15-أبريل-2021

تحاول إيران الاستفادة من هجوم نطنز في المفاوضات مع واشنطن (Getty)

تشير معظم التحليلات المرتبطة بالهجوم الأخير الذي استهدف محطة نطنز النووية، كبرى المنشآت النووية في إيران، إلى عدم وجود نية لدى الجانب الإيراني بالانسحاب من المحادثات غير المباشرة التي تجري مع واشنطن بشأن الجهود الرامية لإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى، وذلك بعد تأكيد البيت الأبيض عدم ضلوع واشنطن بالهجوم الأخير، لكن إيران في مقابل ذلك لا تبدو ميالة لتجاهل الاستهداف الثاني للمنشأة النووية في أقل من عام، ما كان واضحًا بعد الهجوم الذي تعرضت له سفينة شحن إسرائيلية قرب ميناء الفجيرة في منطقة الخليج.

تشير معظم التحليلات المرتبطة بالهجوم الأخير الذي استهدف محطة نطنز النووية، إلى عدم وجود نية لدى الجانب الإيراني بالانسحاب من المحادثات غير المباشرة التي تجري مع واشنطن

هجو سيبراني؟

على الرغم من تضارب المعلومات بشأن الهجوم الذي استهدف نطنز، فيما إذا ما كان هجومًا سيبرانيًا أو بطريقة أخرى، فإن عديد وسائل الإعلام العبرية تناقلت عن مصادر وصفتها بـ"الاستخباراتية" الإسرائيلية أن وكالة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) كانت وراء الهجوم الذي استهدف نطنز يوم الأحد الماضي، وأشارت نقلًا عن مسؤول استخباراتي أن الهجوم نفذ عبر تفجير عبوة ناسفة عن بعد تم تهريبها إلى داخل المنشأة، لافتًا إلى أن الانفجار تسبب بأضرار جسيمة بأنظمة الكهرباء الأساسية والاحتياطية.

اقرأ/ي أيضًا: طهران ترفع نسبة تخصيب اليورانيوم ردًا على هجوم نطنز وتحذيرات أوروبية

وتعليقًا على هجوم نطنز، اعتبر الرئيس السابق لجهاز الموساد داني ياتوم أنه مجرد الإشارة لمسؤولية إسرائيل عن الهجوم، فإن ذلك سيؤدي إلى "رد انتقامي" من إيران، فيما قالت وسائل إعلام إيرانية إنه تم تحديد هوية الشخص الذي تسبب في انقطاع التيار الكهربائي بإحدى قاعات المنشأة، وأضافت بأنه يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للقبض على المتسبب الرئيسي للإخلال بنظام الكهرباء.

وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فإن الهجوم الأخير أدى لتدمير شبكة الكهرباء الداخلية المستقلة للمنشأة، والتي تقوم عادةً بتزود أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض بالطاقة، وسط توقعات بأنها قد تحتاج تسعة أشهر على الأقل لاستعادة قدرتها الإنتاجية، وأضافت الصحيفة بأن الهجوم الأخير قد يحد من قدرة إيران التفاوضية في المباحثات غير المباشرة، مشيرةً إلى أنه حتى اللحظة لا يزال حجم المعلومات التي وصلت للرئيس الأمريكي جو بايدن غير معروف.

ردود إيرانية سريعة

وجاء الهجوم الأخير بعد وقت قصير نسبيًا من تعرض سفينة إيران ساويز الإيرانية في البحر الأحمر قبالة سواحل جيبوتي إلى أضرار، وكشفت نيويورك تايمز حينها نقلًا عن مسؤولين أمريكيين أن تل أبيب أبلغت واشنطن بمسؤوليتها عن الهجوم، وذلك ردًا على استهداف السفينة إم في هيليوس راي الإسرائيلية التي كانت تنقل مركبات إلى سنغافورة في شباط/فبراير الماضي.

رغم أن نيويورك تايمز كانت قد نقلت عن مسؤول أمني إسرائيلي أن إسرائيل تسعى للحد من التوترات في منطقة الخليج العربي، مشيرًا لعدم رغبتها بالرد بهجوم مضاد يستهدف سفينة إيرانية، وفيما رفضت إسرائيل التعليق على الحادثة الأخيرة، فإن مسؤول أمريكي أشار إلى إسرائيل طلبت من واشنطن المساعدة في حماية السفينة.

