06-ديسمبر-2015

أشخاص يشعلون الشموع على أرواح الضحايا بالقرب من مكان واقعة إطلاق النار في كاليفورنيا (Getty)

يشبه الشاب الأمريكي المسلم سعيد رضوان فاروق منفذ مجزرة كاليفورنيا أقرانه من الشبان الأمريكيين الآخرين الذين نفذوا مجازر مشابهة، مثل الشاب الأبيض المتشدد ضد السود ديلان رووف الذي اقتحم كنيسة ايمانويل في تشارلستون في منتصف العام الجاري، أو روبرت دير المسيحي المعادي للإجهاض الذي نفذ مجزرة كولورادو الأخيرة، وقبله المهووس باقتناء الأسلحة كريس ميرسر الذي قتل عشرة من زملائه في حرم جامعة روزبرغ في ولاية أريغون. ثمة خيط أمريكي رفيع يجمع بين هؤلاء الشبان المهووسين بالسلاح والإنترنت والعزلة والشهرة والذين يحلو للإعلام الأمريكي تسميتهم بالذئاب المنفردة.

يشبه الشاب الأمريكي المسلم سعيد رضوان فاروق منفذ مجزرة كاليفورنيا أقرانه من الشبان الأمريكيين الآخرين الذين نفذوا مجازر مشابهة

لا تختلف حياة هذا الشاب الأمريكي المسلم عن المسار الطبيعي لحياة أي شاب أمريكي ناجح في حياته. فقد كان خلال دراسته طالبًا مجتهدًا، وتخرج بشهادة جامعية في مجال الصحة خولته قبل خمس سنوات الحصول على وظيفة حكومية براتب جيد. كما يشهد له زملاؤه في العمل أخلاقه الدمثة وإن كان قليل الكلام ميالًا إلى العزلة. أما والداه وإخوانه فلم يخطر لهم يومًا أن ابنهم المتدين قد تقوده عزلته وجلساته الطويلة على جهاز الكمبيوتر وهواية الرماية التي اعتاد على ممارستها في حديقة المنزل، إلى هذا المصير المشؤوم. ربما وحدها زوجته، تاشفين مالك، التي تعرف عليها عبر أحد المواقع الإلكترونية، وسافر إلى السعودية من أجل الاقتران بها كانت تدرك ما يجول في رأسه.

لكن سعيد رضوان فاروق، ابن العائلة الأمريكية المسلمة والمولود في الولايات المتحدة قبل ثمانية وعشرين عامًا، يتمايز بالدرجة الأولى بأنه شاب مسلم، وهذا معناه في قاموس الكثير من الأمريكيين، الإرهاب الدولي وهجمات سبتمبر وداعش والقاعدة. أما الجرائم العنصرية التي يرتكبها الأمريكيون البيض والمسيحيون المتشددون فإنها، وفق القاموس إياه، تندرج تحت خانة الإرهاب المحلي ويصنفها القانون الأمريكي ضمن ما يسميه جرائم الكراهية.

طبعا لا يعني ذلك إغفال أن فاروق، الموظف الحكومي في دائرة الخدمات الاجتماعية في مدينة برناردينو قرب لوس أنجلوس، لم ينفذ جريمته منفردًا، كما اعتادت الذئاب الأمريكية، بل اصطحب معه زوجته إلى حفلة إطلاق النار على زملائه في العمل، فيما ترك ابنه الرضيع لدى والدته قبل تنفيذ جريمته.

بهذا المعنى تجاوز سعيد رضوان فاروق ظاهرة الذئاب الأمريكية المنفردة إلى ما هو أخطر بكثير، وهذا ما توقف عنده العقل الأمني الأمريكي المترقب للهجمات التي هدد تنظيم داعش بشنها على الولايات المتحدة. فرأى في تنسيق الهجوم والتخطيط المسبق له ومشاركة الزوجة بالعملية بصمات وأساليب المنظمات الإرهابية. خصوصًا وأن مقتلة كاليفورنيا، التي أودت بحياة أربعة عشر أمريكيًا، تأتي بعد أسابيع قليلة من غزوة داعش على باريس التي أودت بحياة مائة وثلاثين شخصًا ولا يخفى على عاقل قدر الشبه بين الغزوتين. فصار الأمريكي المسلم سعيد رضوان فاروق أقرب إلى الفرنسيين المسلمين السبعة الذين نفذوا هجمات باريس. أما زوجته تاشفين فهي نسخة معدلة عن انتحارية باريس حسناء بولحسن قريبة العقل المدبر لهجمات العاصمة الفرنسية عبد الحميد أباعود.

وهو بالفعل، ما ثبت صحته سريعًا، حين أعلن المتحدث باسم "الإف بي آي" أن تاشفين مالك كانت قد أعلنت بيعتها لزعيم تنظيم الدولة الإسلامية، أبو بكر البغدادي. قبل أن يعلن التنظيم نفسه، من خلال بيان صوتي، نسبة العملية إلى نفسه. 


أمريكا تشتبه بنفسها

أظهر تقرير إحصائي أعدته جامعة جورج واشنطن أن عدد الإرهابيين أو المشتبه بعلاقتهم بمنظمات إرهابية الذين اعتقلتهم الأجهزة الأمنية في الولايات المتحدة الأمريكية، خلال عام 2015، بلغ رقمًا قياسيًا هو الأكبر منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

ورصد التقرير أكثر من ثلاثمائة شاب أمريكي يؤيدون تنظيم داعش وينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في نشر دعايته وحملته لتجنيد أنصار جدد. هذا بالإضافة إلى تسعمائة شاب أمريكي وضعهم مكتب التحقيقات الفيدرالي تحت المراقبة الإلكترونية. وبعد هجمات باريس الإرهابية شدد "الاف بي آي" إجراءاته الرقابية على مائة شاب يعتبر أنهم يشكلون خطرًا إرهابيًا على الولايات المتحدة ويتخوف من مبادرتهم إلى تنفيذ هجمات على الأراضي الأمريكية على غرار الهجمات التي شهدتها العاصمة الفرنسية وأسفرت عن مقتل مائة وثلاثين شخصًا.

اقرأ/ي أيضًا: 

استراتيجية داعش للتجنيد..الشباب أولًا

أوباما..السير على خط رفيع بين أنقرة وموسكو