هارفارد في مواجهة إدارة ترامب: معركة الطلاب الأجانب وحرية التعبير

صعّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب من هجماته على الجامعات الأميركية الكبرى، مستهدفًا مرة أخرى جامعة هارفارد، حيث طالب بالحصول على قوائم أسماء الطلاب المسجّلين فيها، معربًا عن قلقه من العدد الكبير للطلاب الأجانب الذين يدرسون في أقدم مؤسسة للتعليم العالي في الولايات المتحدة التي يقع مقرها في كامبريدج بولاية ماساتشوستس.

وقال ترامب في تصريحات للصحفيين من البيت الأبيض يوم الأربعاء: "على هارفارد أن تُطلعنا على قوائم طلابها. لديهم طلاب أجانب. حوالي 31 % من طلابهم يأتون من الخارج، نريد أن نعرف من أين يأتي هؤلاء. هل هم مثيرو للمشاكل؟"

وفيما تقول إدارة هارفارد إن نسبة الطلاب الأجانب لا تتجاوز الربع، شكك ترامب في هذه المعطيات، ملمحًا إلى أن بعضهم قد يحمل توجهات متطرفة. وأضاف: "إذا جاء أحدهم من بلد معين وكان جيدًا بنسبة 100%، وآمل أن يكون معظمهم كذلك، لكن كثيرين لن يكونوا كذلك. سوف نرى أشخاصًا متطرفين جدًا". وتابع: "هارفارد تستقطب أشخاصًا من مناطق في العالم تُعدّ بيئة متطرفة للغاية، ولا نريدهم أن يتسببوا بمشاكل في بلدنا".

قال ترامب في تصريحات للصحفيين من البيت الأبيض يوم الأربعاء: "على هارفارد أن تُطلعنا على قوائم طلابها. لديهم طلاب أجانب

تجميد تمويلات ومعركة قضائية

بحسب مجلة "نيويورك مغازين"، فإن إدارة ترامب تدرس إلغاء جميع العقود الفيدرالية المتبقية مع جامعة هارفارد، والتي تقدَّر قيمتها بنحو 100 مليون دولار. ويأتي هذا التصعيد بعد أشهر من النزاع القانوني بين الطرفين، إذ رفضت الجامعة الامتثال لمطالب الإدارة بالكشف عن أسماء ووضعية طلابها الأجانب.

وقد تفاقم هذا النزاع على خلفية الحملة التي أطلقتها وزارتا الخارجية والأمن الداخلي لملاحقة الطلاب الأجانب الذين عبّروا عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية، لا سيما بعد موجة الاحتجاجات الطلابية الداعمة لغزة التي اجتاحت الجامعات الأميركية في ربيع عام 2024.

في نيسان/أبريل الماضي، فرضت الحكومة الفيدرالية تجميدًا على تمويلات مقدّمة لهارفارد بقيمة 2.3 مليار دولار، أي ما يعادل 35.9% من نفقات تشغيل الجامعة البالغة 6.4 مليار دولار. وردّت الجامعة برفع دعوى قضائية ضد الإدارة الأميركية.

وفي تطور لاحق، أعلنت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية عن إنهاء منح فيدرالية بقيمة 60 مليون دولار كانت مخصصة لهارفارد، وذلك بزعم فشل الجامعة في التصدي لـ"معاداة السامية والتمييز العرقي" داخل الحرم الجامعي.

ترامب: نحتاج إلى خفض عدد الأجانب

من جانبه، كرر ترامب اليوم الخميس دعوته إلى خفض نسبة الطلاب الأجانب في الجامعات الأميركية، قائلًا: "أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك سقف لا يتجاوز 15%، وليس 31%. لدينا أميركيون يريدون الدراسة في هارفارد وغيرها من الجامعات، لكنه لا يتم قبولهم بسبب وجود طلاب أجانب هناك".

وأضاف: "أريد أن أتأكد من أن الطلاب الأجانب يحبون بلدنا. لا نريد أن نرى مراكز التسوق وهي تنفجر"، في تلميح واضح إلى مخاوف أمنية مزعومة.

وكانت جامعة هارفارد قد رفعت دعوى قضائية في محكمة فيدرالية ببوسطن الأسبوع الماضي ضد الحكومة الفدرالية، بعد أن سُحب منها الاعتماد لتسجيل طلاب أجانب جدد. وفي غضون ساعات، حكم قاضٍ فيدرالي لصالح الجامعة، ما مثّل انتصارًا مؤقتًا للجامعة في صراعها ضد إدارة ترامب.

