نور الشريف ولبنان.. قصة عشق لا تنتهي
11 أغسطس 2025
لم تكن علاقة نور الشريف بلبنان مجرد محطة عابرة في مسيرته، بل كانت خيطًا متينًا في نسيج تجربته الفنية والإنسانية. فقد جسّد على أرضه أدوارًا بارزة، ووقف مكرَّمًا على منصات مهرجاناته الكبرى، منها الموريكس دور عام 2001 عن فيلمه الشهير مع بوسي "حبيبي دائمًا"، ثم عام 2010 حين اختير ضمن أبرز الشخصيات في العالم العربي. وخارج أضواء الكاميرات، نسج الشريف علاقات متينة مع أسماء لبنانية كبيرة، من بينها الأديبة والمؤرخة مي المر، التي وصفها بأنها "امرأة عظيمة"، واتفقا على مشروع فني مشترك، لكن الظروف حالت دون أن يرى النور.
من بيروت إلى القاهرة، ومن دمشق إلى تونس، ترك الشريف بصماته في قلوب الجمهور وعالم السينما، متجاوزًا حدود الأداء إلى عوالم من النضال الشخصي والتحديات الداخلية. في بيروت، التي أحبها وعشقها حتى قال إنه لا يرفض أي عمل فيها، كان المسرح والسينما مسرحًا لحكايات النجاح والألم، حيث التقى بأسماء وأماكن صنعت جزءًا من ذاكرته الفنية والإنسانية. هذا المقال يستعرض حياة نور الشريف من منظور خاص، عبر شهادات الناقد الفني اللبناني إبراهيم العريس، حيث شارك تفاصيل غير مسبوقة من حياة الفنان.
كان لا يرفض عملًا في لبنان
بشكل عام، كان يحب لبنان، بل يمكن القول: إنه كان مغرمًا ببيروت كثيرًا لدرجة أنه كان لا يرفض أي مشروع فني في لبنان دون حتى أن يقرأ السيناريو، وكانت بيروت أيضًا مكانًا للنقاهة لنور الشريف. يحكي العريس أنه تعرّف إليه في بداياته قبل أن يصعد إلى أعلى سلم الشهرة: "عرّفني إليه المخرج فاروق عجرمة".
في بيروت، التي أحبها وعشقها حتى قال إنه لا يرفض أي عمل فيها، كان المسرح والسينما مسرحًا لحكايات النجاح والألم، حيث التقى بأسماء وأماكن صنعت جزءًا من ذاكرته الفنية والإنسانية.
وكان يلتقي العريس به في إحدى المقاهي الثقافية في بيروت التي تُدعى الدولتشي فيتا، وتحديدًا في منطقة الروشة البحرية، وقام العريس بتعريفه على منى الصلح وغسان شرارة وجوزيف سماحة ونهاد المشنوق وعدد من المثقفين اللبنانيين. وكذلك، "كنا نلتقي في فرنسا والقاهرة لأنني غادرت لبنان إلى باريس منذ العام 1984، وقد شاركنا في فرنسا في ندوة مشتركة عن المخرج عاطف الطيب، وكان معنا أيضًا الممثلة المصرية لبلبة".
يحكي إبراهيم العريس عن دور تمثيلي عُرض على نور الشريف في فيلم، فسافر إلى لبنان وبعد تصوير عدة مشاهد لم يعجبه العمل فعاد أدراجه إلى مصر، فما كان من المخرج إلا أن عدل القصة لمتابعة التصوير، وكانت التخريجة كالتالي: سنقول إن الطائرة تحطمت ومات نور الشريف، ثم جاء أخوه وتعرف على البطلة وأحبها.
حبه للبنان الناصري!
بالنسبة لنور الشريف، كان يعتبر أن لبنان هو البلد المحافظ على الناصرية (نسبة إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر)، فالمسلمون في لبنان ناصريون وربما يفضلهم على المصريين. وبهذا المعنى كان يحب لبنان انطلاقًا من وجهة نظر سياسية وفلسطينية، كون لبنان حمل القضية الفلسطينية على أكفّه طيلة عقود مضت، وقدم اللبنانيون من أجل هذه القضية الغالي والنفيس.
في إحدى الأيام، قدّم إبراهيم العريس الفنان نور الشريف إلى وزير المالية اللبناني فؤاد السنيورة في فندق شيراتون بالقاهرة. كان نور قد أنهى حينها مسلسل "لن أعش في جلباب أبي" الذي لاقى نجاحًا كبيرًا. وحين التقى نور الشريف بفؤاد السنيورة، قال له: "آه أستاذ فؤاد، أنا من زمان معجب بيك، ده إنت من الناصريين الكبار". ويعتبر العريس أن نور الشريف كان لديه هاجس الناصرية. وتابع نور الشريف موجهًا حديثه إلى فؤاد السنيورة بالقول: "إنتو في لبنان تبيعون شركة الكهرباء وتقومون بتخصيص الشركات اللبنانية، وأنتو تبيعون لبنان، وأنا ما أرضاش كده لأن دي رجعية". واستمر نور الشريف يحدث السنيورة في السياسة طيلة نصف ساعة، وكان رد الأخير أنه معجب بفنه ويريد الحديث معه حول أعماله الفنية، وكان كلام نور الشريف كأنه عتب على السنيورة، لأنه ناصري وكان يجب عليه أن يأمم الشركات بدل تخصيصها.
