03-يناير-2017

عقيل خريف/ العراق

  • إلى الروائي الذي سأعرف اسمه بعد الانتهاء من الكتابة

في لحظة الفراغ هذه، والتي أملك الكثير من شبيهاتها كل يوم، قررت منح الفراغ قيمة، وسرقة معنى من رواية، وكأن القدر مشترك معي في السرقة قفز أمامي غلاف لرواية تدعى "الهدنة"، إذن سأسرق الهدنة من كاتبها، وأملأ لحظتي بأطراف صراع الرواية دون إجهاد. لكنني لن أقرأها، ربما ستكون مملة فتنطفأ رغبتي بالسرقة، أو جيدة فيصحو ضميري، لذا سأخترع أطراف الصراع بنفسي، أنا ضد العالم، وهذه سرقة أخرى.

في البدء، عليَّ أن أسرق نفسي، يلزم ذلك أن أجدني، فلا مهرب من المشقة إذًا. الهدف في غرفته، يفصلني عنه فرشة مقواة بالأحلام غير المرئية له ولي، تحرس باب غرفته النوايا، هن كثيرات وملتبسات ويتصارعن معظم الوقت على أخذ الأولوية، ثم يأتي السلم مغلفًا بأسلاك الخوف والقلق الشائكة، سيكون عبوره صعبًا، لكن لا أزال بعيدًا، ففي باب البيت عرصة من رمال التردد المتحركة، وقد ابتلعت هذه الرمال الكثير من الخطى، ليس من السهل عبورها أبدًا، والأصعب من ذلك أن الدخول إليها يجب أن يكون معكوسًا بسبب الحالة المرآتية التي خلقتها الصدفة خارج أعتاب البيت، إذ وضع الهدف قاعدة صارمة وملزمة على العابر من العرصة أن لا يلتفت، وذلك لقوة الجذب الرهيبة في حبات رملها إلى الداخل، لذا عليَّ الدخول ملتفتًا وكأنني أخرج.

هذه خريطتي التي سأقفز من فخاخها إلى هدفي مباشرة، فللهدف مجانية وضعها لنفسه وأعني لي، فلا هو يملكني ولا أنا أملكه، ولا يمانع أحدنا بسرقة الآخر، سأخطفه وأبعثر أحلامه على الأرض، وربما يتكسر بعضها وينجرح الهواء، سأمر عبر النوايا دون أن أصطحب واحدة، وأتزحلق على درابزين السلم متخففًا بحمل نفسي التي أثقل دونها، ستطفو خفتنا على الرمل ونعبر إلى العالم دون أن نلتفت إلى الوراء، وسأكون كاملًا ويكون العالم الضد أمامي.

كيف سأهادن العالم؟ لا أعرف كيف هادن الروائي الذي لم أقرأ اسمه، لكنني سأجرب المرور في قلب طريقه تاركًا الخوف الذي يهدد الهدنة على جانب الطريق، سأقيم علاقة مع الأشياء فيه: يا نفسي دعي الهواء يمر إلى صدرك سالمًا ويخرج سالمًا، دعي الضوء ينعكس على عينيكِ الزجاجيتين، ودعي الخطوات تنتظم ألا يشعر الدرب بالخطر. سيكف عني العالم لا معقوليته وتكبر فرصي في لقائه. إذًا أسير أكثر، عبر كائناته الهائمة بأزياء متقنة وبناياته المتفاوتة بالحجم والعاطفة، أسير عبر المشاعر التائهة، ولن أخبر الشعور الواقف وسط الإشارة المرورية إن للقدوم والرجوع نتيجة واحدة، مفادها الفناء بعد مرور اللحظة، وما بعد اللحظة غير عابئ بالاتجاه، بل الانعكاس الذي تحققه صورة الفناء ذاتها، لن أخبره أن قرار الخطوة القادمة رغم انعدام قيمته هو نفسه ما يقيدني طوال حياتي، ولن أخبره أن مسيرتي الآن مسروقة من الوعي لتحقيق هدنة مع العالم.

سأبحث عن العالم في كل ما ستمر عيني عليه وكل ما يرن في أذني، سأبحث عنه في الخطوة السابقة واللاحقة، وفي اللحظة المركزة بين الخطوتين، سأبحث عنه بالتقاء الخطر بالطمأنينة، حين أمد جسدي على الأرض لغرض الاستراحة، تهطل طمأنينة النجوم على أرض الخوف مصدرة صوت تناثر الماء على صفيح ساخن، سأبحث عنه في الغفوة والحلم ولحظة اليقظة الأولى حين يمتزج الوعي بالخيال، كأن منشورًا هائلًا منح العالم ألوانًا جديدة أين ما لاحه بصري، وسأبحث عنه في لحظة يأسي من لقائه ولحظة يأسي من وجوده، فهو الشقي الذي يجيد الاختباء في عدمه، وحين سأجده، سأخطب فيه وأعرض عليه هدنتي.

أيها الواسع في الأفق كرصاصتين متعاكستين لا تتوقفان عن الانطلاق. أيها العميق كهاويتين تسقطان: واحدة إلى الأعلى، والأخرى إلى الأسفل. أيها المخيف الملتصق بأنفي ونهايتك من كل الاتجاهات لا ترى، تغلفني كأن سعتك قبر، وأيها الضعيف أيضًا إذ تمحى بفكرة محوي، فلا وجود لك بلا وجودي. تعال نتهادن، ونفصَّل للجالس في فرشته، المسروق من قبلي، ممكناته. ترتجف الأسئلة في أصابعه كثمالة، فيتركها للرقص على البياض، أمنحه البياض واسعًا. وفي قدميه سم، أنت تعرفه، خَلطْتَه من غربته في المسافة، وشكه في الوصول، داوه، فالغربة والشك لا يعرفها غيرك، ولك منه أن يراك ويقص على الناس رؤيته، عسى أن تكسب شساعتك برؤيته معنى.

 

اقرأ/ي أيضًا:

شاميةٌ هذي العيون

غرفة رقم 303: مناجم القطط