11-يناير-2018

تعرضت قاعدة حميميم لهجوم بطائرات بدون طيار محلية الصنع (تويتر)

دخلت القوات الروسية المتواجدة في سوريا لدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، عامها الجديد بطريقة مختلفة عمّا كان مخططًا له، بعد تعرضها في أقل من أسبوع بين العامين المنصرم والجاري، لهجومين مختلفين، نفذتهما جهة مجهولة استهدفت القاعدتين الجويتين التي تتخذهما موسكو مقرًا لقواتها، لتكون بمثابة نقطة تحول غير متوقعة في الحرب السورية، ولا سيما أنهما استهدفا موقعًا محصنًا بأحدث أنظمة الدفاع الجوي المتطورة عالميًا.

خلال أقل من أسبوع، تعرضت القاعدتان العسكريتان اللتان تتخذهما روسيا مقرًا لقوتها في سوريا، لهجومين نفذتهما جهة مجهولة

قواعد روسيا الجوية تحت القصف

وبعد أقل من شهر على إعلان بوتين بالاشتراك مع النظام السوري، القضاء على من أسماهم "المجموعات الإرهابية"، يقصد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا، خلال الزيارة التي أجراها لقاعدة حميميم الجوية، تعرضت القاعدة ذاتها في اليوم الأخير من العام المنصرم لهجوم بصواريخ الغراد دمرّ سبع طائرات، وأُصيب على إثره عشرة جنود، وفي اليوم ذاته أعلنت الدفاع الروسية سقوط مروحية بسبب عطل فني ومقتل طاقمها.

اقرأ/ي أيضًا: هل يعيد داعش بناء نفسه بعد إعلان روسيا "المضلل" الانسحاب من سوريا؟

الخبر الذي أثار موجة من التساؤلات عن هوية الجهة المستهدفة سرعان ما نفته وزارة الدفاع الروسية، مكذبة ما نقلته صحيفة كومرسانت اليومية عن مصدرين، بعد أربعة أيام من حدوثه، إذ قالت الوزارة، إن جندييّن "فقط" قتلا بهجوم شنته المعارضة بقذائف المرتور. لكن النفي الروسي لاستهداف القاعدة ربما لم يكن مقنعًا، ويبدو أنّه قد جاء تخفيفًا من حدة المفاجأة على الرأي العام الذي بدأ يهمس لجهات عديدة، كون القاعدة محمية بأنظمة رادار متطورة، وأنظمة دفاعية من بينها منظومة الدفاع الجوي "S400" و"S300" التي تتفاخر بهما روسيا في سوق السلاح العالمي.

وتلقت القوات الروسية بعد يومين هجومًا جديدًا، لكنه مختلف عن سابقه، فقد أعلنت الدفاع الروسية تعرض قاعدتي حميميم وطرطوس لهجوم بـ13 طائرة بدون طيار تصدت له الدفاعات الجوية فيها، والمختلف في هذا الهجوم أنه لم يترك لموسكو فرصة للمرواغة بعدما تناقلت صفحات موالية على موقع فيسبوك مقطعًا مصورًا يظهر إطلاق المضادات الأرضية على طائرة مسيرة من داخل قاعدة حميميم. 

والمميز في الهجوم الأخير أنه نُفذ بطائرات مسيّرة محلية الصنع، حيثُ أظهرت صور جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الطائرات التي شنت الهجوم استخدم في صناعتها الأخشاب، ومواد متعددة لا يمكن لأجهزة الرادار التي تحمي القواعد الجوية الروسية في الساحل الروسي من رصدها، حيثُ يظهر من الفيديو المتداول أن القوات الروسية تصدت لها عن طريق أنظمة دفاع أرضية متطورة.

قصف حميميم.. والجهة "إكس"

وفي مراجعة لمُجمل التصريحات الصادرة حول الجهة المستهدفة للقاعدتين الجوتين، فقد قال النظام السوري، إن مصدر الهجوم كان محافظة إدلب التي تسيطر على أجزاء واسعة منها هيئة تحرير الشام (هتش)، لكن مصادر رسمية روسية اتهمت فصائل المعارضة بالوقوف وراء الهجوم، وألمحت إلى أنها حصلت على هذه التكنولوجيا عن طريق واشنطن بطريقة غير مباشرة.

تريد موسكو باتهامها فصائل المعارضة بإدلب، بالهجوم على قواعدها، إعطاء غطاءٍ شرعي للهجمات على إدلب رغم كونها من مناطق خفض التوتر

غير أن صحيفة "EurAsia Daily" الروسية اتهمت بشكل مباشر تنظيم داعش، وهو ما يتناقض مع التصريحات الروسية السابقة التي أعلنت فيها القضاء على التنظيم المتشدد في سوريا، كما أن الصحيفة ألمحت لوقوف هتش وراء الهجوم الذي حصل في نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: إدلب.. حصن المعارضة الأخير في مواجهة جحيم النظام السوري

وفي كلا الأمرين فإن التلميح لوقوف الفصيلين المذكورين خلف الهجوم، يشير أن موسكو تريد إعطاء غطاء شرعي للهجوم الذي تشنه قوات النظام مدعومة بالميليشيات المحلية والإيرانية من الجهتين الجنوبية والشرقية غلى مدينة إدلب، فالمنطقة من بين المناطق الخمس المدرجة ضمن مذكرة "تخفيف التوتر" الموقع عليها في أستانا في أيار/مايو 2017.