وكان شغفه الأحاديث السياسية، بالرغم من أنه ليس متعمقًا في السياسة بحسب ما يذكر إبراهيم العريس، لكنه حديث وطني عاطفي. وفي إحدى المرات التقت أخت إبراهيم العريس بنور الشريف في إحدى الحفلات وقدمت نفسها إليه، فقال لها نور الشريف ضاحكًا: "أخوكي إنسان باع الناصرية لكنه إنسان شريف". ويسرد العريس حكاية عن نور الشريف كان لا ينفك يرددها، وهي أن القنصل الأميركي في مصر، أثناء زيارته إبان تأديته إحدى المسرحيات، قام بطرده أو عدم استقباله، وكان نور يردد هذه الحكاية في كل مرة.
إبان تصويره فيلم ناجي العلي في بيروت عام 1992، كان إبراهيم العريس في فرنسا، وقد نصحه ألا يشارك في هذا الفيلم الذي أنتجه مع الإعلامي اللبناني وليد الحسيني، ومن تأليف بشير الديك وإخراج عاطف الطيب. يشير العريس إلى أن الفيلم كان موجهًا ضد الزعيم ياسر عرفات من قبل الرئيس الليبي معمر القذافي
في أحد تصريحاته يقول نور الشريف التالي عن الحالة السياسية اللبنانية وهو ما يؤكد كلام العريس حيال حب نور الشريف للبنان، ولكن في نفس الوقت بساطة تحليله السياسي أو عدم إلمامه بتعقيدات السياسة اللبنانية: "أنا طلبت من الشعب اللبناني أن ينسى كل التيارات والأحزاب السياسية، ومن المؤكد أن قيادات الأحزاب ستزعل مني"، وأضاف موجهًا كلامه للزعماء السياسيين: "إنتو عايزين إيه نفسي أعرف؟ وماحدش يتاجر بكلمة الديمقراطية لأن الديمقراطية ليها شروط منها الرخاء الاقتصادي والاكتفاء الذاتي وتأمين صحي وتأمين اجتماعي بحيث لما أقول رأي واعتقل وماخفش على مراتي وولادي. لكن إيه اللي حصل أنا مش فاهم بجد. إيه الخناقة يعني؟ ما نختار رئيس وزارة في لبنان مهما كان، بس نعدي الوقت الرذل المحرج إللي فيه مؤامرة كبيرة قوي على العالم العربي. أنا حزين بجد وأنا لسه راجع من بيروت من خمس أيام وأنا حزين حقيقي. حرام لبنان الحلم الجميل ده من سنة 1975 وحتى اليوم مش عارف يستقر، وبقت الصراعات بين أحزاب وتيارات".
نموذج الإنسان الملتزم!
يشير العريس إلى أن نور الشريف كان إنسانًا ملتزمًا بعائلته وليس دونجوانًا على الرغم من شهرته، فقد كان يتحلى بأخلاق اليساري الملتزم وكان ابن بلد أصلي يحمل القيم التقليدية الشرقية. ولم يشتهر عنه تعدد العلاقات النسائية في الوسط الفني، بل على العكس كان حريصًا على نساء عائلته، لكن ليس لدرجة التشدد والتخلف والرجعية.
إبان تصويره فيلم ناجي العلي في بيروت عام 1992، كان إبراهيم العريس في فرنسا، وقد نصحه ألا يشارك في هذا الفيلم الذي أنتجه مع الإعلامي اللبناني وليد الحسيني، ومن تأليف بشير الديك وإخراج عاطف الطيب. يشير العريس إلى أن الفيلم كان موجهًا ضد الزعيم ياسر عرفات من قبل الرئيس الليبي معمر القذافي. وبعد عرض الفيلم وجهت حملات في الصحف المصرية ضد نور الشريف.
الوداع الأخير!
في منزل الممثلة المصرية يسرا، في العام 2014 او العام 2015، حضر نور الشريف إلى الجلسة وكانت الطقس حارًا لكنه كان يلبس شالًا يلفه على رقبته وثيابًا سميكة، وكان من بين الحضور الناقد المغربي نور الدين الصايغ والناقد سمير فريد، تخلل اللقاء الذي دام زهاء ربع ساعة فقط بعض الأحاديث ثم قبلات فوداع. حينها استفسر إبراهيم العريس من المخرجة المصرية إيناس الدغيدي عن سبب رحيل نور الشريف في هذه المدة القصيرة فكان جوابها: "ده جاي يودعكم"، فسألها العريس: "ليه؟ هو مسافر؟!". فأجابت: "عند ربنا، لأنه مريض". يذكر العريس أن نور الشريف كان متعبًا وحزينًا ونظراته مليئة بالحسرة.