة الدبيبة سيطرتها في العاصمة، حيث سيطرت قوة "دعم الاستقرار" بقيادة عبد الغني الككلي الشهير بـ"غنيوة" على مقرات "الكتيبة 77" بقيادة هيثم التاجوري الذي أعلن دعمه لحكومة فتحي باشاغا.

بالإضافة  لقوة "دعم الاستقرار" التي تتخذ من منطقة بوسليم مقرًا لها، تبرز "قوة الردع "التي يقودها عبد الرؤوف كارة، وهي مجموعة مسلحة ذات توجه سلفي أحكمت سيطرتها على مقرات "قوات النواصي" بقيادة مصطفى قدور الموالية لحكومة باشاغا، كما تبرز في العاصمة مجموعات أخرى موالية لحكومة الوحدة الوطنية مثل  قوة "دعم الدستور والانتخابات"، وكتيبة "فرسان جنزور" التي تتمركز غرب العاصمة وكتيبة "رحبة الدروع" بمنطقة تاجوراء. وفي شرق وجنوب العاصمة يتقاسم عدد من  المجاميع المسلحة الصغيرة عددًا من المواقع، حيث تعمل تحت غطاء وزارتي الدفاع والداخلية ومن أهم تلك الكتائب "قوة الأمن العام" بقيادة عماد الطرابلسي، و"الكتيبة 301" بقيادة عبد السلام زوبي، و'اللواء 444" بإمرة محمود حمزة، و"اللواء 51" المعروف بلواء البقرة بقيادة بشير البقرة.

في المقابل، يبرز اسم هيثم التاجوري كأحد أبرز الخاسرين خلال المعارك الأخيرة، حيث فقد كل مقراته في العاصمة طرابلس، والتي كان يسيطر على أجزاء واسعة منها، بالإضافة إلى كتيبة "النواصي" التي يقودها مصطفى قدور، والتي كانت تتمركز في قاعدة بوستة البحرية، وكان ولها نفوذ كبير في منطقة سوق الجمعة، وهي واحدة من أشهر وأكبر مناطق العاصمة.

أما الخاسر الأكبر في معارك طرابلس  فهو أسامة الجويلي الذى كان يحظى بامتيازات عسكرية كبيرة، فقد تدرج في الرتب العسكرية لينال رتبة لواء، وكان آمرًا للمنطقة العسكرية الغربية وقيادة عملياتها التي تشمل كامل غرب ليبيا، إضافة إلى الجبل الغربي، ثم أسند إليه الدبيبة قيادة الاستخبارات العسكرية، لكن حساباته قادته إلى أن يقف في صف فتحي باشاغا ليخسر كل تلك الامتيازات السابقة بعد ان أقاله الدبيبة من منصبه.

وخلال معارك الأسبوع الماضي، قام الجويلي بمحاولة فاشلة لدخول طرابلس على رأس قوة كبيرة من مدينة الزنتان من جهة الجنوب، لكن محاولته باءت بالفشل. وعلى الرغم من محاولات باشاغا نفي علاقته بمعارك طرابلس الأخيرة، عن طريق ميل الناطق باسم حكومته ووزير الصحة عثمان عبد الجليل تحميل الدبيبة وقواته المسؤولية عنها، إلا أن الأخير اعترف  بولاء الكتيبة 77 لحكومة باشاغا. كما اعتبر الجويلي في حديث تلفزيوني أن "مساعدته باشاغا في دخول طرابلس، هي مساعدة حكومة مكلفة من مجلس النواب، وليست جريمة يعاقب عليها القانون".

لا يتوقف الانقسام داخل العاصمة الليبية، ففي خارجها بمدينة الزاوية توالي أهم كتائبها حكومة باشاغا والتي يقودها علي بوزريبة شقيق اللواء عصام بوزريبة وزير الداخلية في حكومة باشاغا، في حين تدعم قوة "البحث الجنائي"، ومليشيات حسن بوزريبة حكومة الوحدة الوطنية.

من جهة أخرى، تخضع الزنتان للسيطرة الكاملة للكتائب الموالية  للقائد العسكري أسامة الجويلي المتحالف مؤخرًا مع فتحي باشاغا، كما توجد بها قوة موالية للرجل القوي في شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، لم تنسحب من المدينة بعد فشلها في محاولة السيطرة على طرابلس في صيف 2020، بسبب الغطاء القبلي الذي تحظى به. في حين تساند "كتيبة 55" بقيادة معمر الضاوي في مدينة ورشفانة حكومة باشاغا، أما كتائب مدن صرمان صبراتة و زوارة في الساحل الغربي فأعلنت دعمها لحكومة الوحدة الوطنية. بالنسبة لبلدات ومدن الجبل الغربي الأمازيغية  على غرار نالوت، ويفرن، وكاباو، وجادو، والتي تتواجد بها مجالس عسكرية صغيرة فأعلنت موالاتها لحكومة الدبيبة. في حين تتموضع في مدن زليتن والخمس قوات موالية لحكومة الوحدة الوطنية.

أما الانقسام الأكبر فقد شهدته أبرز مدن الغرب الليبي مصراته التي أحدث فيها ابن المدينة فتحي باشاغا شرخًا كبيرًا، أصبحت الكتائب الأقوى في الغرب الليبي تعاني منه، فلواء "المحجوب"، و"كتيبة حطين"، و"الكتيبة 166" أعلنوا دعمهم لفتحي باشاغا، في حين أعلنت القوة المشتركة في المدينة ولاءها لعبد الحميد الدبيبة، بينما اتخذت أغلب المجموعات المسلحة موقف الحياد، وأبرز تلك المجموعات لواء الحلبوص، لتجنيب المدينة حربًا أهلية بين أبنائها.

تشير المعطيات على الأرض أن السيطرة في طرابلس باتت محسومة لصالح القوى المؤيدة لحكومة الوحدة الوطنية

تشير المعطيات على الأرض أن السيطرة في طرابلس باتت محسومة لصالح القوى المؤيدة لحكومة الوحدة الوطنية، لكن لا يتوقع أن تكون تلك هي الخاتمة، فالمجاميع التي خسرت مواقعها في العاصمة لن تستلم لهذا الأمر، بل ستشكل تحالفات جديدة خاصة بين ميليشيات هيثم التاجوري ومصطفى قدور اللذين أعلنا وقوفهما خلف باشاغا، ويتوقع أن ينظم لهم القائد العسكري البارز أسامة الجويلي الذي فقد كل امتيازاته داخل العاصمة. لكن وقوف أغلب القطاعات العسكرية النظامية في صف حكومة الوحدة الوطنية قبل اندلاع الاشتباكات الأخيرة. وهو ما ترجمه اجتماع القيادات العسكرية بالمنطقة الغربية مع رئيس هيئة الأركان التابع لحكومة الدبيبة الفريق محمد الحداد، وأكدوا فيه رفضهم المطلق لدخول فتحي باشاغا للعاصمة طرابلس، وهو الموقف الذي عزز من وضعية الدبيبة داخل العاصمة، فضلًا عن النصر العسكري الذي حققته المجموعات والميليشيات الموالية له بعد الاشتباكات الأخيرة.