15-يوليو-2016

غرافيتي لـ نيرودا في سانتياغو

في الثاني عشر من الشهر الجاري ولد الشاعر التشيلي العظيم بابلو نيرودا الذي حاز على جائزة نوبل للآداب عام 1971. ومعروفٌ أنّ نيرودا اسم مستعار لريكاردو باسولاتو، وصار فيما بعد اسمه الرسميّ الذي اختاره هذا الرجل الذي عُرف بالشاعر منذ أن كان صبيًا في العاشرة من العمر، واعتاد أن يكتب قصائده دومًا بالحبر الأخضر الذي اتخذه رمزًا شخصيًا للرغبة والأمل. 

اعتاد نيرودا أن يكتب قصائده دومًا بالحبر الأخضر الذي اتخذه رمزًا شخصيًا للرغبة والأمل

ثمّة قصيدة جميلة من قصائد نيرودا التي لم تنشر إلا مطلع هذا العام بعد اكتشافها بين أوراق قديمة له، ولهذه القصيدة قصّة طريفة سأسردها هنا باختصار، وسأتبعها بالترجمة العربيّة للقصيدة.

اقرأ/ي أيضًا: مانفستو الديك النوبي.. قراءة لعنة التاريخ

كانت روا لين تعيش عام 1968 في بوينس آيرس مع صديقها باتريك مورغان، وهو رجل أعمال أرجنتيني من أصل إنجليزي يعشق الشعر ويكتبه، علمًا أنّ الاثنين لم يكونا يتقنان الشعر أو يحترفانه وإنّما كانا يمتلكان عشقًا له يفوق عشقهما لأي أمر سواه. كانت سعادتهما في الإجازة تتمثّل في الجلوس في مكان هادئ لقراءة ما كتبا من أشعار خلال الأسبوع. وقد حاول الصديقان أكثر من مرّة نشر ما يكتبان من أشعار في مجموعة شعريّة مشتركة، إلا أنّهما كانا يلقيان الرفض من الناشرين في كل مرّة. 

في يوم من الأيام، اقترح باتريك على لين أن يرتحل أحدهما لزيارة نيرودا في بيته في تشيلي، فهي لا تبعد سوى ساعتين بالطائرة، لعلّه يوافق على كتابة مقدّمة لكتابهما يساعدهما في نشره. لقد كانا كلاهما حسب ما يروي لين واثقين بأنّ قصائدهما ستنال إعجابه وتحصل على مباركته. وبالفعل، توجّهت لين في ذلك العام بالطائرة إلى سانتياغو عاصمة تشيلي، ثم ركبت حافلة من هناك لتصل إلى منزل نيرودا في منطقة إيسلا نيغرا على المحيط الهادي. 

طرقت لين البابَ فاستقبلتها ماتيلدا زوجة نيرودا الثالثة، فعرّفت عن نفسها بإسبانية بسيطة وأخبرتها بأنّها شاعرة أمريكية معجبة بنيرودا وأعماله. ولكنّ الشاعر لم يكن في البيت، لأنّه كان قد ذهب إلى أحد مقالع الحجر القريبة من هناك، وكانت هذه هي عادته الصباحيّة، إذ كان يحبّ نيرودا الذهاب هناك ومشاهدة العمّال وهم يستخرجون الحجارة. ولكنّ ماتيلدا دعتها للعودة ظهرًا لعلّها تتناول الغداء مع نيرودا. 

وبالفعل عادت لين في تمام الواحدة كما تذكر في حكايتها وتناولت الطعام مع نيرودا، وكان يحبّ السمك، وكان يُتبع طبق السمك الرئيسي بتناول بعض السردينات الصغيرة كأنّها شيء من المخللات، وقد كانت هذه عادة معروفة أخرى من عادات نيرودا. 

ظهرت قصيدة نيرودا بعد 28 سنة من اختفائها، وطُبعت في مجموعة بعنوان "قصائد نيرودا الضائعة"

وبعد الغداء والأحاديث المتفرقة عن السياسة والأدب أفصحت لين عن سبب زيارتها وأخبرت نيرودا بأنّها تطمح في أن ينظر في بعض قصائدها وقصائد صديقها باتريك. ولم تصدّق لين نفسها حين وافق نيرودا على التماسها، وأخبرها أنّه سيقرأها بعد قيلولته التي لا يستطيع أن يفوّتها، فإن أعجبته فسيكتب شيئًا لهما كمقدّمة لكتابهما المنشود. 

اقرأ/ي أيضًا: عارف حجّاوي: أخاف من الخائفين على اللغة العربية

في الساعة الرابعة تقريبًا نادى نيرودا على الخادمة تيريسا، وأخبرها بأن تعطي لين قصيدة كتبها عن الشاعرين. لقد أعجبته قصائدهما ويبدو أنّ النجاح المبهر سيكون حليفهما عند نشر الكتاب. 

ولكنّ السبل تفرّقت بعد ذلك بين باتريك ولين، ولم ينشر الكتاب ولا القصيدة. فقد رحلت لين بعد أشهر قليلة وغادرت الأرجنتين ولم تعد إليها إلا بعد اثنين وعشرين عامًا، حيث التقت لين وزوجها ببتاريك وزوجته، واعتقد الاثنان أنّ قصيدة نيرودا التي كتبها عنهما قد ضاعت بعد كلّ هذه السنوات. 

في 2003 توفّي باتريك، وفي 2014 وأثناء ارتحال لين إلى منزل جديد عثرت على تلك القصيدة الغائبة التي كتبها نيرودا، وفي العام ذاته وُجِدت النسخة التي كتبها نيرودا وتركها بين أوراقه في بيته في سانتياغو. وهذه هي القصيدة التي ظهرت بعد 28 سنة من اختفائها والتي طُبعت مؤخرًا في مجموعة شعرية بعنوان "قصائد نيرودا الضائعة" عام 2016. 

روا لين وباتريك مورغان
كانا راسيين في هذي المياه 
محتارَين عند هذا النهر 
واثقَين، متورّدين، حزينين 
يذهبان بعيدًا نحو البحر أو الجحيم 
بحبّ متوهّج  
يغمرهما بالضياء 
أو يقتلعهما من بين الطحالب: 
ولكن المياه تشتدّ في تسارعها 
نحو الظلمات، وتعجّ بالأصوات، 
تراتيل قبلاتٍ ورماد، 
وشوارع أدماها الجنود، 
ولقاءات غير مقبولة للمّ الشمل
ما بين الحزن والعويل: 
ما أكثر ما حملته هذه المياه! 
خطوُنا ومكانُنا، 
واهتياج الفافيلات 
والأقنعة الغوليّة 
انظر وحسب إلى ما تحمله هذه المياه 
في هذا النهر ذي الأذرع الأربعة!

اقرأ/ي أيضًا:

وصفة سحرية للكتابة!!

أشهر 6 كتب في التراث الجنسي عند العرب