1. سياسة
  2. سياق متصل

نكبة مستمرة.. من شوارع اللد إلى أنقاض غزة

16 مايو 2025
النزوح في غزة
غزة بين النزوح والموت (AP)
محسن القيشاويمحسن القيشاوي

أحيا الفلسطينيون الذكرى الـ77 للنكبة، التي شكّلت بداية التهجير القسري الجماعي لشعب كامل، حين اقتُلِع أكثر من 750 ألف فلسطيني من مدنهم وقراهم عام 1948، على يد العصابات الصهيونية، وتم تدمير مئات البلدات، فيما أصبح لاحقًا نواة "دولة إسرائيل" على أنقاض الوطن الفلسطيني.

لكن الذكرى هذا العام لا تأتي كمجرد محطة في الذاكرة، بل تتقاطع بشكل مأساوي مع واقع دموي جديد، حيث يعيش الفلسطينيون، خصوصًا في قطاع غزة، نكبتهم من جديد تحت القصف والحصار والدمار ونزوح قسري، بينما يتسارع في الضفة الغربية مشروع الضم والتهويد، وسط موجات اقتحام متواصلة واستهداف ممنهج للوجود الفلسطيني.

النكبة التي كانت بداية مشروع استعماري استيطاني في فلسطين، لم تكن لحظة انقطاع، بل لحظة تأسيس لمسار طويل من التطهير العرقي، والاستعمار، والعقاب الجماعي. واليوم، كما يقول مراقبون وحقوقيون، تعود صور التهجير الجماعي، وتدمير المنازل، واستهداف المدنيين، لتؤكد أن النكبة لا تزال مستمرة.

الذكرى هذا العام لا تأتي كمجرد محطة في الذاكرة، بل تتقاطع بشكل مأساوي مع واقع دموي جديد، حيث يعيش الفلسطينيون – خصوصًا في قطاع غزة – نكبتهم من جديد تحت القصف والحصار والدمار ونزوح قسري

غزة: مجازر في الذكرى ودمار يعيد الذاكرة إلى مربع التهجير

بالتزامن مع ذكرى النكبة، يشهد قطاع غزة واحدةً من أعنف موجات القصف الإسرائيلي منذ عودة الحرب، فقد تحولت غزة إلى مسرح مفتوح لمجازر متنقلة طالت المدنيين وتدمير واسع للبنية التحتية والمراكز الطبية والمستشفيات.

خلال الأيام الأخيرة فقط، وثقت مصادر طبية وتقارير إعلامية استشهاد المئات من الفلسطينيين من شمال إلى جنوب القطاع بفعل غارات إسرائيلية عنيفة. وفي ظل محدودة إمكانات فرق الدفاع المدني التي تواصل العمل لساعات طويلة لانتشال الضحايا من تحت الركام.

تهجير جديد على أنقاض النكبة الأولى

ما يزيد من قسوة المشهد، أن العدوان الإسرائيلي أفرز أكبر موجة نزوح جماعي في تاريخ القطاع، إذ تجاوز عدد النازحين 1.7 مليون شخص، أي ما يقارب ثلاثة أرباع سكان غزة، معظمهم من الأطفال والنساء، وهم يتنقلون من منطقة إلى أخرى بحثًا عن ملاذ آمن لا وجود له.

ويستحضر هذا النزوح الواسع مشهد نكبة عام 1948، عندما أُجبر أكثر من 750 ألف فلسطيني على مغادرة بلداتهم تحت التهديد بالمجازر، ليجدوا أنفسهم لاجئين في بقاع متعددة، في الداخل والخارج. الفرق المؤلم اليوم هو أن النكبة الجديدة تجري على الهواء مباشرة، في عصر البث الفوري والكاميرات، دون أن تحرك القوى الدولية ساكنًا لوقف هذه الكارثة الإنسانية المتواصلة.

سياسة تجويع ممنهجة تعمّق الكارثة الإنسانية في غزة

في موازاة القصف والدمار، تمضي إسرائيل في استخدام سياسة التجويع كسلاح حرب، من خلال فرض حصار خانق على قطاع غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية. فقد وثّقت منظمات دولية، بينها الأمم المتحدة والصليب الأحمر، عراقيل إسرائيلية متعمدة أمام دخول الغذاء والدواء والوقود، رغم التحذيرات من مجاعة وشيكة تطال مئات الآلاف، خاصة في شمال القطاع. كما أُغلقت المعابر الحيوية لفترات طويلة، وتم قصف قوافل الإغاثة، ما فاقم معاناة المدنيين، وترك العائلات تبحث عن فتات الطعام ومياه الشرب وسط الأنقاض. ويرى مراقبون أن هذه السياسة الممنهجة تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، وتُستخدم كأداة للضغط الجماعي وكسر إرادة السكان في ظل صمت دولي مخزٍ.

