28-فبراير-2023
getty

(Getty) صارت المعايير مختلفة وأصبح هناك مساحة في لغة الدبلوماسية الدولية الخشبية للحديث عن مقاومة مسلحة

كان الغزو الروسي لأوكرانيا صادمًا على عدة مستويات، لكن ما تلاه، على الأقل في سياق عربي، بدا صادمًا أكثر. وحتى في خضم اللحظة الغريبة التي كنا نشاهد فيها على التلفاز حربًا لا تحدث في بلادنا، تم إقحامنا إلى المشهد. احتاجنا الإعلام الغربي والمسؤولون الأوروبيون للتأكيد على هول الحرب والمصاب. نبهوا العالم أن هذه ليست العراق ولا سوريا أو فلسطين، ليقولوا إن ما يحدث لا يمكن التساهل أو التسامح معه. 

هذه ليست العراق ولا فلسطين ولا سوريا أو أفغانستان، وهؤلاء الضحايا ليسوا مثلنا، لكننا أقدر من أي شخص آخر على فهم ما يحدث لهم

كانت اللحظة أصعب من أن يواصل فيها مراسلو التلفزيونات الغربية لغتهم المنمقة أو تدريباتهم المبتذلة على الصواب السياسي، فانكشف ما انكشف، وظهر ما ظهر. لكن هذه الهفوة على لسان مذيعي التلفزيون التي ستبقى مرتبطة دائمًا في ذهننا بالحرب، كانت أكبر من مجرد خطأ. لقد حملت شيئًا من الحقيقة القاسية؛ هذا ليس الشرق الأوسط فعلًا. 

ستكون هذه الجملة المقتضبة والوقحة خارطة لفهم ما جرى ويجري. ومع ذلك، فإن علاقتنا مع الحرب ستتجاوز هذا المنطق العنصري. خلال أشهر قليلة من بداية الغزو، لم نعد مجرد مثال على ما لا يشبهه الضحايا، أو على العادي الذي يثبت الاستثنائي. تأثرت المنطقة بأزمة اقتصادية حادة، وارتفعت أسعار سلع أساسية بما وصل إلى 50% في بعض المناطق. تقلصت مستويات التمويل للفئات المهمشة واللاجئين عربيًا. استثمرت إسرائيل فيما حدث لقمع الفلسطينيين أكثر، واستفادت اقتصاديًا وعسكريًا. توطدت تحالفات بين الاستبداد واليمين المتطرف، وحظيت أنظمة بشرعية أكبر لقمع شعوبها، بسبب أزمة الطاقة في الغرب. 

صارت المعايير مختلفة. أصبح هناك مساحة في لغة الدبلوماسية الدولية الخشبية للحديث عن مقاومة مسلحة، وصار هناك فرصة أخيرًا للإقرار، بشكلٍ استثنائي ومؤقت ربما، أن السياسة موجودة في كل شيء، في الرياضة والأغاني والطبخ والصحافة.

هذا ليس الشرق الأوسط، والحرب تحصل هذه المرة داخل "الحديقة" الغربية، وليس في "غابة" الجنوب العالمي، على حد وصف الدبلوماسي "الأرفع" في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل. مع ذلك فقد كان هناك ضحايا، وكان هناك مدن مدمرة، وعائلات مشردة. لم يكن الضحايا سواسية في سياسات وخطاب المركز الغربي، لكنهم كانوا وما زالوا سواسية في الحقيقة البسيطة والأهم؛ أنهم ضحايا. كانت هذه لحظة مهمة، مركبّة ومربكة بالنسبة لنا جميعًا، وكان هذا سؤالًا مفتوحًا وصعبًا، إذ كيف يمكن لنا أن نتضامن مع ضحايا "مثلنا - لكن ليس تمامًا"؟ كيف يمكن أن نقف في صف من يتم الإصرار على عدالة قضيتهم، من خلال التأكيد على أنهم ليسوا مثلنا؟ وكيف يمكن أن نتضامن مع من بدأوا من اللحظة صفر، ومعهم ما طالبنا فيه منذ عقود؛ الاعتراف.

في البلاغة العنصرية السائدة، كنا مثالًا على ما لا يشبهه الضحايا الأوكرانيون، أما على الأرض فكنا المثال الأبرز على ما يشبههم

في البلاغة العنصرية السائدة، كنا مثالًا على ما لا يشبهه الضحايا الأوكرانيون، أما على الأرض فكنا المثال الأبرز على ما يشبههم. لقد اختبرنا لسنوات طويلة وما زلنا نختبر هذا النوع من العنف، ومات منا كثيرون بنفس الأسلحة. كنا خلال أكثر من قرن عرضًا جانبيًا لمساعي التوسع الإمبريالية الغربية والروسية. من أجدر منا إذًا بفهم التطلعات الجمعية للحرية والاستقلال، بعد كل ما بذلناه من أجل ذلك، وبعد أكثر من عقد من الهتافات المبحوحة من أجل الحرية والعدالة، وبعد سنوات من الأغاني التي واجهت الدبابات والطائرات؟ هذه ليست العراق ولا فلسطين ولا سوريا أو أفغانستان، وهؤلاء الضحايا ليسوا مثلنا، لكننا أقدر من أي شخص آخر على فهم ما يحدث لهم.