وفي إشارة لعدم إظهار رغبتها بتجاهل الهجوم الأخير الذي استهدف نطنز، وعدم تجاهلها في الوقت عينه الهجوم الذي استهدف السفية ساويز كذلك، تناقلت وسائل إعلام، يوم الثلاثاء، خبر استهداف سفينة هايبيرن المملوكة لشركة PCC الإسرائيلية بهجوم صاروخي، وهي الشركة المالكة للسفينة إم في هيليوس راي، وبحسب ما نقلت قناة الميادين المقربة من طهران عن المراسل العسكري في القناة 12 الإسرائيلية، فإن "السفينة أصيبت بصاروخ أطلق عن بعد" قد يكون من سفينة أخرى أو طائرة مسيرة.

كما شهد يوم الثلاثاء تطورًا جديدًا على صعيد برنامج تخصيب اليورانيوم في إيران، بعدما انتهز مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي تواجده في فيينا التي تستضيف المباحثات غير المباشرة برعاية الاتحاد الأوروبي، للإشارة إلى أن بلاده بدأت تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 بالمائة، فضلًا عن وضع إيران ألف جهاز طرد مركزي آخر بقدرة 50 بالمائة أكثر من الأجهزة المستخدمة في نطنز، وهو ما يؤكد على تصريحات الزعيم الأعلى في إيران علي خامنئي عندما قال إن حدود مستوى تخصيب اليورانيوم لن تتوقف عند الـ 20 بالمائة.

ويظهر من إعلان عراقتشي أن إيران أرادت توجيه رسالة غير مباشرة للاتحاد الأوروبي ترفض من خلالها العقوبات التي استهدفت قائد الحرس الثوري الإيراني إلى جانب قائد قوات الباسيج غلام رضا سليماني، ومجموعة من قادة الباسيج إلى جانب كيانات إيرانية أخرى بسبب قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، فيما أرادت كذلك توجيه رسالة مباشرة لإسرائيل تؤكد فيها على عدم تضرر برنامج تخصيب اليورانيوم بعد هجوم نطنز الأخير.

وأخيرًا لدينا المباحثات التي أجراها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في العاصمة طهران، يوم الثلاثاء، حيث حمل المؤتمر الصحفي مجموعة من الرسائل المباشرة، إذ بينما أكد ظريف على شرط رفع العقوبات الأمريكية في مقابل عودة بلاده للاتفاق النووي، فإنه شدد على أن رد بلاده على هجوم نطنز سيكون "حازمًا"، فيما وصف لافروف هجوم نطنز بأنه محاولة لإفشال المحادثات غير المباشرة بين طهران وواشنطن. 

تخبط داخل الحكومة الإسرائيلية

وفقًا لما نقلت صحيفة هآرتس العبرية عن مسؤول إسرائيلي فإنه لم تتم مناقشة هجوم نطنز "داخل مجلس الوزراء الأمني​​، ولم يكن هناك نقاش مهم في منتدى أمني ذي صلة، أو تغيير في سياسة الغموض حول تلك الأحداث المنسوبة إلى إسرائيل، وهكذا في كل حادثة يفعل الجميع ما هو جيد لأنفسهم"، لافتًا إلى وجود العديد من القضايا التي تعتبر أكثر أهمية من إيران، مع وجود ترجيحات تنصب في سياق إثارة القضية الإيرانية لأسباب ليست بالضرورة عملية.

فيما اتهم تقرير منفصل لصحيفة هآرتس رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتياهو بالوقوف وراء التسريبات الأخيرة التي وردت لوسائل الإعلام، سواء أكان التسريب المرتبط بمهاجمة سفينة إيران ساويز أو الهجوم الذي استهدف نطنز، وتتحدث التقديرات داخل إسرائيل عن محاولة نتنياهو شحن الأجواء للوصول إلى حالة طورائ تسمح له بتجاوز الأصوات اليمينية المعارضة له، والذهاب لتشكيل حكوة طوارئ أسوةً بالخطوة التي اتخذها لمكافحة فيروس كورونا العام الماضي.  

ويواجه نتنياهو فعليًا صعوبةً بتشكيل حكومة جديدة رغم حصوله على تكليف لتشكيل الحكومة القادمة، حيث فشل حتى الآن في الحصول على تأييد 61 نائبًا من أصل 120 نائبًا في الكنيست، فقد حصل حتى الآن على تأييد 52 نائبًا، إضافة لمحاولته التحالف مع حزب يمينا الذي يملك سبعة مقاعد في الكنيست، مما يعني أن مجموع المؤيدين لتشكيله الحكومة لن يتجاوز 59 نائبًا، الأمر الذي يجعله بحاجة لصوتين إضافيين عليه تأمينهما خلال فترة لا تتجاوز 20 يومًا.