انهيار النظام الصحي.. والجرحى تحت القصف

منذ بدء العدوان الإسرائيلي في تشرين الأول/أكتوبر 2023، تعرّض النظام الصحي في قطاع غزة لانهيار شبه كامل، إذ دُمّر 34 مستشفى من أصل 38، ولم يبق سوى أربعة مستشفيات تعمل جزئيًا، وسط نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية. كما طالت الهجمات 80 مركزًا صحيًا و162 مؤسسة طبية، مما تسبب في شلل واسع لقدرة الطواقم الطبية على الاستجابة لحالات الطوارئ.

وفي تطور خطير يعكس عمق الكارثة، أعلنت منظمة الصحة العالمية هذا الأسبوع توقف آخر منشآت الرعاية الصحية في جنوب القطاع عن العمل، بعد استهداف مستشفى غزة الأوروبي في خانيونس، الذي كان يخدم مرضى القلب والسرطان. ووفق المدير العام للمنظمة، خرج المستشفى بالكامل عن الخدمة، وتم إجلاء الطواقم الطبية منه تحت القصف، ما ترك آلاف الجرحى والمرضى دون أي فرصة لتلقي العلاج، وحوّل القطاع إلى منطقة منكوبة صحيًا.

تعرضت مستشفيات غزة لهجمات متكررة، كان أبرزها مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، الذي تسببت الغارات في احتراق أقسامه الحيوية وتدميره، ما أخرجه من الخدمة. كما اقتحمت قوات الاحتلال مجمع الشفاء الطبي ودمّرت جزءًا كبيرًا من منشآته، فيما تم استهداف مستشفى الأهلي المعمداني، مما أدى إلى تدمير قسم الطوارئ والاستقبال والصيدلية، وخروجه عن العمل بالكامل.

في هذا السياق، حذّرت منظمة الصحة العالمية من أن "التدمير الممنهج" للنظام الصحي في غزة يمثل "حكمًا بالإعدام" على عشرات الآلاف من الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة. وطالبت بوقف فوري للهجمات على المستشفيات وضمان حماية العاملين الصحيين والمرضى والمدنيين.

وفي ظل هذا الواقع الكارثي، يواجه سكان القطاع أزمة إنسانية غير مسبوقة، حيث يُحرم الجرحى والمرضى من حقهم في العلاج، بينما تُستهدف المرافق الصحية كجزء من سياسة ممنهجة، ما يستوجب تدخلاً دوليًا عاجلًا لحماية ما تبقى من النظام الصحي وإنقاذ حياة آلاف المدنيين.

الضفة الغربية: عملية عسكرية شاملة ومشروع ضم متسارع

تعيش الضفة الغربية اليوم على وقع تصعيد غير مسبوق، يعيد إلى الأذهان مشاهد النكبة الأولى، لكن هذه المرة ضمن عملية عسكرية إسرائيلية شاملة، تترافق مع تسارع خطوات الضم الزاحف وتوسيع الاستيطان.

فمنذ بداية الحرب على غزة في تشرين الأول/أكتوبر 2023، تشنّ قوات الاحتلال الإسرائيلي عمليات اقتحام واعتقال يومية في مدن الضفة ومخيماتها، غير أن الفترة الأخيرة شهدت تصعيدًا نوعيًا، تمثل في اجتياحات موسعة لمناطق شمال الضفة، خاصة في جنين وطولكرم ونابلس، أسفرت عن تدمير شبه كامل للبنية التحتية في بعض المخيمات، وتهجير مئات العائلات، وسط صمت دولي لافت.

خاصة في جنين وطولكرم ونابلس، أسفرت عن تدمير شبه كامل للبنية التحتية في بعض المخيمات، وتهجير مئات العائلات، وسط صمت دولي لافت.

وفي مخيمي طولكرم ونور شمس، كثّفت قوات الاحتلال من عملياتها العسكرية، مستخدمة وحدات مشاة مدعومة بجرافات عسكرية وطائرات مسيرة، حيث دُمرت العشرات من المنازل وشبكات المياه والكهرباء والطرق، ووقعت اشتباكات عنيفة أدت إلى سقوط شهداء وجرحى، من بينهم أطفال. وقد وُثّقت مشاهد تُظهر اقتحام المنازل، واعتقال عشرات الشبان، فيما تعيش المخيمات تحت حصار خانق يعيق إدخال الإسعاف والمساعدات.

ووفق ما أكدته مؤسسات حقوقية، فإن ما يجري في هذه المخيمات ليس "عملية أمنية تقليدية"، بل محاولة ممنهجة لإعادة هندسة المخيمات وبيئتها، عبر تفريغها من السكان، وضرب بنيتها المقاومة، وإعادة فرض السيطرة الأمنية الكاملة، وهو ما يُفسّر كثافة النيران المستخدمة وتدمير البنية التحتية بالكامل.

بالتوازي مع هذا التصعيد الميداني، تواصل حكومة بنيامين نتنياهو الدفع قدماً بمشاريع الضم، تحت غطاء "الإدارة المدنية" لما تُعرف بمناطق "ج"، التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة الغربية.

