04-يوليو-2016

أقارب ضحايا هجوم داعش في بنغلاديش خلال تأبينهم (Getty)

أعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الهجوم الذي أسفر عن مقتل 20 شخصًا في العاصمة البنغلاديشية دكا يوم الجمعة، فما هي دلالات هذه العملية؟..التقرير التالي من "نيويورك تايمز" يحاول الإجابة.

كانت مسألة قتل مدنيين سنة نقطة خلاف داعش مع تنظيم القاعدة عقب انفصال تنظيم الدولة الإسلامية عنها منذ عدة أعوام

___

كان أول من قُتل هو شخصٌ يمارس رياضة الجري، تم إطلاق النار عليه في أيلول/سبتمبر الماضي خلال مساره اليومي في الحي الدبلوماسي للعاصمة البنغلاديشية، دكا. تم التعرف على الضحية واتضح أنه عامل إغاثة إيطالي يبلغ من العمر 50 عامًا، وتقول الشرطة إن الرجال الذين قتلوه تلقوا إرشادات بقتل أجنبيٍ أبيض عشوائيًا.

في تشرين الأول/أكتوبر، قُتل رجلٌ ياباني. في تشرين الثاني/نوفمبر، توقف مسلح يستقل دراجةً بخارية بجوار كاهن كاثوليكي في شمال بنجلاديش وفتح النار، ما أسفر عن إصابته.

بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، والذي نصح عملاءه الذين أرسلهم إلى أوروبا بصورةٍ عامة بقتل "أي شخص وكل شخص"، فإن تكتيكات التنظيم في بنجلاديش بدت أكثر خضوعًا للسيطرة. في الأشهر التسعة الماضية، نفذ التنظيم 19 هجومًا في الدولة الواقعة جنوبي آسيا، جميعها تقريبًا اغتيالات موجهة استهدفت أقلياتٍ دينية وأجانب. تضمنت الهجمات تقطيع رجلٍ هندوسي وطعن داعية شيعي حتى الموت وقتل قروي مسلم اتُهم بالتحول إلى المسيحية وإرسال انتحاريين إلى مساجد شيعية.

لسنوات، واصل تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف أيضًا باسم داعش، حملة قتل جماعي في سوريا والعراق. وفي الهجمات التي نفذها التنظيم أو شجعها في البلدان الغربية -ومن بينها عمليات القتل المنسقة في باريس وبروكسل وإطلاق النار الجماعي داخل ملهى ليلي في مدينة أولارندو بولاية فلوريدا- كان المهاجمون يقتلون على نحوٍ عشوائي.

لكن نظرةً أقرب إلى الهجوم الذي أعلن التنظيم مسؤوليته عنه في بنجلاديش -وإلى حقيقة أنه لم يعلن مسؤوليته عن التفجيرات التي نُسبت إليه في تركيا، ومن بينها هجوم المطار الأسبوع الماضي- تشير إلى أن التنظيم يفصّل النهج الذي يتبعه لمناطق مختلفة ولجماهيرٍ مستهدفة مختلفة.

"كي تحافظ داعش على تأييدها بين أتباعها الحاليين والمحتملين، يجب عليها أخذ عوامل مختلفة في الاعتبار عندما تخطط لهجومٍ في بلدٍ إسلامي مقارنةً مع بلدٍ غير إسلامي"، تجادل ريتا كاتز، مديرة مجموعة سايت الاستخبارية، والتي تتبعت هجمات التنظيم في بنجلاديش. "تشجع داعش على القتل العشوائي في فرنسا وبلجيكا وأمريكا والبلدان الغربية الأخرى، لكن في بلدٍ مثل تركيا، يجب أن تضمن داعش أنها لا تقتل مسلمين – أو على الأقل تبدو وكأنها تحاول"، كتبت كاتز في تحليلٍ نُشر على الإنترنت مؤخرًا.

 يفصّل داعش النهج الذي يتبعه لمناطق مختلفة ولجماهيرٍ مستهدفة مختلفة

كانت مسألة قتل مدنيين سنة نقطة خلاف رئيسية مع تنظيم القاعدة عقب انفصال تنظيم الدولة الإسلامية عن الشبكة الإرهابية منذ عدة أعوام، وقد طفت على السطح مجددًا الأسبوع الماضي.

