14-يناير-2025
توقعات نواف سلام

(NNA) وصول القاضي نواف سلام إلى القصر الرئاسي

نام اللبنانيون، مساء الأحد، على توقعات تشي بتكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال بالحكومة الجديدة، نجيب ميقاتي، وذلك بعد أن دعا رئيس الجمهورية الجديد العماد، جوزاف عون، إلى الاستشارات الملزمة أمس الإثنين.

بعد الفرح الذي ساد الأجواء الشعبية اللبنانية إثر انتخاب عون رئيسًا للجمهوريّة، والأصداء الإيجابيّة التّي كرسها خطاب القسم، توجّس اللبنانيون شرًّا من تكليف الرئيس ميقاتي، باعتباره لن يشكّل الحكومة المرتقبة، والتي سيقع على كاهلها مسؤوليّة تنفيذ خطاب القسم، وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي وسم "ما تجيب نجيب"، فيما دعى بعض المؤثرين على نطاق ضيق إلى الاستعداد إلى إسقاط الحكومة في الشارع في حال سمي ميقاتي، وذلك بعد شياع صدى يفيد أن القوى الإقليميّة والدوليّة أيضًا تدعم وصول الأخير.

من هو نجيب ميقاتي؟ ولماذا لا يشبه وصوله خطاب القسم؟

يُعد ميقاتي أحد أهم رموز النظام السياسي والاقتصادي اللبناني بوجهه السابق القائم على المحاصصة والوصوليّة وغياب الرقابة، ورغم تقلب علاقاته بالنظام السوري السابق، لديه شبكة علاقات في الوسط السياسي اللبناني والعربي تربطه بكافة الأقطاب، وتجعله قادرًا على إعادة التموضع حسب المصلحة.

بعد الفرح الذي ساد الأجواء الشعبية اللبنانية إثر انتخاب عون رئيسًا للجمهوريّة، والأصداء الإيجابيّة التّي كرسها خطاب القسم، توجّس اللبنانيون شرًّا من تكليف الرئيس ميقاتي، باعتباره لن يشكّل الحكومة المرتقبة

كُلّف ميقاتي برئاسة الحكومة لثلاث مرات، كان أوّلها في نيسان/أبريل 2005، بعد اغتيال الرئيس، رفيق الحريري، واستقالة الرئيس، عمر كرامي، فتولى رئاسة الحكومة لأربعة أشهر، أشرف خلالها على الانتخابات البرلمانية اللبنانية. كانت المرّة الثانية عام 2011 عندما كلفه الرئيس، ميشال سليمان، برئاسة الحكومة، بعد استقالة 11 وزيرًا من حكومة، سعد الحريري، وسقوط حكومته، حيث بقي على رأس الحكومة حتى شباط/فبراير 2014.

اختير مجدّدًا من قبل الرئيس ميشال عون لتشكيل حكومة عام 2021، بعد حوادث عصفت بلبنان كالاحتجاجات الشعبية التي بدأت في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، وانفجار مرفأ بيروت في آب/اغسطس 2020. يذكر أن نجيب ميقاتي هو قائد "تيّار العزم" الذي أسسه عام 1988، وقد شغل منصب وزير في أربع حكومات لبنانيّة، أولها كان عام 1998 في حكومة، سليم الحص، كما كان نائبًا في البرلمان اللبناني لدورتين.

يذكر أيضًا أن ميقاتي مع شقيقه، طه ميقاتي، يعد أحد أثرى الشخصيات اللبنانية، وقد أُدرج اسمه على قائمة مجلة فوربس لأثرياء العالم. وكان القضاء اللبناني قد ادّعى عليه مع  شقيقه بتهمة الإثراء غير المشروع، ومسؤولًا مباشرًا عن أزمة قروض الإسكان بعد حصوله على قروض بملايين الدولارات من المصارف اللبنانيّة المدعومة من المصرف المركزي.

من قاد "الريمونتادا"؟ وكيف وصل نواف سلام؟

قبل بدء الاستشارات النيابيّة الملزمة، أعلن النائب البيروتي، إبراهيم منينمة، في بيان له استعداده لتولي المسؤولية لرئاسة الحكومة، مدعومًا بكتلة التغيير التي حجزت لنفسها موقعًا في البرلمان اللبنانيّة بعد انتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 والمكونة من 16 نائبًا،  وصرّح في الوقت عينه عن انفتاحه على إمكانيّة دعم آخرين في مقدّمتهم القاضي نواف سلام.