ومن بين أبرز الإجراءات، سنّ قوانين جديدة تلغي ما يُسمى "التمييز في شراء الأراضي"، وتسمح للإسرائيليين – وليس فقط للمستوطنين – بتملك أراضٍ في الضفة، في خطوة تُفسّر على نطاق واسع كجزء من مشروع الضم القانوني والفعلي.

كما تم توسيع ربط المستوطنات بالبنية التحتية الإسرائيلية، بما يشمل شبكات الكهرباء والغاز والمياه، وإقرار بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة في عمق الضفة الغربية، وتوسيع مستوطنات كبرى مثل "أريئيل" و"معاليه أدوميم"، في انتهاك مباشر للقانون الدولي، ونسف لأسس "حل الدولتين".

ترافق ذلك مع تزايد عنف المستوطنين المسلحين، المدعومين من الجيش، ضد القرى والبلدات الفلسطينية، حيث سجلت مئات الهجمات التي طالت منازل ومزارع وسيارات الفلسطينيين، خصوصًا في مناطق نابلس وسلفيت والخليل. وقد خلّف هذا العنف مئات المصابين، وتهجير عائلات بالكامل من بلدات مثل برقة، ودوما، وخربة زنوتة جنوب الخليل، التي تم طرد أهلها بالكامل بحماية الجيش، في محاولة لخلق "فراغ سكاني" تمهيدًا للاستيطان.

ويحذّر مراقبون من أن ما يجري في الضفة الغربية ليس مجرد تصعيد أمني ظرفي، بل هو جزء من استراتيجية إسرائيلية لتكريس واقع "الدولة الواحدة" بنظام فصل عنصري (أبارتهايد)، عبر ضم تدريجي للأراضي، وتفكيك أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية.

نكبة مستمرة.. والعالم يراقب

بين نكبة الأمس ونكبة اليوم، لم يتغير شيء سوى أدوات القتل والتشريد، بينما بقيت النتيجة ذاتها: شعب يُقتلع من أرضه تحت سمع العالم وبصره. بات المجتمع الدولي عاجزًا عن أكثر من بيانات قلق باردة، فيما تتكدس جثث الضحايا في الأزقة وتنهار البيوت فوق أحلام أصحابها.

في الذكرى الـ77 للنكبة، يعيش الفلسطينيون مأساة لا تعرف الماضي من الحاضر: نكبة لا تزال تُكتب بدمائهم، كارثة بلا نهاية تتجدّد كلما أصرّوا على البقاء في وطنهم.

كلمات مفتاحية
فوردو

لا آثار إشعاعية بعد الضربات الأميركية.. طمأنة مؤقتة أم إنذار مبكر؟

نشرت وكالة ناسا صورًا فضائية تُظهر انبعاثًا حراريًا واضحًا في مفاعل فوردو النووي بعد الضربة الأميركية دون رصد انبعاثات من منشأتَي نطنز وأصفهان

غزة

عدّاد الشهداء لا يتوقف: جريمة إبادة إسرائيلية صامتة تستهدف الرضّع والمستشفيات في غزة

لا يمرّ يوم في غزة دون تسجيل أعدادٍ جديدة من الشهداء بفعل آلة القتل الإسرائيلية

الرد الإيراني

هجوم إيراني كبير على إسرائيل.. سيناريوهات الرد الإيراني على الضربة الأميركية

يدور الحديث حول 3 سيناريوهات رئيسية حول طبيعة الرد الإيراني على الهجوم الأميركي الذي طال فجر اليوم منشآت فوردو ونطنز وأصفهان

الاتحاد الأوروبي
حقوق وحريات

تحقيق أوروبي يرصد إخلال إسرائيل بالتزاماتها.. ومراجعة مرتقبة للشراكة الاستراتيجية

من المتوقع أن يناقش الاتحاد الأوروبي يوم غد الإثنين "اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل"

ملصق المسرحية (صفحة allo beirut)
فنون

"وداد النملة يلّي عم تحفر بالصخر".. حكاية امرأة تنتزع الذاكرة من غياهب النسيان

مسرحية تعيد النبش عن المفقودين وتداعيات الحرب الأهلية في لبنان

منصة المحاضرة (وكالة الأنباء القطرية)
نشرة ثقافية

محاضرة بمركز "حسن بن محمد للدراسات التاريخية" حول تاريخ المتاحف العربية

محاضرة حول تاريخ المتاحف في الوطن العربي مع التركيز على تجربتي مصر وقطر

القصر الكبير في باريس (الموقع الرسمي)
فنون

القصر الباريسي الكبير يحتضن مركز "بومبيدو" الثقافي مؤقتًا

إعادة افتتاح القصر الكبير في باريس بعد أعمال ترميم ليصبح المقر المؤقت لمركز بومبيدو الثقافي