بعد الهجوم الانتحاري الثلاثي الذي استهدف مطار إسطنبول يوم الثلاثاء، استخدم مسؤولٌ بالقاعدة موقع تويتر لإصدار توبيخٍ لاذع على الهجوم الذي نُسب إلى داعش. "إن الشعب التركي مسلم، ودمه حرام. إن المجاهد الحقيقي ليضحي بحياته دفاعًا عنهم، لا أن يقتلهم"، كتب أبو سليمان المهاجر، والذي وُصف بأنه عضوٌ أسترالي بفرع تنظيم القاعدة في سوريا، حسب نسخةٍ وفرها موقع سايت.

اقرأ/ي أيضًا: المصالحة مع إسرائيل..تركيا تراجع موقفها الإقليمي

ويقول محللون إن صمت تنظيم الدولة الاسلامية غير المعهود فيما يتعلق بهجمات تركيا، رغم سرعته في تبني التفجيرات في أماكن أخرى، يعكس عملية الموازنة التي يجب على التنظيم القيام بها عند القيام بعملٍ إرهابي في دولٍ ذات أغلبيةٍ مسلمة.

صمت داعش غير المعهود فيما يتعلق بهجمات تركيا، يعكس عملية الموازنة التي يقوم بها التنظيم عند القيام بعملٍ إرهابي في دول ذات أغلبية مسلمة

كما أن تنظيم الدولة الإسلامية أظهر تحفظًا مماثلًا عند القيام بهجماتٍ في دولٍ إسلاميةٍ أخرى، حيث ركز على الأهداف الحكومية ومن يعتبرهم منحرفين دينيًا وفصائل الأعداء، بعيدًا عن قتل المدنيين بشكلٍ عشوائي.

على سبيل المثال، عندما أعلن التنظيم الشهر الماضي مسؤوليته عن أول تفجيرٍ له في الأردن، فقد حرص على تعريف الهدف على أنه قاعدةٌ عسكرية أمريكية-أردنية. في مايو، قام التنظيم بتفجيرٍ استهدف مسجدًا شيعيًا في السعودية ذات الأغلبية السنية، وفي يناير عندما ضرب العاصمة الإندونيسية جاكرتا، حرص التنظيم على تصوير الهجوم على أنه كان يستهدف السياح، وليس السكان المحليين، كتبت كاتز.

هذا النوع من الحرص والتحوط يميز أكثر تنظيم القاعدة، والذي دعا مقاتليه إلى تجنب العمليات التي من شأنها أن تسبب خسائر فادحة في صفوف المدنيين المسلمين.

رغم ذلك ففي الواقع يستمر تنظيم القاعدة، مثل داعش، في قتل أعدادٍ كبيرة من المسلمين في هجماته. لكن ذلك لم يمنع التنظيمين من الجدال بشأن ذلك.

يعود الخلاف إلى عام 2005 على الأقل، عندما أرسل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة آنذاك، أيمن الظواهري، رسالة احتجاج إلى زعيم فرع التنظيم بالعراق، موبخًا إياه على الهجمات المتكررة على المزارات الشيعية، والتي خشت قيادة القاعدة من أنها سوف تؤلب السكان ضدها.

كان متلقي الرسالة هو أبو مصعب الزرقاوي، والذي استمر في تنفيذ الهجمات على أي حال. بعد سنوات، سوف يعاود فرعه الجهادي، القاعدة في العراق، الظهور في صورة تنظيم الدولة الإسلامية.

في السنوات التي تلت الرسالة التي تلقاها الزرقاوي، ذهبت القاعدة إلى أبعد من ذلك. في إحدى كلماته، نصح الظواهري مقاتلي القاعدة في جميع أنحاء العالم بتجنب قتل الأقليات، ومن بينهم المسيحيين، وبتصميم عمليات تقلل الخسائر بين المسلمين إلى الحد الأدنى.

في العام 2013، عندما اقتحم موالون للقاعدة محطة غاز تديرها شركة BP في جنوب الجزائر، فصل المسلحون رهائنهم حسب الدين، حيث أطلقوا سراح مئات العمال المسلمين بينما احتفظوا وقتلوا العمال الغربيين، وهو ما تباهوا به في تقريرٍ عقب العملية أرسل إلى أحد كبار قادة القاعدة.

