17-يونيو-2016

(Getty) مقاتل من المعارضة في أحد أسواق حلب

أكثر ما يثير الحيرة في الهدن المعلنة بشكل مفاجئ في سوريا، أنها لا تأتي على لسان المبعوث الأممي إليها ستافان دي ميستورا، إنما دائمًا تأتي على لسان الجانب الروسي، رغم أن النظام السوري، يعتبر نفسه غير ملزم بهذا القرار، الذي هو على دراية تامة بموعد صدوره.

لم يجد النظام السوري نفسه ملزمًا بتطبيق أي فصل من فصول الهدنة المعلن عنها سابقًا، حتى يلتزم بهدنة حلب التي أعلنتها روسيا

منتصف ليل 16 حزيران/ يونيو الحالي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية، عن سريان مفعول هدنة في حلب، اعتبارًا من الساعة الواحدة بعد منتصف الليل من اليوم عينه، لمدة 48 ساعة، الوزارة عللت إعلان الهدنة بقولها إنها جاءت "بهدف تحقيق الأمن والاستقرار".

اقرأ/ي أيضًا: هل تتحول داعش لنسخة أخرى من القاعدة؟

النظام السوري لم يجد نفسه ملزمًا بتطبيق أي فصل من فصول الهدنة المعلن عنها سابقًا، حتى يلتزم بهدنة الأمس. إذ لم يمضِ أكثر من نصف يوم على قرار الدفاع الروسية، حتى بدأت مقاتلات النظام الحربية، قصف الأحياء السكنية في مدينة حلب، التي من المفروض أنها تعيش ضمن أجواء الهدنة الروسية، من دون أن تصدر موسكو أي تصريح رسمي، يتعلق بخرق النظام للهدنة.

وهذه ليست هي المرة الأولى التي تخرق فيها قوات النظام، أي من بيانات الهدن السابقة، فهي خرقت قرار الهدنة الروسي، الذي استبق دخول المساعدات الإنسانية إلى مدينة داريا في ريف دمشق، لا بل قصفت أطرافها بالتزامن مع دخول قافلة المساعدات إليها.

وفي تجربة كان تاريخها أحدث من الهدنة المذكورة سابقًا، هي فعليًا كانت بعد يوم واحد من خرق الهدنة في داريا، وقبل نحو أسبوع من اليوم، خرقت مقاتلات النظام السوري الحربية، هدنة المدن الأربعة، التي وافق "مجلس الشورى" في جيش الفتح" على تفعيلها، بين أرياف ومدينة إدلب في الشمال، ومدن وبلدت في ريف دمشق الغربي، مخلفًة أكثر من 25 قتيلًا، وفق معطيات أشارت إلى أن المقاتلات الروسية هي من نفذ الغارة على وسط المدينة.

ما ذكر أعلاه، هو بعض من خروقات النظام السوري، وحليفه الروسي، الابن الشرعي للحقبة الستالينية، الذي يصر على أن يكون، الورقة الغامضة، أو "الجوكر" في قرارات الهدنة، يكفي أن تذكر وكالات الأنباء الروسية الناطقة باللغة العربية، حتى تشتعل جبهات مواقع التواصل الاجتماعي، وينقسم العابرون بين رافض ومؤيد.

خرقت مقاتلات النظام السوري  هدنة المدن "الأربعة"  التي وافق "مجلس الشورى" في جيش الفتح" على تفعيلها

اقرأ/ي أيضًا: تاريخ صناعة السلاح في إسرائيل..3 مراحل و3 أهداف

وتختلف تجارب الهدن في حلب، عن مثيلاتها من باقي المدن السورية، لأن المدينة وريفها تشهد تواجدًا نشطًا لـ"جبهة النصرة"، أحد أذرع "تنظيم القاعدة" في العالم، وهو ما يثير غضب الروس عمومًا، وزعيم الخارجية الروسية سيرغي لافروف خصوصًا هذا أولًا.

أما ثانيًا، هو أن الهدنة تأتي بالتزامن مع ما يحققه "جيش الفتح" من تقدم واضح في ريف حلب الشمالي، والذي يضم داخله (جبهة النصرة، حركة أحرار الشام الإسلامية، فيلق الرحمن، جند الأقصى) وغيرها من الفصائل العسكرية.

التقدم الذي أحرزه "جيش الفتح" خلال الأيام القليلة السابقة، كبد قوات النظام والميليشيات التي تقاتل إلى جانبه، خسائر كبيرة في العتاد والجنود، لذا يمكن التخمين أن قرار الهدنة، ليس إلا فرصة للنظام السوري حتى يستعيد شيئًا من عافيته، رغم أن المعارك ما تزال على أشدها في الريف الحلبي.

يمكن التخمين أن قرار الهدنة، ليس إلا فرصة للنظام السوري حتى يستعيد شيئا من عافيته

فيما تبرز النقطة الثالثة، ولعلها الأهم، في الخلاف الروسي – الأمريكي على إدراج فصائل معارضة محددة على لائحة الإرهاب، مشتركة في أكثر من تحالف مع "جبهة النصرة"، وهذه الأخيرة يظهر أنها أكثر ما يثير غضب الخارجية الروسية، والتي عبر عنه أخيرًا لافروف أمس الخميس، عندما وصف الغرب بأنهم يريدون استغلال وجودها لإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

البيانات الصحفية والتصريحات الرسمية الصادرة عن وزارتي الخارجية والدفاع الروسية، منذ أكثر من شهر، لا هم لها إلا قتال النصرة، دون أن تشير إلى أي مسعى في قتال تنظيم "الدولة الإسلامية"، وهو ما يجعل من أي من الهدن المقترحة في حلب وإدلب وأريافهما، مجرد حبر على ورق، طالما أن للنصرة تواجد فعلي فيهما.

من المرجح ألا يتم تمديد الهدنة، بعد انتهاء فترتها الزمنية، التي حددها الروس أنفسهم، هي مجرد استعراض إعلامي، حتى يظن العالم أن الروس جادين في مساعيهم لإحلال السلام في سوريا، فيما تبدو كما لو أنها استراحة لأخذ النفس، والتفكير في استعادة المناطق التي خرجت عن سيطرة دمشق حديثًا، فالروس فعليًا لا يمكنهم أن يفرضوا على الأسد، الالتزام بأي من قرارات الهدنة، لأن ذلك سيجعلهم خاسرين في جولة مباحثات السلام الجديدة، التي لم يتم تحديد موعدها حتى الآن.

اقرأ/ي أيضًا:

مساع لإعادة مقاتلين في الحشد الشعبي لجؤوا لأوروبا

نواب سنة وكرد يخشون العودة إلى بغداد