لكن الرئيس الأميركي لم يتراجع، وقال: "على هارفارد أن تحسن سلوكها. إنها تعامل بلدنا باحتقار كبير، وكل ما تفعله هو الغوص أكثر فأكثر في المشكلات". وأضاف: "أريد لهارفارد أن تعود عظيمة من جديد... لذا علينا أن نراجع القوائم، وعلى هارفارد أن تدرك أننا لا نريد إيذاءها، بل هم من يؤذون أنفسهم".

قيود جديدة على التأشيرات ومراجعة للمنصات

في موازاة ذلك، أعلن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، يوم الأربعاء، عن فرض قيود جديدة على منح تأشيرات الدخول للطلاب والزوار الأجانب. وأوضح في بيان أن هذه الإجراءات تستهدف "رعايا أجانب مسؤولين عن فرض الرقابة على حرية التعبير المحمي بموجب القانون الأميركي داخل الولايات المتحدة".

وقال روبيو: "حتى ونحن نتصدى للرقابة داخليًا، نشهد تدخلات مزعجة من حكومات ومسؤولين أجانب". وأوضح أن بعض هؤلاء المسؤولين مارسوا "رقابة فاضحة" ضد شركات تكنولوجيا أميركية ومواطنين ومقيمين أميركيين، رغم عدم امتلاكهم أي سلطة قانونية للقيام بذلك.

ويبدو أن هذه الإجراءات تتصل بالنزاع الدائر بين القاضي البرازيلي ألكسندر دي مورايش، وبين إيلون ماسك، المدير التنفيذي لمنصة "إكس" والمقرّب من ترامب. وقد طالب القاضي البرازيلي بإغلاق حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تنشر معلومات مضللة دعمًا للرئيس البرازيلي السابق اليميني المتطرف جايير بولسونارو، مهددًا بحجب المواقع مثل "إكس" و"رومبل" كليًا في حال عدم الامتثال.

وعلق روبيو: "من غير المقبول أن يصدر مسؤولون أجانب أوامر اعتقال بحق مواطنين أو مقيمين أميركيين بسبب منشورات على منصات أميركية وهم داخل الأراضي الأميركية". وأضاف: "لن نتسامح مع أي انتهاك للسيادة الأميركية من قبل جهات أجنبية".

تعليق مؤقت لتأشيرات الطلاب الأجانب

وفي خطوة موازية، أمرت إدارة ترامب يوم الثلاثاء بتعليق مؤقت لمواعيد التأشيرات الخاصة بالطلاب الأجانب وبرامج التبادل الثقافي في جميع بعثاتها الدبلوماسية حول العالم.

ووفقًا لمذكرة داخلية اطّلعت عليها وكالة "رويترز" ووسائل إعلام أخرى، يأتي هذا التعليق تزامنًا مع استعداد وزارة الخارجية لتعزيز ما وصفته بـ"الفحص المتعلق بمنصات التواصل الاجتماعي" للطلبة الأجانب.

وأشار روبيو في المذكرة إلى أن الوزارة تجري مراجعة شاملة لآليات التحقق والفحص الحالية لمقدمي طلبات التأشيرات الطلابية من الفئات F وM وJ، وأنه بناءً على نتائج هذه المراجعة، سيتم إصدار تعليمات موسعة بشأن التحقق من الحسابات الإلكترونية للمتقدمين. وطُلب من الأقسام القنصلية تعليق المواعيد الجديدة، على أن تُنفّذ فقط المواعيد المحددة مسبقًا.

الجامعات الأميركية في قلب مواجهة سياسية

تعكس هذه الإجراءات تصعيدًا سياسيًا ممنهجًا من جانب إدارة ترامب، التي تسعى إلى فرض رقابة صارمة على الفضاء الجامعي، وخصوصًا تجاه الأصوات المناهضة لسياساتها الخارجية، وعلى رأسها المواقف المتعاطفة مع القضية الفلسطينية. وتتحوّل الجامعات، ومن بينها هارفارد، إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين مشروع سلطوي يعيد تعريف الولاء الوطني وفق معايير أيديولوجية، وبين مؤسسات أكاديمية تتمسك بدورها كمواقع للتعددية الفكرية وحرية التعبير.