لم تكن هذه التكتيكات مثالية: لقي مسلمون مصرعهم في هجوم الجزائر، وفي هجماتٍ عديدة أخرى نفذتها القاعدة، من بينها عملية حصار مركزٍ تجاري في كينيا وقعت في نفس العام، حيث طلب المهاجمون من المتسوقين تلاوة نص قرآني في محاولةٍ لفصل المسلمين عن غير المسلمين.

اقرأ/ي أيضًا: ماهي تأثيرات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

"إنه اختلافٌ كبير في الأسلوب"، يقول توماس جوسيلين، وهو زميلٌ بارز بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات يدرس التنظيمات الجهادية. "ترغب القاعدة في أن يعتقد المسلمون أن إرهابها مبررٌ أخلاقيًا، بينما يجادل تنظيم الدولة الإسلامية بأن أنصاره فقط هم الذين لديهم شرعية أخلاقية".

في أحدث هجومٍ نُسب إلى تنظيم الدولة الإسلامية، والذي استهدف مطعم هولي آرتيزان في الحي الدبلوماسي ببنجلاديش، كان المهاجمون أكثر انتقائية بشأن أهدافهم مقارنةً بأسلوب التنظيم المعتاد.

المطعم هو ما يسميه المغتربون بمودة منطقة "الدولة الثلاثية" في دكا، في إشارةٍ إلى تقاطع ثلاثة أحياء حصرية -جولشان وباريدارا وباناني- مفضلة لدى الأجانب، قالت لوري آن والش، وهي مواطنة أمريكية تبلغ من العمر 45 عامًا وتقيم على بعد تجمعٍ سكني ونصف من مسرح هجوم يوم الجمعة. "إذا مررت بالمكان، كنت دائمًا سترى شخصًا تعرفه"، قالت والش، مضيفةً أنه أُنشئ لتوفير الأطعمة التي يفتقدها المغتربون، ومن بينها الكعك وجبن الكريمة على الطريقة الأمريكية.

يوم السبت، نشر تنظيم الدولة الإسلامية صورًا للمهاجمين، واصفًا إياهم بأنهم "انغمسوا وسط تجمعٍ لرعايا الدول الصليبية في بنجلاديش". بينما مازال من غير المعلوم توزيع الضحايا ومن غير الواضح كم عدد المسلمين الذين قُتلوا في الهجوم، إلا أن وصف التنظيم يشير إلى أنه متحمسٌ لتمرير المذبحة على أنها موجهة حصرًا ضد غير المسلمين.

قالت رواياتٌ لشهود إن بعض المهاجمين حاولوا تهدئة الرهائن، داعين البنغاليين إلى الخروج من مخابئهم وشارحين أنهم يستهدفون الأجانب فقط لقتلهم. بعد ساعات، أطلق المسلحون سراح مجموعة من النساء كن يرتدين الحجاب.

رغم أن داعش قد تكون تحاول إظهار ضبط النفس بهجماتها في بنجلاديش، إلا أن تكتيكاتها لا تزال أقل انتقائية من تلك الخاصة بالقاعدة، قال أمارناث أمارسنجام، وهو زميلٌ ببرنامج دراسة التطرف بجامعة جورج واشنطن.

ركز فرع القاعدة في شبه القارة الهندية على قتل هؤلاء الذين ادعى أنهم أهانوا الإسلام، ومن بينهم مدونون علمانيون.

من أجل بحثه، قام أمارسنجام بمقابلة رجل قال إنه كان عضوًا بفرع تنظيم القاعدة في المنطقة، والذي قارن بسخرية بين أسلوب التنظيم وأسلوب داعش. "تستهدف القاعدة الأفضل من بين الأفضل. لكن فتيان داعش يقتلون في غابة، في قرية، رجل هندوسي كبير السن ..إلخ، فقط ليزيدوا العدد الذي يقومون بإعلان مسؤوليتهم عنه"، حسبما ورد في إحدى الرسائل الخاصة من عضو تنظيم القاعدة التي شاركها أمارسنجام.

اقرأ/ي أيضًا:

الجوع..سلاح داعش للسيطرة على سكان الفلوجة

دبلوماسيون أمريكيون يطرحون رؤية أخرى للحرب السورية