ما وراء الهدوء الإيراني

وعلى عكس التوقعات فإن الرد الإيراني بطبيعة الحال المرتبط بالتقليل من أهمية الهجوم يدل بحسب مجلة فورين بوليسي على رغبة إيران بالحفاظ على الهدوء، ومضيها في المباحثات غير المباشرة مع واشنطن، إلا أنها على الأرجح ستقدم مطالبًا أكبر من السابق تجعلها تحصل على تنازلات من الجانب الأمريكي، فقد أكد المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي في تصريحاته على أن بلاده "لن تقع في فخ العملية الاستفزازية"، نافيًا أن يكون هجوم سيبراني وراء حادثة نطنز.

وتتحدث تقديرات الباحث ميسم بيهرافيش الذي أعد تقرير المجلة الأمريكية عن أن الضرر الذي أصاب نطنز لم يكن كافيًا ليدفع إيران إلى الانسحاب من المباحثات غير المباشرة، بل على عكس ذلك ساعدها على الاستفادة من وضعها الراهن بوصفها "ضحية" في ظل الهجمات الإسرائيلية الأخيرة التي استهدفت بنيتها التحتية، وهو ما سيكون مساعدًا لتحقيق هدفها في المفاوضات من خلال إصرارها على إلغاء العقوبات مقابل عودتها للاتفاق النووي، الأمر الذي قد يعرقل الجهود الصينية – الروسية المشتركة، حيثُ تقود الدولتان وساطة بين واشنطن وطهران من أجل التوصل لحل وسطي يرضي جميع الأطراف.

وبحسب ما يرى بيهرافيش فإن هجوم نطنز خدم بشكل خاص مصالح التيار المحافظ داخل إيران، في ظل محاولتهم الفوز في انتخابات الرئاسة الإيرانية في حزيران/يونيو القادم، بعد أن ذهبت في الولايتين السابقتين إلى التيار الإصلاحي بزعامة الرئيس حسن روحاني، ويرى بيهرافيش أن المحافظين الإيرانيين يرغبون بالاستفادة من الاتفاق النووي في جميع الأحوال، إذ إنه في حال أقرت الإدارة الأمريكية برفع العقوبات عن طهران فإنهم سيظهرون بموقف المنتصر، وفي حال رفضت ذلك فإنهم سيستخدمون نفوذهم للضغط على الحكومة الإيرانية من أجل الانسحاب من الاتفاق النووي.

واعتبر بيهرافيش أن استهداف نطنز سمح بجميع الأحوال للحكومة الإيرانية بالحصول على دعم شعبي، رغم حالة الاحتقان بسبب الحالة الاقتصادية المتردية المتأثرة بالعقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، ووصفت بأنها الأقسى في تاريخ العقوبات الأمريكية، حيثُ من الممكن أن تؤدي الهجمات المتكررة ضد الأهداف الإيرانية إلى حصول الحكومة الإيرانية على دعم شعبي من أجل إنتاج قنبلة نووية تكون بمثابة رادع نهائي لمثل هذه الهجمات.

هجوم نطنز خدم بشكل خاص مصالح التيار المحافظ داخل إيران، في ظل محاولتهم الفوز في انتخابات الرئاسة الإيرانية في حزيران/يونيو القادم

وينهي بيهرافيش تحليله المرتبط بهجوم نطنز الأخير مشيرًا إلى أنه على الرغم من عدم وجود ترجيحات تصب في جانب خيار إنتاج قنبلة نووية، فإنه في حال فشلت الجهود الدبلوماسية التي تهدف لعكس مسار حملة الضغط التي تشنها واشنطن ضد إيران، وفي حال انهار الاتفاق النووي الإيراني، سواء أكان من خلال رفض واشنطن تقديم تنازلات أو استمرار الهجمات الإسرائيلية، فإنه لن يكون من حل لاحتواء البرنامج النووي الإيراني، ولن يكون هناك مانع من توجه طهران لتصنيع أول قنبلة نووية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هجوم نطنز: إيران تتهم إسرائيل رسميًا وتتعهد بالانتقام