أُسدل الستار في سوريا على حكم حزب البعث وعائلة الأسد الذي دام لـ61 عامًا (53 عامًا منها تحت حكم عائلة الأسد)، عانى فيها السوريون ويلاتٍ كثيرة قمعًا وسجنًا وقتلًا وتجويعًا وتهجيرًا.
ففي صبيحة الثامن من كانون الأول/ديسمبر، تمكنت قوات المعارضة من السيطرة على آخر معقل للنظام البائد في دمشق، بعد فرار رأس النظام بشار الأسد نحو وجهة غير معلومة تبيّن لاحقًا أنها روسيا، في ظل مطالبات دولية وسورية بمحاسبته على الجرائم التي ارتكبها نظامه بحق السوريين، لا سيما خلال الثورة التي لجأ فيها إلى استخدام الأسلحة المحرمة دوليًا، مثل الأسلحة الكيماوية، ضد شعبه.
وفيما يلي، نستعرض مع القراء مسار التغيير الدراماتيكي الذي قاد إلى انهيار النظام في غضون 12 يومًا من بداية عملية "ردع العدوان" في الـ27 من تشرين الأول/نوفمبر المنصرم، إلى لحظة سقوط دمشق فجر الثامن من كانون الأول/ديسمبر الجاري.
تجدر الإشارة إلى أنّ الثورة الشعبية في سوريا انطلقت في الـ15 من آذار/مارس 2011، بالتزامن مع قيام فتية من الطلاب بكتابة شعار "اجاك الدور يا دكتور" على جدران مدرستهم، في إشارة إلى ثورات الربيع العربي ضد زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر.
لكن النظام السوري تعامل مع الحراك المدني الاحتجاجي بعنف وحشي، أدى إلى تسليح الثورة في وقت مبكّر، وكاد النظام نهاية 2014 وخلال 2015 أن يسقط لولا التدخل الروسي والإيراني لصالحه. وبمجرّد أن قام هؤلاء الرعاة برفع اليد عن النظام، نظرًا لتورطهم في مواجهات أخرى، آل نظام الدكتاتور إلى السقوط دفعةً واحدةً في ظرف زمني قياسي.
أُسدل الستار في سوريا على حكم آل الأسد بعد 53 عامًا تعرض السوريون خلالها لمختلف أنواع التعذيب والإذلال والقهر
وأجّج سقوط النظام مشاعر من الفرح والأمل لدى السوريين بغدٍ أفضل، بعيدًا عن مرارات الخوف والقمع والتعذيب والتشريد والقتل.
27 تشرين الثاني/نوفمبر
في هذا التاريخ، تحركت قوات المعارضة نحو مناطق النظام في ريف حلب الغربي، معلنةً كسر حالة الجمود التي ميّزت المواجهة بين النظام ومعارضته. وفي اليوم الموالي، 28 تشرين الثاني/نوفمبر، تمكنت قوات المعارضة من الاستيلاء على كميات كبيرة من العتاد العسكري، وطرد قوات النظام من عدة قرى وبلدات في ريف إدلب، إضافةً إلى وصولها إلى مشارف مدينة حلب.
وشهد يوم 29 تشرين الثاني/نوفمبر سيطرة قوات المعارضة السورية على مدينة سراقب الاستراتيجية في محافظة إدلب، وبداية دخولها إلى مركز مدينة حلب. ولم يحل يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر إلا وقوات المعارضة قد فرضت سيطرتها على معظم أحياء مدينة حلب، بما في ذلك مطار حلب الدولي. كما تمكنت أيضًا من دخول مدن معرة النعمان وخان شيخون، وبلدة جرجناز ذات الأهمية الاستراتيجية في إدلب، بالإضافة إلى طريق منبج – حلب والطريق السريع M4.
وفي الأول من كانون الأول/ديسمبر، أطلق ما يسمى الجيش الوطني السوري عملية "فجر الحرية" التي تمكن فيها من السيطرة على مركز ناحية تل رفعت بالكامل.
وفي اليوم ذاته، شهدت محافظة السويداء الواقعة جنوب البلاد تنظيم مظاهرة داعمة لاستعادة قوات المعارضة لحلب وإدلب. كما عرف ذلك اليوم قيام جيش سوريا الحرة، المدعوم من واشنطن، بشنّ هجوم على منطقتي البوكمال والميادين انطلاقًا من منطقة التنف.
وفي الثاني من كانون الأول/ديسمبر، تمكنت قوات المعارضة السورية من السيطرة على 16 بلدة في محافظة حماة. وفي اليوم التالي، 3 كانون الأول/نوفمبر، نفذت قوات سوريا الديمقراطية "هجومًا لطرد قوات نظام الأسد والفصائل المدعومة من إيران من 7 قرى شرق الفرات بمحافظة دير الزور".
يشار إلى أنه في المقابل، نفّذ طيران النظام والطيران الروسي سلسلة ضربات على محافظتي إدلب وحلب، طيلة الفترة 27 تشرين الثاني/نوفمبر و2 كانون الأول ديسمبر، خلّفت 84 قتيلًا في صفوف المدنيين وأكثر من 300 جريح. وشهد يوم 4 كانون الأول/ديسمبر قيام نظام الأسد باعتقال عدد من الأشخاص في منطقة الغوطة الشرقية بدمشق كانوا يحملون أسلحة، فيما واصلت قوات المعارضة حصد القرى على طريق حماة.
وأمام هذا الوضع الصعب، شنّت قوات النظام، ابتداءً من 5 كانون الأول/ديسمبر، حملة "تجنيد الشباب والرجال قسريًا في مناطق عديدة بالعاصمة دمشق". لكنّ الخطوة جاءت متأخرة، فقد كانت قوات المعارضة حينها في وسط مدينة حماة. تلا ذلك، في السادس من كانون الأول/ديسمبر، سيطرة قوات المعارضة "على منطقتي الرستن وتلبيسة في محافظة حمص ذات الأهمية الاستراتيجية". وفي نفس اليوم، وصلت قوات المعارضة "إلى الأجزاء الداخلية من وسط مدينة حمص"، وتحت تأثير الصدمة تركت قوات النظام "مواقعها في مركز محافظة دير الزور".
باتت الطريق نحو دمشق مفتوحة. وكعلامة على ذلك، نفّذت طائرة مسيرة ضربةً "على المنطقة التي يتواجد فيها مبنى الإذاعة والتلفزيون ومبنى وزارة الدفاع وسط مدينة دمشق"، وبالفعل دخلت مجموعات من قوات المعارضة يوم السابع من كانون الأول/ديسمبر "ضواحي دمشق الجنوبية، في حين سيطرت القوات الأخرى على مركز مدينة حمص، وبسطت المجموعات المحلية المعارضة في محافظة السويداء، هيمنتها على جميع أنحاء المحافظة".
يوم الحسم
وجاء يوم الثامن من كانون الأول/ديسمبر ليغلق قوس حكم آل الأسد في سوريا بسيطرة قوات المعارضة على دمشق، وسط حشود جماهيرية، وقيام المتظاهرين ومجموعات من قوات المعارضة "بالإفراج عن المعتقلين في سجن صيدنايا الذي يُعرف بأنه كان من أكثر مقرات التعذيب لدى نظام الأسد".
يشار إلى أنه، وأثناء كلّ نصر للمعارضة على النظام في المحافظات والمدن المختلفة، كان المواطنون يعمدون إلى إسقاط تماثيل حافظ الأسد وتمزيق صور ابنه بشار.