بدا في الوقت نفسه أن المعارضة محاصرة في خياراتها، تمّ تداول أسماء مثل، أشرف ريفي، باعتباره معارضًا لحزب الله والتيار الوطني الحر، ثمّ رست المعارضة على دعم، فؤاد المخزومي، لرئاسة الحكومة، رغم انخفاض أسهمه في الفوز بسبب ترشيح القوات اللبنانية له، وهي جهة مسيحية، مما يجعل قبول التمثيل السني به أمر غير مؤكدًا، وأيضًا بسبب خلافات بينه وبين بعض الكتل النيابية المؤثرة كالحزب الاشتراكي والتيار الوطني الحر.

كل تلك العوامل أوحت أن الأوفر حظًا برئاسة الحكومة سيكون رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالي ميقاتي، وبدا أن الأطراف السياسية ستعتبر هذه المرحلة مرحلة تمرير وقت، لحين حصول الانتخابات النيابية وتكريس توازنات جديدة.

انتظر الجميع بدء الاستشارات الملزمة البارحة صباحًا، لكنّ مفاجأة حصلت في ساعات متأخرة من الليل، حيث توجهت قوى التغيير إلى توحّدها نحو دعم القاضي الدولي نواف سلام، قام إبراهيم منينمة ورفاقه بمناورة  أخيرة، فبعد الاتفاق على اتجاههم إلى تسمية القاضي الدولي سلام، بدأت منصة "إكس" تضج بالوسوم الداعمة لترشيحه، من بعض النواب والمؤثرين الشباب، كالنائبة بولا يعقوبيان، والنائب فراس حمدان وغيرهم. وفي النهاية، يبدو وأنّه بعد الكثير من التداولات قامت قوى المعارضة التقليدية بتجيير أصواتها لصالح سلام، أعلن النائب مخزومي عن انسحابه من الترشح لصالح سلام.

وأكد سلام في أول كلمة له كرئيس مكلف بتشكيل الحكومة الجديدة على أنه "حان الوقت لبدء فصل جديد متجذر بالعدالة والأمن والتقدم والفرص ليكون لبنان بلد الأحرار المتساوين بالحقوق والواجبات".

ومنذ الصباح الباكر، ومع بدء الاستشارات وتوافد النواب إلى القصر الجمهوري في بعبدا، بدأ النواب تباعًا بإعلانهم عن دعمهم لتكليف القاضي نسلام، وتدريجيًا بدأت حظوظ ميقاتي بتولي الرئاسة في المرحلة المقبلة بالتلاشي. كانت آخر الكتل النيابيّة المتوافدة إلى القصر الجمهوري كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة اللتان تمثلان الثنائي الشيعي، وقد امتنع نوابهما عن تسمية رئيس لتشكيل الحكومة.

ورغم التصريحات الإيجابية من خصوم حزب الله التقليديين كرئيس حزب الكتائب، سامي الجميّل، ورئيس كتلة الجمهورية القوية النائب، جورج عدوان، الداعية إلى إشراك الجميع ومد اليد لبداية مرحلة جديدة، أثارت تصريحات رئيس كتلة الوفاء للمقاومة نائب الأمين العام لحزب الله، محمد رعد، التساؤلات حول أداء الحزب في المرحلة القادمة، فقد وصف تكليف سلام بمحاولة "خدش" بداية العهد التوافقي والسعي نحو الإلغاء وضرب الميثاقيّة

عصرًا، ومع انتهاء الاستشارات الملزمة أعلنت المديرية العامة لرئاسة الجمهوريّة اللبنانيّة استدعاء القاضي سلام الموجود خارج البلاد لتكليفه تشكيل الحكومة العتيدة بعد حصوله على 84 صوتًا مقابل تسعة أصوات للرئيس نجيب ميقاتي و35 صوتُا دون تسمية. اللافت أنّ القاضي سلام سافر خارج البلاد منذ يومين، قبل أن يعود اليوم، ما عزّز من فرضيّة عدم توقّعه الحصول على أصوات أغلبيّة النواب وتكليفه بتأليف الحكومة. وأكد سلام في أول كلمة له كرئيس مكلف بتشكيل الحكومة الجديدة على أنه "حان الوقت لبدء فصل جديد متجذر بالعدالة والأمن والتقدم والفرص ليكون لبنان بلد الأحرار المتساوين بالحقوق والواجبات".

