08-أكتوبر-2021

الروائي التنزاني عبد الرزاق قرنح

أعلنت اﻷكاديمية الملكية السويدية ظهر يوم أمس الخميس، السابع من تشرين اﻷول/ أكتوبر الجاري، فوز الكاتب والروائي التنزاني عبد الرزاق قرنح بـ "جائزة نوبل للآداب" لعام 2021، تقديرًا: "لكتاباته العميقة والمؤثرة التي توضّح آثار الاستعمار ومصير اللاجئ نتيجة الفجوة التي يعيشها بين قارات وثقافات مختلفة"، بحسب ما جاء في بيان لجنة تحكيم الجائزة التي أشادت بـ "تمسكه بالحقيقة وابتعاده عن التنميط". 

ركّز قرنح في مجمل أعماله الروائية على المسائل المرتبطة بالهوية، واللجوء، والعنف، والكراهية، والعنصرية، وآثار الاستعمار وممارساته على الشعوب المستعمَرة

وأثارت اﻷكاديمية الملكية، للسنة السابعة على التوالي، جدلًا وسجالاتٍ واسعة لا بسبب اختيارها لشخصية أدبية أفريقية من خارج المركز الغربي الذي هيمن على الجائزة خلال السنوات السبع اﻷخيرة، أو بسبب تجاهلها المستمر لكتّاب وروائيين عالميين مثل ميلان كونديرا، وهاروكي موراكامي، وبول أوستر، ونيغوغو وا ثيونغو، وغيره؛ وإنما لمنحها الجائزة لشخصية غير معروفة، بل تكاد تكون مجهولة بالنسبة للكثيرين حول العالم. 

اقرأ/ي أيضًا: الروائي التنزاني عبد الرزاق قرنح يفوز بجائزة نوبل للآداب للعام 2021

ولد عبد الرزاق قرنح في جزيرة زنجبار عام 1948، ﻷبٍ ينحدر من أصولٍ يمنية، وأمٍ تنزانية. وفي أواخر ستينيات القرن الفائت، على وقع اﻷحداث التي شهدتها زنجبار بعد ثورة 1964، التي أطاحت بسلطانها العُماني جمشيد بن عبد الله البوسعيدي وحكومته، وبسبب ما ترتب على ذلك من ممارساتٍ انتقامية واسعة ضد العرب وغيرهم من اﻷقليات التي استوطنت في الجزيرة؛ غادر الروائي التنزاني زنجبار باتجاه المملكة المتحدة، حيث حصل على الدكتوراة في اﻷدب اﻹنجليزي من "جامعة كينت" عام 1982، وهي الجامعة التي درّس فيها اﻷدب اﻹنجليزي والدراسات ما بعد الكولونيالية منذ عام 1985، وحتى تقاعده قبل وقتٍ قصير.

 بدأ عبد الرزاق قرنح بالكتابة اﻷدبية بعد نحو عامٍ من وصوله إلى بريطانيا. حينها، لم يكن لديه تصوراتٍ مسبقة عما يريد الحديث عنه بالضبط، إذ يقول في أحد حواراته: "بدأت أكتب بلا مبالاة وبشيءٍ من الخوف من دون أي تصور مدفوعًا برغبة في اﻹفصاح عن المزيد". 

وفي عام 1987، نشر قرنح روايته اﻷولى التي حملت عنوان "Memory of Departure"، ثم أتبعها بسبع رواياتٍ أخرى، هي: "Pilgrim’s Way" (1988)، و"Dottie" (1990)، و"Paradise" (1994)، و"Admiring Silence" (1996)، و"By the Sea" (2001)، و"Desertion" (2005)، و"The Last Gift" (2011). 

 

ركّز الروائي التنزاني، في مجمل أعماله الروائية، على المسائل المرتبطة بالهوية، واللجوء، وآثار الاستعمار وممارساته على الشعوب المستعمَرة، لا سيما شرق أفريقيا. وقدّم، في هذا السياق، شخصيات تكابد مشقات الهجرة، واللجوء، ومحاولات الانتماء إلى هوياتٍ جديدة جاهزة، أو مصطنعة، بهدف التأقلم داخل السياقات الزمانية والمكانية الجديدة، التي وصلتها بحثًا عن حياة أفضل. غير أنها، في نهاية المطاف، وبسبب عوامل عديدة، وجدت نفسها ضحية صراعٍ طويل، لا نهائي، بين الماضي والحاضر الذي جاء على عكس توقعاتهم. 

وإلى جانب اشتغاله على ثيمات المنفى والهجرة وآثار الاستعمار، وما بعد الاستعمار أيضًا، يتناول قرنح في أعماله مواضيع أخرى عديدة تدور مدار العنصرية، وثقافة المقاطعة، وإرهاب الدولة، والفوقية الثقافية، والكراهية، والعنف، والاختلاف عن اﻵخر، وتحولات الرؤى الاستعمارية، والتهجين الثقافي والهوياتي وغيرها. كما ويحرص، في الوقت نفسه، على اﻹضاءة على طبيعة مشاعر شخصياته في ضوء السياقات السابقة. 

في دراسته "روايات الشتات اﻷفريقي ما بعد الاستعمارية"، يصف الناقد المتخصص في اﻷدب اﻷفريقي، جون ج. سو، أعمال عبد الرزاق قرنح بأنها تصوِّر: "عنف ما بعد الاستعمار في بلده الأصلي تنزانيا، حيث أطاحت الغالبية السوداء بالنخبة العربية التي كانت موجودة في البلد منذ قرون"، وتركز على: "حالة المنفى التي تولِّدُها مثل تلك الصراعات". 

مُنحت نوبل 2021 لقرنح تقديرًا لكتاباته العميقة والمؤثرة التي توضّح آثار الاستعمار ومصير اللاجئ نتيجة الفجوة التي يعيشها بين قارات وثقافات مختلفة

ويرى سو أن الروائي التنزاني يسعى، منذ روايته اﻷولى، إلى استكشاف: "تجارب اﻷفارقة الذين لا يشعرون أنهم في وطنهم، لا في أفريقيا ولا في بريطانيا العظمى. ففي عالم يبدو واضحًا أن العنف يستهلكه، يجد أبطال قرنح أنفسهم في حالة ترحال دائم". ويضيف: "يبدو أن قرنح يرفض أن يصوِّر لحظة مصالحة نهائية بين أبطال رواياته وعائلاتهم، أو بين الجماعات العرقية والدينية المتناحرة، أو بين الماضي الاستعماري والحاضر ما بعد الاستعماري".

اقرأ/ي أيضًا: "نوبل" لويز غلوك وضرورة إعادة النظر في علاقتنا بالشِّعر

وإلى جانب أعماله الروائية، قدّم عبد الرزاق قرنح مجموعة من الأعمال النقدية، التي ركزت على أدب ما بعد الكولونيالية داخل أفريقيا وفي منطقة البحر الكاريبي وأماكن أخرى. باﻹضافة إلى تحريره مجلدات عديدة حول الموضوع نفسه. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

نوبل للآداب 2018 و2019.. من التحرّش الجنسي والاحتجاب إلى التحرش السياسي

نوبل للآداب 2017 لـ كازو إيشيغورو