26-مايو-2023
نيل غايمان

صورة مولدة عبر نموذج الذكاء الاصطناعي (MidJourney)

نيل جايمان روائي إنجليزي له روايات عديدة منها: "آلهة أمريكية" و"كتاب المقبرة".


عرفتُ رجلًا عجوزًا خبزَت شمس الصَّحراء جلده حتى اسودَّ، وقد قال لي إنه، وهو بعدُ شابٌّ، ضلَّ بسبب عاصفةٍ عن قافلته وتوابلها، فمشى فوق الصُّخور وفوق الرِّمال أيامًا ولياليَ، لا يرى شيئًا إلَّا سحاليَ صغيرةً وجرذانًا بلون الرَّمل.

على أنه بلغَ في اليوم الثَّالث مدينةً من خيامٍ حريريَّة زاهية الألوان. قادَته امرأةٌ إلى داخل الخيمة الأكبر القرمزي حريرها، وأمامه وضعَت طبقًا، وأعطَته شرباتًا مثَّلجًا ليشربه، ووسائد ليتَّكئ عليها، ثم بشفتيْن قرمزيَّتيْن قبَّلت جبهته.

تموَّجت أمامه راقصات بوجوهٍ محجوبة وبطونٍ كالكُثبان وعيونٍ كبِرك المياه الدَّاكنة في الواحات، أرجوانيٌّ حريرهن، وخواتمهن من ذهب. شاهدَ الرَّاقصات فيما جلبَ له الخدم طعامًا، كلَّ أصناف الطَّعام، ونبيذًا أبيض كالحرير، ونبيذًا أحمر كالخطايا.

ثم، وقد بلغَ جنون النبيذ المحبَّب في بطنه ورأسه مبلغه، قفزَ واقفًا بين الرَّاقصات وأخذَ يَرقُص معهن ويُدبدِب على الرِّمال بقدميْه، يتوثَّب ويدقُّ، وأخذَ أجملهن بين ذراعيْه وقبَّلها، لكن شفتيْه لم تمسَّا إلَّا جمجمةً جافَّةً نخربَتها الصَّحراء.

وكلُّ راقصةٍ ترتدي الأرجواني استحالَت إلى عظام، لكنهن ظللن يتلوَّين ويتبخترن في رقصتهن. ثم شعرَ بمدينة الخيام وقد صارَت رمالًا جافَّة تهسُّ إذ تتسرَّب من بين أصابعه، وارتجفَ ودفنَ رأسه في برنوسه، وانتحبَ إذ تلاشى صوت الطُّبول.

كان وحيدًا، قال، عندما أفاقَ، واختفَت الخيام والعفاريت، والسَّماء زرقاء، والشَّمس لا ترحم. حدثَ هذا منذ عُمرٍ كامل.

عاشَ الرجل ليحكي حكايته. ضحكَ بلثةٍ خالية من الأسنان وهو يقول لنا إنه رأى مدينة الخيام الحريريَّة مرارًا منذ ذلك الحين، تتراقَص في الغيم.

سألتُه أهي سراب، فقال نعم. قلتُ إنَّ ما عاشَه حُلم، فوافقَني، لكنه حُلم الصحراء لا حُلمه هو، ثم قال لي إنه -بعد عامٍ أو نحوه- عندما يَبلُغ من الكِبر أعوامًا أكثر من أيِّ بشريٍّ آخَر، سوف يمشي في قلب الرِّياح إلى أن يرى الخيام، وهذه المرَّة، قال، سوف يرحل معها.