غير أن الأكثر أهمية هو اتهام موسكو فصائل من المعارضة السورية المصنفة بـ"المعتدلة" بتنفيذ الهجوم، بعدما قالت إن الطائرات المسيّرة انطلقت من جنوب غرب إدلب، والذي يبدو أنها تتخذه حجًة للهجوم العنيف الذي يشنه النظام السوري في المنطقة، والمنطقة التي أشارت إليها موسكو تخضع لنفوذ حركة أحرار الشام الإسلامية التي أنكفأت إليها بعد معاركها الأخيرة مع هتش.

أما الجهة الأخيرة التي دخلت على خط الاحتمالات وفق ما نقل موقع مدار اليوم المحلي، الذي أشار أن وثيقة صادرة عن مخابرات النظام السوري كشفت أن الاستهداف الأول كان من قرية بستان الباشا بريف جبلة الخاضعة لسيطرة النظام السوري، في الوقت الذي رجح المتحدث باسم الجيش السوري الحر أيمن العاسمي أن تكون مجموعة تعرف باسم "جمعية الإمام المرتضى" التابعة لإيران هي من نفذ الهجوم الصاروخي.

إذن من الجهة المنفذة؟

استبعد معظم المعلقين على الهجوم الذي تعرضت له القاعدتان الجويتان، أن تكون المعارضة هي الجهة المنفذة للعملية، وكان أحد الأسباب المشتركة لاستبعادها أن عملية من هذا النوع لا تحتاج للصمت، كون المعارضة لطالما كانت تسارع لتبني عملياتها النوعية ضد قوات النظام، فكيف تصمت عن هجوم بهذا الحجم بعدما نجح بإصابة أهم القواعد الجوية الروسية في سوريا؟

ولعل موسكو كانت استفادت من تطور الأحداث في الشمال السوري و"إدارة المركبات"، في تصدّرهما نشرات الأخبار، حيثُ لم تتحدث عن الهجوم إلى أن كشفت الصحيفة الروسية ذلك، ومن ثم جاء الهجوم الثاني الذي لم يترك مجالًا لكتمانه. والهجومان يأتيان في الوقت بعد وقت قصير من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ترشحه لولاية رئاسية جديدة، حيثُ تحاول روسيا أن تخفي حجم خسائرها البشرية في سوريا.

كما أن الهجومين أكدا على أن القواعد الروسية في الساحل السوري غير آمنة، بل إنها تعطي مؤشرًا لتطور جديد غير معروف إن كان قد يتكرر مرًة جديدة، واتهام موسكو غير المباشر لواشنطن يدل على أن موسكو تريد أن تزيد الضغوط على واشنطن لتسحب يدها نهائيًا من الملف السوري، ومقابل ذلك تقوم موسكو بتعطيل المفاوضات الجارية لتستبدلها بمؤتمر سوتشي الذي رفضت المعارضة السورية حضوره.

أما النقطة الأهم في الهجومين فإنها كانت في طبيعة الاستهداف الذي جاء بعد أقل من شهر على الزيارة التي أجراها بوتين لقاعدة حميميم الجوية معلنًا منها انتصار النظام السوري والقوات الروسية الداعمة له على المعارضة السورية، ليأتي الهجوم ويحرج موسكو على المستوى الدولي بعد أن روجت لقرب نهاية الأزمة السورية، وهو ما يدل على أنها لم تنتهِ حتى الآن، بل قابلة في أي لحظة للتبدّل.

أكّد الهجومان اللذان تعرضت لهما قاعدتي حميميم وطرطوس، أن القوات الروسية وقواعدها في سوريا، ليست آمنة

ومن هنا فإن المرحلة القادمة قد تشهد تطورات مختلفة اتجاه القوات الروسية، مقابل تنفيذ موسكو هجمات انتقامية من خلال قصفها جوًا للمناطق التي لا تزال خاضعة لنفوذ المعارضة، وممارسة ضغوط أكبر من السابقة على المعارضة السورية تفرض عليها حضور مؤتمر سوتشي، أو من جانب آخر بإعطاء النظام السوري الإشارة لتوسيع هجماته في ريف إدلب، وفي جميع الأحوال فإن التطورات التي ستحصل خلال الأيام القادمة ستحدد مستقبل الأزمة السورية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"بأنهم ظلموا".. انهيار قوات الأسد في "إدارة المركبات" بالغوطة الشرقية

المعارضة السورية توحد موقفها: "لا لمؤتمر سوتشي"