08-نوفمبر-2016

صورة نشرها العبدالله تجمعه بصديقه المصور خالد العيسى (من صفحة هادي الرسمية على فيسبوك)

من الأصح القول إن هادي العبدالله منح منظمة "مراسلون بلا حدود" جائزة وليست المنظمة من منحته. تقدير شاب خاض الموت مرارًا أمام الجبهات، لينقذ صوت المدنيين في سوريا، لا يعدّ إلا تقديرًا متأخرًا لجهود ناشطين لولاهم لكان نظام الأسد، يلقى دعمًا أكبر ولا شواهد على إدانة نظامه بالإجرام والقتل والتنكيل بمواطنين سوريين، كل ما فعلوه أنهم هتفوا للحرية.

تمنح جائزة "مراسلون بلا حدود" للناشط هادي العبدالله لعمله في النقل الميداني لأحداث سوريا

ويتزامن فوز العبدالله، بالجائزة لحرية الصحافة للعام الحالي، مع خيارات روسية-أمريكية، في إمكان إبقاء الحل السياسي على وضعه، واحتمال تطور "المجزرة" اليومية في سوريا. لكن هذا، لا يغير من توجه هادي ولا رفاقه، الذين يستمرون في نقل الخبر من جبهات، يموت عليها من امتهنوا رسالة تحت القصف والبراميل المتفجرة، من دون أن يتعلموا كيفية كتابة الخبر أو النقل المباشر وكيفية إعداد المراسل. كانت تجربتهم حيّة ويومية، خارجة من الحاجة إلى نقل صورة سوريا إلى العالم. فكانوا درسًا للمراسلين الحربيين، في نقل مجريات الحرب بإنسانية المواطن، لا بعين المراسل الذي يعمل وفق أجندة مسبقة.

اقرأ/ي أيضًا: الإخبارية السورية.. حنين إلى البراميل؟

الأرجح أن تجربة الناشط هادي العبدالله المستمرة منذ بداية الثورة السورية، ستكون مادة أساسية في دراسة نمط النشاط الإعلامي الناقل للأحداث المشتعلة من الميدان السوري. وبهذه الحيوية التي مارسها، الشاب الآتي من بيئة مقهورة في القصير (ريف حمص)، تبدو الجائزة ضيقة القياس وفقًا لعمله وإصابته وموت صديقه المصور خالد العيسى، الذي رافقه على مدى 3 سنوات.

تجربة هادي العبدالله ستكون مادة أساسية في دراسة نمط النشاط الإعلامي الناقل للأحداث المشتعلة سوريًا

الشاب البالغ من العمر 29 عامًا، درسَ التمريض وعمل معيدّا في الجامعة لبضعة أشهر، قبل أن يبدأ نشاطه مستخدمًا معرفته التمريضية في المستشفيات الميدانية لكنه سرعان ما انتقل إلى العمل الإعلامي، الذي نشط فيه عدد كبير من الشباب المعارض. كانوا يوثقون التظاهرات والأحداث بهواتفهم ويقومون بتنزيلها على صفحات خاصة بمواقع التواصل، وتحولوا مصدر المعلومة لكثير من المحطات التلفزيونية.

كان العبدالله من أبرز الأشخاص الذين نقلوا المشهد الحلبي الدموي الأخير، وهو قد دأب على التنقل بين المناطق السورية الساخنة ونقل صورة المعارك من خطوط التماس، ونجا من الاستهداف في أكثر من لقطة موثقة. ويحظى هادي بشهرة بين جمهور المعارضة ويتمتع بقبول لدى أغلب الفصائل المقاتلة، باستثناء تنظيم "داعش"، الذي يخبرنا هادي أنه يرسل التهديدات له بوصفه "كافرًا".

وقالت المنظمة في بيانها إن العبد الله، وهو صحفي مستقل، "لا يتوانى عن المجازفة في مناطق خطيرة لا يتوجه إليها أي صحفي أجنبي، من أجل تصوير وسؤال الفرقاء في المجتمع المدني". وأضافت أن الشاب السوري "واجه الموت مرارًا"، لافتة إلى أن زميلًا مصورًا له قُتل بانفجار قنبلة محلية الصنع في شقة كان يتقاسمها مع العبد الله الذي أصيب يومها بجروح بالغة.

وتعليقًا على فوزه بالجائرة، قال العبدالله على حسابه في موقع "فيسبوك" إنه يهدي جائزته إلى "خالد العيسى وطراد الزهوري وباسل شحادة ووسيم (العدل) وشامل (الأحمد)، إلى دماء الشهداء وكل من يمضي حاملاً عدسته يقاتل بها ويقاوم"، وأضاف: "إلى كل صامد في سجون الأسد. إلى كل من يعمل ليضيء لنا ليلنا الحالك، إلى المذبوحين بسكاكين الظلام الأسود المحتل"، وإلى أمه وأبيه وعائلته.

هادي العبدالله أهدى جائزته إلى خالد العيسى وطراد الزهوري وباسل شحادة وإلى دماء الشهداء في سوريا

وأكد العبد الله أن "لا فرحة حقيقية ولا صحافة والعيون عمياء لا تبصر ألمنا"، معتبرًا أن الفوز الحقيقي يكون بـ"انتصار ثورتنا العظيمة، وليست الجائزة إلا ثباتنا على هذا الدرب وقرارنا بالبقاء".

وفاز العبد الله بالجائزة الخامسة والعشرين لـ"مراسلون بلا حدود" و"تي في 5 موند" لحرية الصحافة، والتي سلمت أمس في مدينة ستراسبورغ. وفي فئات أخرى، فاز موقع "64 تيانوانغ" الإخباري الصيني والصحفيان لو يويو ولي تنغيو المسجونان في الصين. ولم يتمكن أي من الفائزين من الحضور إلى ستراسبورغ لتسلم جائزته، حيث سيجرى الحفل على هامش "المنتدى العالمي للديمقراطية"، الذي ينظمه مجلس أوروبا، لكن هادي العبد الله سيلقي كلمة في شريط فيديو مسجل.

وقال الأمين العام للمنظمة كريستوف دولوار: "نحن سعداء جدًا بمنح الجائزة لوسائل إعلام وصحفيين عرفوا باحترافهم وشجاعتهم، في بلدان تمارس فيها الصحافة غالبًا في ظل خطر الموت". وفي العام 2015، كانت الجائزة من نصيب الصحفية السورية زينة ارحيم، التي كانت تعمل من مدينة حلب. وتدرج المنظمة الصين وسوريا على التوالي في المرتبتين 176 و177 ضمن تصنيفها العالمي لحرية الصحافة الذي يضم 180 بلدًا.

اقرأ/ي أيضًا:

الثورة السورية في البازار الروسي الأمريكي

هاشتاغ حلب تحترق.. يتصدر الصفحات الزرقاء