نهب وحرق وقتل ومجاعة.. عندما اكتسح العنف مخيم زمزم للنازحين في إقليم دارفور

سلّط تقريرٌ مطوّل لوكالة رويترز الضوء على الانتهاكات التي قامت بها قوات الدعم السريع خلال سيطرتها على مخيم زمزم للنازحين المحاذي لمدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

تدقّ الانتهاكات المرتكبة في المخيم ناقوس الخطر بشأن المصير الذي يمكن أن تواجهه الفاشر المكتظة بالسكان الفارين من جحيم زمزم، والمحاصرة من طرف قوات الدعم السريع منذ نحو 10 أشهر، بالكاد مرّ يومٌ منها دون أن تتعرض لهجوم أو قصف عشوائي.

استهلّت رويترز تحقيقها بالإشارة إلى أنّ الصراع المستمر في السودان منذ أكثر من عامين، أطلق العنان لموجات من العنف العرقي، وخلّف أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأغرق عدة مناطق من البلاد في مجاعة مستفحلة بسبب نزوح الملايين وانقطاع المساعدات الإنسانية.

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: أصبح مخيم زمزم شبه فارغ منذ بدء القصف المكثف والهجمات البرية  من طرف الدعم السريع  10 نيسان/إبريل.

في نيسان/إبريل المنصرم امتدّ القتال بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى أحد أكبر مخيمات النازحين جراء أشهرٍ من الحرب، هو مخيم زمزم الشاسع في إقليم دارفور غرب السودان، الذي يؤوي حوالي نصف مليون شخص.

وصَف شهود عيان لرويترز، لحظة تدفق عناصر قوات الدعم السريع إلى مخيم زمزم للنازحين في 11 نيسان/إبريل، قائلين إنهم "نهبوا المنازل وأحرقوها تحت وابل القذائف وتحليق الطائرات المسيرة".

وجاءت سيطرة الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين بعد أيام متواصلة من القصف المدفعي وهجمات الطائرات المسيرة والهجمات البرية التي تقول الأمم المتحدة إنها خلّفت ما لا يقل عن 300 قتيل وأجبرت حوالي 400 ألف على الفرار، في واحدة من أسوأ الانتهاكات منذ بدء الحرب.

يشار إلى أن السيطرة على مخيم زمزم تزامنت مع  سعي قوات الدعم السريع إلى تعزيز قبضتها على إقليم دارفور بولاياته الخمس، وفي هذا السياق يرى متابعون أنّ الدعم السريع تنتظر السيطرة على الفاشر لإعلان حكومتها الموازية. وسيكون ذلك مقدمة، حسب المتابعين، لمشروعٍ انفصالي جديد في السودان.

مخيم زمزم: الجغرافيا والديمغرافيا والمأساة

يقع مخيم زمزم بالقرب من مدينة الفاشر، وتشير المقارنة بين صور الأقمار الصناعية، في الفترة ما بين 2005 إلى 2025 إلى أنّ المخيم توسّع أضعافًا مضاعفة على المستوى الجغرافي والديمغرافي، إلى أن أصبح  يؤوي ما يزيد على نصف مليون شخص، أغلبهم من غير العرب.

وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية، التي استعانت بها رويترز في تحقيقها، أضرارًا واسعة النطاق في المخيم، ناجمةٍ عن اندلاع الحرائق في جميع أنحائه، بما يتوافق مع روايات شهود عيان قالوا إن مقاتلي قوات الدعم السريع أشعلوا النار في مبانٍ في المخيم بهدف بثّ الرعب.

حاصرت قوات الدعم السريع مخيم زمزم لعدة أشهر قبل شن هجومها الكاسح عليه، وخلال أشهر الحصار عرقلت قوات الدعم السريع وصول المساعدات إلى أن انقطعت تمامًا لعدة أشهر.

المنظمة الدولية للهجرة: "حتى 17 نيسان/إبريل المنصرم، نزح أكثر من 300 ألف شخص من مخيم زمزم  إلى مناطق أخرى في شمال ووسط دارفور"

وسبق لرويترز أن وثّقت شهادات عن عنفٍ عرقي استهدف قبيلة المساليت ذات الأصول الأفريقية، خلال الصراع الحالي، اتُّهمت بارتكابه مجموعات مسلحة محسوبة على قوات الدعم السريع.

