27-يناير-2017

نهلة كرم (فيسبوك)

"الموت يريد أن أقبل اعتذاره" (دار العين، القاهرة 2017) للكاتبة نهلة كرم مجموعة قصصية خفيفة تصلح للقراءة كفاصل بين الأعمال الأدبية الثقيلة، واضح من عنوان المجموعة القصصية أن الموت هو الرابط الأساسي الذي يجمع بين القصص كافة. تكشف كرم عن وجه الموت القبيح في كل قصة بشكل مختلف، وبطريقة يطغى عليها الجانب العاطفي أكثر منه العقلاني، أو المحبوك أدبيًا بالشكل الكافي، مرة تختار الواقعية في القصة، ومرة أخرى تنتقل إلى الخيال والفاتنازيا المطلقة.

الموت هو الرابط الأساسي الذي يجمع بين قصص نهلة كرم

هناك خمس قصص قصيرة في المجموعة يربط بينها الرابط الخيالي، الذي آثرت فيه الكاتبة أن يكون أبطالها من الجماد الذي استحوذ على قلب ينبض ويشعر، وعلى لسان ينطق ليتحدث بما يشعر، كان من الأفضل أن نقرأ القصص الخمس هذه بشكل متتالي، كمتتالية قصصية منفردة عن باقي المجموعة، تحت عنوان موحّد، حتى نعلم أن هؤلاء يوجد بينها ربط ما يميزها عن باقي المجموعة، كي لا نشعر بالتكرار أو الملل أو نضب الأفكار.

اقرأ/ي أيضًا: صباح سنهوري: ستغمر المحبة العالم

وفيما يخصل الأفكار، يبدو أن الكاتبة تتميز بخيال واسع وأفكار جديدة، لكنها تتعجل في طرحها فتقدم الفكرة كاملة على طبق من ذهب للقارئ في سطور معدودة، أو تبدأ في السرد الخفيف لتجعلنا في انتظار المزيد والمزيد من تصاعد الأحداث، والمزيد من المواقف والمشاعر المتضاربة، وفجأة دون مقدمات تنتهي القصة بطرح الفكرة كلها والحكمة المراد إيصالها بشكل صريح في آخر عدة أسطر، الأمر الذي جعلني أشعر وكأن القصة تحولت في نهايتها من طور القصة إلى طور المقال الأدبي. 

ربما من الأفضل أن تنتظر الكاتبة قليلاً على أفكارها، حتى تطرحها كثمار كاملة النضج بلغة قوية وحبكة جيدة، من المفهوم أن الوحي عندما يسقط على رأس الكاتب، لا يريد أن يفلته قبل أن ينتهي منه، ولكن أفكارنا تستحق منا المزيد من الوقت كي نبلورها بشكل أفضل.

[[{"fid":"61636","view_mode":"default","fields":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false},"type":"media","field_deltas":{"1":{"format":"default","field_file_image_alt_text[und][0][value]":false,"field_file_image_title_text[und][0][value]":false}},"attributes":{"height":257,"width":200,"class":"media-element file-default","data-delta":"1"},"link_text":null}]]

ظهر كره الكاتبة الشديد للموت ومقتها له، ورغبتها القوية في الأبدية ومواصلة القرب بجانب من تحب، وظهر هذا بشدة خاصة في قصة "شجرة ليمون"، وربما لم يكن كرهها للموت هو الفكرة الأساسية، ولكن كرهها للفراق والبعد وهو ما ظهر في قصة "عدة سنتيمترات فحسب"، التي أحبت البطلة فيها رجلًا من بلد أخرى بعيدة، ولم يحدث أن تقابلا قط، ولكنها كانت تشعر بالفرحة عندما تنظر إلى الخريطة فتجد أن المسافة بينهما "عدة سنتيمترات فحسب"، فتواسي نفسها بذلك، وفي محاولة منها لفهم فلسفة الموت، جعلت منه بطلًا لقصتها الأساسية التي سُميت المجموعة باسمها، وأخذت تحدثه على لسان بطلها، وجعلت من الموت شيئًا جاء للبطل كي يقبل اعتذاره.

عندما يسقط الوحي على رأس الكاتب، لا يريد أن يفلته قبل أن ينتهي منه

اقرأ/ي أيضًا: "الخوف في منتصف حقل واسع".. قصص غارقة في دمائها

وهناك أيضًا قصة أخرى، أجدها الأكثر نضجًا والأكثر إبداعًا في المجموعة القصصية، وهي قصة "مملكة البُكم"، تتلامس أحداث القصة مع مفاهيم السيطرة والدكتاتورية والسلطة المتحكمة. هذه القصة التي لم يكن الموت بطلها الأساسي الواضح الصريح هذه المرة، ولكن الملك الحاكم لمملكة ما، والذي وجدت فيه تجسيدًا بشريًا غير مباشر للموت، الذي لا تتم محاسبته عما يفعله بنا من ظلم وعدوان، وهذه القصة بالذات كنت أتمنى لو تناولتها الكاتبة بشكل أكثر تفصيلًا. شعرت أنها قصة قوية تحوي أفكارًا عدة لكي تكون مجرد قصة قصيرة لا تتعدى الثمان صفحات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الخيّر شوّار.. يبدع "خارج مجال التغطية"

"مجاز السرو" لعبد الوهاب عيساوي.. للقصّة رائحة