ورغم تأكيد النواب البارحة خلال تصريحاتهم عدم تأثير أي تدخّل خارجي على المشهد، واتحاد جهود القوى اللبنانيّة لتغيير الواقع الذي بدى أنه كان مفروضًا، نقلت بعض التسريبات غير المعروف مدى صحتها عن رغبة سعودية أن يتنحى ميقاتي عن المشهد. وكان النائب مروان حمادة في حديث إذاعي أوّل من طرح ترشيح سلام بعد انتخاب عون لرئاسة الجمهورية، نظرًا للآفاق المفتوحة للبنان حاليًّا. هذا الترشيح الذي ظهر لأوّل مرّة عام 2019، وحصل على دعم عدد من القوى السياسية كالكتائب، إلّا أنّه عورض بشكل قاطع وقتها من الثنائي الشيعي باعتباره ترشيحًا أميركيًا.

ماذا يعني تكليف نواف سلام؟

ينحدر نواف سلام من عائلة بيروتية عريقة مارست السياسة وضلعت في الشأن العام منذ أوائل القرن الماضي. والده عبدالله سلام أحد مؤسسي طيران الشرق الأوسط، وجدّه كان رئيس بلديّة بيروت في العهد العثماني، وأحد مؤسّسي الحركة الإصلاحيّة في بيروت المناهضة للتتريك.

هو رئيس محكمة العدل الدوليّة منذ شباط/فبراير 2024، ليكون بذلك ثاني رئيس عربي يشغل هذا المنصب، وقد أعلنت محكمة العدل تحت قيادته بقرار تاريخي أن الاحتلال الاسرائيلي المستمر منذ عقود في فلسطين غير قانوني وانتهاؤه يجب أن يحصل في أسرع وقت، ما أثار حنق إسرائيل عليه وعلى المحكمة، باعتباره معادٍ للساميّة ومتحيّز.

حاز سلام على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسيّة من باريس، عمل في المحاماة، وكان أستاذًا محاضرًا لمادّة التاريخ المعاصر، تولّى مناصب أكاديميّة رفيعة، لكن عمله السياسي بدأ عام 2007 بعد أن أصبح سفيرًا للبنان لدى الأمم المتّحدة حتى عام 2017، وانضم إلى محكمة العدل الدولية عام 2018.

ويُعرف عن سلام أنه مقل في الظهور الإعلامي، لكنه صرح مرة عن تأثّره بالحركات اليسارية، شارك في شبابه في مجلس التخطيط التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، دافع طوالًا من خلال موقعه عن القضيّة الفلسطينيّة، وعن حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير، له العديد من المؤلفات السياسية والحقوقية حول لبنان والمنطقة والشؤون الدوليّة.

اعتبر بعض المحللين أن انتخاب عون رئيسًا للجمهورية من خلفية عسكرية من جنوب لبنان، وتكليف القاضي سلام الحقوقي المؤيد للقضية الفلسطينيّة بالإضافة إلى إدخاله لبنان في عصر جديد، يحمل دلالات رمزية شديدة الأهمية، خاصة في الوقت الذي لم ينسحب فيه الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان بشكل كلي بعد، ولم يزل يواجه تحديات تعد الأكبر في تاريخه على المستوى السياسي والاقتصادي.

يعول اللبنانيون الكثير على هذا العهد وعلى رئيس الحكومة المكلف، فهل سينجح سلام في تشكيل "الحكومة العتيدة"؟ وهل سيقاطع الثنائي الشيعي الحكومة؟ وهل ستكون حكومة تكنوقراط أم حكومة تمثيل سياسي؟ وهل سيستطيع سلام تنفيذ خطاب القسم لناحية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانيّة وإعادة أموال المودعين وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب؟ وفي النهاية تبقى مجرد أسئلة يحتاج اللبنانيون الإجابة عنها.