المجاعة ونهب المساعدات:

في تقرير صادر آب/أغسطس 2024، وجدت لجنة مراجعة المجاعة المدعومة من الأمم المتحدة أنّ المجاعة لا تزال مستمرة في مخيم زمزم. وأفادت اللجنة أنّ "القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية، بما في ذلك العراقيل المتعمدة التي فرضتها الأطراف الفاعلة في النزاع، قد حدّت بشدة من قدرة منظمات الإغاثة على توسيع نطاق جهود الاستجابة بفعالية".

ونقلت رويترز عن عمال إغاثة قولهم إنّ "الجيش أعاق وصول المساعدات الإنسانية خلال الحرب، بينما نهبت قوات الدعم السريع كمياتٍ كبيرة من المساعدات التي وصلت". يشار إلى أن كلا الطرفين ينفيان عرقلة جهود الإغاثة.

وممّا زاد الأوضاع في المخيم مأساوية أنّ فياضانات العام الماضي دمّرت نقاط المياه في المخيم، الأمر الذي رفع من الإصابة بالكوليرا وأمراض أخرى في منطقة تعاني بالفعل من مستويات شديدة من سوء التغذية.

وأشارت تقديرات صادرة عن منظمة أطباء بلا حدود، شباط/فبراير 2024، إلى أن طفلًا واحدًا يموت بمعدل كل ساعتين في  مخيم زمزم، نتيجة المرض وسوء التغذية.

الواقع الحالي للمخيم:

وفقًا لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أصبح مخيم زمزم"شبه فارغ" منذ بدء القصف المكثف والهجمات البرية حوالي 10 نيسان/إبريل.

وأفادت المنظمة الدولية للهجرة أنه حتى 17 نيسان/إبريل المنصرم، نزح أكثر من 300 ألف شخص إلى مناطق أخرى في شمال ووسط دارفور، وتدفق العدد الأكبر من هؤلاء نحو "طويلة" أو "الفاشر".

الفاشر المحاصرة:

تُؤوي الفاشر حاليًا نحو 1.8 مليون نسمة، تحاصرهم قوات الدعم السريع ويتعرضون يوميًا لهجماتها وقصفها، نظرًا إلى أن الفاشر تعد آخر معقل كبير للقوات المسلحة السودانية في دارفور.

ويُنذر حصار الفاشر واحتمال اقتحامها من طرف الدعم السريع بكارثة إنسانية، وفي هذا الصدد قال المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة فولكر تورك، الخميس الماضي، إنّ "الرعب الذي يتكشّف في السودان لا حدود له"، مضيفًا أنّ جميع المؤشرات تدل على أننا قد نشاهد "حمام دم في الفاشر" بالنظر إلى الهجمات التحذيرية التي تشنها الدعم السريع بين الفينة والأخرى، وبالنظر لرفض الجيش السوداني تسليم المدينة. وأكّد المفوض الأممي أنه "يجب بذل كل جهد ممكن لحماية المدنيين المحاصرين وسط ظروف مزرية في الفاشر وما حولها".

يشار إلى أن الحكومة السودانية رفعت في آذار/مارس الماضي دعوى لدى محكمة العدل الدولية تتهم فيها الإمارات بتسليح قوات الدعم السريع وبانتهاك التزامات منع الإبادة الجماعية في دارفور. ورفضت الإمارات تلك الاتهامات، معتبرة أنها محض افتراءات ولعبة سياسية مكشوفة.

ولفتت رويترز إلى أنّ العلاقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع  ظلت هشة، بسبب اختلاف الطرفين حول الجدول الزمني المحدد لدمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية، وتسلسل القيادة بين الجيش وقادة قوات الدعم السريع، ومسألة الرقابة المدنية على القوات المسلحة، فضلا عن تنافسهما على مصالح تجارية متعددة الأطراف، وعدم استعدادهما للتنازل عن السلطة لصالح المدنيين.