13-ديسمبر-2024
سقوط الأسد

(Getty) إعادة موازين القوى في الشرق الأوسط

لا يعني نجاح الثورة السورية مجرد إنهاء حكم بشار الأسد، ومن خلفه حزب البعث الذي استمر ستة عقود، بل تشمل تداعيات ذلك النجاح منطقة الشرق الأوسط بأكملها. وفي هذا الصدد، ترى صحيفة نيويورك تايمز أن سقوط نظام الأسد في سوريا من شأنه إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، حتى في ظل ما يكتنف الوضع الحالي داخليًا من غموض. وتشير الصحيفة إلى مدى قدرة المعارضة السورية على الإمساك بزمام الأمور وتجنب السيناريو الليبي أو الأفغاني.

من المعلوم أن أطرافًا دولية عديدة شاركت في الحرب السورية بشكل فاعل عبر إرسال قواتها، وقد قامت هذه الأطراف، بمجرد سقوط نظام بشار الأسد، بإعادة ترتيب أولوياتها بين عشية وضحاها.

وعلى رأس تلك القوى تأتي إيران، حسب نائبة رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد الولايات المتحدة للسلام، منى يعقوبان. فطهران "لم تدخر مالًا ولا عتادًا لدعم الأسد، وأنفقت منذ عام 2011، حين بدأت الثورة، مليارات الدولارات وأرسلت عشرات الآلاف من المقاتلين الموالين لها لدعم الجيش السوري"، وفقًا لمقال في  صحيفة "نيويورك تايمز".

سقوط نظام الأسد من شأنه أن يعيد تشكيل موازين القوى في المنطقة

وعلى هذا الأساس، فإن سقوط بشار الأسد ونظامه يعد بمثابة "ضربة قاسية لطهران، إذ إنها فقدت حليفًا عربيًا أساسيًا وجسرًا بريًا حيويًا لحزب الله في لبنان".

زد على ذلك أن حكام سوريا الجدد لا يُبدون أي تعاطف تجاه إيران، بل يُحملونها كما النظام مسؤولية إراقة الدم السوري طيلة سنوات الثورة. وبالتالي، من المستبعد أن تعود العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وطهران إلى مجاريها.

في المقابل، تتأهب تركيا، حسب نيويورك تايمز، لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. وترى الصحيفة أنه "رغم تعقيد علاقاتها مع هيئة تحرير الشام في سوريا، إلا أنها تحافظ على خطوط تواصل سرية معها".

وبالمثل، تتطلع دول الخليج إلى لعب أدوار حيوية في سوريا. فهي الأخرى ترى في سقوط بشار الأسد ونظامه، حسب نيويورك تايمز، "فرصة لاستعادة النفوذ السني في قلب الشرق الأوسط". وأشارت الصحيفة إلى أنه "يمكن لهذه الدول تمويل إعادة إعمار سوريا والمساعدة في توجيه مسارها المستقبلي".

وتعليقًا على هذه النقطة، يحذر متابعون من استغلال حاجة سوريا الملحة للدعم في تكريس التبعية للخارج أيًا كان. فبإمكان سوريا بناء علاقات تعتمد على التبادل المتوازن مع جميع الدول بدل أن تكون مرهونةً لطرف معين.

وعلى الصعيد الإقليمي، ترجح نيويورك تايمز أن تستغل تل أبيب "التحولات في سوريا لتعزيز تحالفاتها مع دول الخليج التي ترى في إيران تهديدًا مشتركًا". كما ستراقب عن كثب كيفية تشكيل موازين القوى الجديدة في سوريا لضمان ألا تحكم البلاد قوة معادية لها.

وأشارت الصحيفة إلى أن دولة الاحتلال الإسرائيلي "اتخذت بالفعل تدابير" لتعزيز ما تسميه "الأمن الإسرائيلي". إذ تجاوز جيش الاحتلال الإسرائيلي "منطقة الجولان المحتلة العازلة وتوغل في أراضٍ سورية، وواصل شن ضربات تستهدف المنشآت العسكرية في سوريا، بما في ذلك مخازن أسلحة استراتيجية ومراكز بحوث".

دوليًا، ترى صحيفة نيويورك تايمز أن انهيار نظام الأسد يمثل انتكاسة لروسيا، التي لطالما اعتبرت سوريا نجاحًا إستراتيجيًا لها ومركزًا لنفوذها في الشرق الأوسط. وسيؤثر ذلك على قدرتها في الاحتفاظ بقواعدها البحرية والجوية في سوريا، مما سيترك فراغًا إستراتيجيًا قد تستغله قوى أخرى، حسب نيويورك تايمز، التي أشارت إلى فاعلين إقليميين، على رأسهم تركيا ودول الخليج، فضلًا عن اللاعب الأميركي الذي يخطط للعودة بقوة إلى الشرق الأوسط، لا سيما إذا كان من بين أهدافه توجيه ضربة عسكرية إلى إيران.

فالولايات المتحدة تعتقد أن ما حدث في سوريا هو انتصار على خصومها الإيرانيين والروس. لكن في المقابل، تلفت وسائل الإعلام الأميركية الانتباه إلى التحديات التي قد تواجه الإدارة الأميركية، وأبرزها "كيفية التعامل مع القوى الجديدة في سوريا، فضلًا عن التخوف من عودة تنظيم الدولة الإسلامية".

وكخلاصة، يمكن القول إن نظامًا إقليميًا جديدًا ينشأ في المنطقة. وإن لم تتضح معالمه بعد بالشكل الكافي، إلا أنه من غير السابق لأوانه تأكيد أن ما بعد نجاح الثورة السورية في خلع بشار الأسد سيكون مختلفًا عما قبله، سواء على الصعيد السوري أو الإقليمي.