هذا أوان الشدّ
5 نوفمبر 2023
يقترب مسلسل الإجرام الصهيوأمريكي في فلسطين من إكمال شهره الأول، خسرنا خلالها آلاف الشهداء من المدنيين الأبرياء، معظمهم من الأطفال الذين انتقلوا إلى رحمة بارئهم في مكان أفضل من هذا العالم الظالم، العالم الذي كشف عن وجهه القبيح مرة أخرى، وقذف بكل أكاذيب الغرب حول القانون الدولي وحقوق الإنسان في مزبلة التاريخ دفعةً واحدةً وإلى الأبد.
بينما تستمر الإبادة الجماعية، وغزة تحاصر من الإخوة قبل الأعداء، وأمريكا تحرك أساطيلها وكأنها في مواجهة مع دولة نووية عظمى، يراقب العالم ويتابع المحرقة التي لا تتوقف بحق الفلسطينيين، ويتزايد شعورنا بالإحباط والعجز مع جميع محاولاتنا كأفراد ومؤسسات لإيقاف هذه الإبادة الجماعية، محاولات تبدو عديمة الجدوى في وجه الإجرام الصهيوأمريكي غير المسبوق، وتخاذل المجتمع الدولي المتواطئ، فتبدو جميع جهودنا كأنها صرخات عبثية لا تلبث أن تضيع في غياهب النسيان، ويبدأ اليأس بالتسلل إلى النفوس التي بدأت تعتاد مشهد الجثث والأشلاء.
في هذا الوقت تحديدًا الذي تبدو فيه جهودنا الفردية ضئيلة أمام ضخامة التحديات ووحشية الجرائم، وعلى الرغم من عبثية المشهد، إلا أن هذا هو أوان الشد والمثابرة وعدم القناعة باعتياد مشهد الجريمة، هذا أوان تعزيز الفعل الفردي إلى جانب النشاط الجماعي والمؤسسي، هذا أوان المثابرة والعمل والاستمرار في التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي ومقاطعة الصهاينة وداعميهم، والاحتجاج والنزول للشوارع، والتبرع والتطوع والمدافعة والاعتراض والدعاء والصلاة وإنتاج المحتوى، وأي فعل مقاوم مهما بدا صغيرًا. في ظل تواطؤ المجتمع الدولي فإن هذه الأفعال، رغم صغرها هي التي لديها القدرة على إحداث تحولات كبيرة، فهي بمثابة القلب النابض الأخير للتغيير الإيجابي.
هذا هو أوان الشد والمثابرة وعدم القناعة باعتياد مشهد الجريمة، هذا أوان تعزيز الفعل الفردي إلى جانب النشاط الجماعي والمؤسسي
فالتغيير لا يحدث بين عشية وضحاها، وعلى الرغم من فداحة الخسائر فإن التوقف عن دعم الصامدين في فلسطين الآن لا يمكن وصفه بأقل من الخذلان الذي يصل حد الخيانة، أفعالنا مهما بدت بسيطة وحتى تافهة فإنها تساهم في التراكم البطيء ولكن الثابت للدعم العام للقضية، وكلما زاد عدد الأصوات التي تنضم إلى جوقتنا، كلما بات تأثيرنا أقوى، فرجاءً لا تتوقف الآن. فمن المهم أن ندرك جميعًا التأثير المضاعف لأفعالنا الصغيرة التي تزيد من كلفة الجريمة على الصهيوأمريكي، وتلهم وتحفز الآخرين على فعل الشيء نفسه. فعندما تتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنك تنخرط في شكل من أشكال النشاط الرقمي الذي يمكن أن يصل إلى آلاف أو حتى ملايين الأشخاص. قد لا نرى نتائج فورية، لكن تفاعلنا يمكن أن يزرع بذور الوعي في أذهان الأشخاص الذين يصادفونها. وعلى نحو مماثل، فإن مقاطعة المعتدين ومنتجاتهم تبعث برسالة يمكن أن يتردد صداها على نطاق واسع، مما يؤدي إلى عواقب اقتصادية واسعة النطاق بدأنا نرى نتائجها أسرع مما توقعنا ولكن العبرة في الاستمرار وعدم التوقف، فقد يجذب احتجاج شخص واحد انتباه الآخرين الذين يشاركونه نفس المخاوف، مما يؤدي إلى جهد جماعي أكثر أهمية.
ويجب أن نعيي جميعًا أن التغيير يحدث في غالب الأحيان تحت السطح قبل أن يطفو فوقه. وعلى الرغم، من أننا قد لا نرى تحولات فورية في سياسات وممارسات العدو وجرائمه، التي يستمر في ارتكابها مراهنًا على أننا من سيستسلم أولًا! يجب أن نراهن من جهتنا على انكساره هو، ففي كل يوم يستمر فيه هذا العدوان الغاشم تتزايد كلفته على العدو اقتصاديًا وسياسيًا وحتى عسكريًا، فالمحتل لا يستطيع الاستمرار بجرائمه إلى ما لا نهاية حتى لو مدته الولايات المتحدة بكل أموالها وجنودها ودعمها السياسي الخبيث، ولربما بدانا نستشعر بعض التململ في صفوف الامريكيين حتى لو كان خفيفًا.
من السهل أن نفقد الأمل ونعتاد المشهد المأساوي، ولكن هذه اللحظات الصعبة بالتحديد هي التي يجب علينا فيها المثابرة والاستمرار، ومهما شعرنا بالقهر والظلم فجميع مشاعرنا لا يمكن أن تقارن بما يواجهه أهلنا في غزة تحت الحصار والقصف. فأقل ما يمكن أن نفعله هو الإصطفاف إلى جانب الحق في عالم اختفى فيه اللون الرمادي، فإما أن نكون مع الحق أو نهوي في قيعان الباطل، فرجاءً لا تستهينوا بأي فعل مهما صغر ولا تتوقفوا فهذا أوان الشد.