30-أغسطس-2022
PAKISTAN-WEATHER-FLOODS

تسببت الفيضانات في باكستان بكارثة بشرية واقتصادية (Getty)

أدت فيضانات كارثية ناجمة عن الأمطار الموسمية في جمهورية باكستان الإسلامية إلى أضرار مدمرة واسعة النطاق في الطرق والمحاصيل الزراعية والبنى التحتية والجسور، كما أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن ألف شخص في الأسابيع الماضية وتشريد الملايين. 

تقول السلطات الباكستانية إن الدمار الذي وقع هذا العام أسوأ مما كان عليه في 2010 عندما قتلت الفيضانات 1700 شخص على الأقل

الفيضانات التي وصفت بأنها "غير مسبوقة" في تاريخ البلاد أدت إلى تضرر أصاب أكثر من 33 مليون شخص في باكستان، فيما قدرت الخسائر الاقتصادية الأولية بحوالي 10 مليارات دولار أمريكي على الأقل، مع تهدّم وتصدّع حوالي مليون منزل، وفقًا لتصريح أدلى به وزير التخطيط الباكستاني، أحسان إقبال، لوكالة رويترز. وقد أعاقت الفيضانات جهود الإغاثة بعدما تضررت الطرقات السريعة وباتت حركة النقل أكثر صعوبة سيما في إقليم بلوشستان جنوب البلاد، بينما عزلت قرى بأكملها في أقصى الشمال. 

PAKISTAN-WEATHER-FLOODS

وصرح إقبال بالقول "أعتقد أن الكارثة كبيرة وأضرارها ضخمة، وأعتقد أن حجم الأضرار المادي يتجاوز 10 مليارات دولار". هذا وسيعاني أكثر من 200 مليون نسمة في البلد المنكوب الواقع جنوب القارة الآسيوية، من نقص في الغذاء بعدما جرفت الفيضانات 45% من زراعات القطن وألحقت أضرار جسيمة في حقول الخضار والفاكهة والأرز. وأشار إقبال بالقول "فقد الناس مصادر رزقهم"، وتابع "قد تستغرق عملية إعادة بناء وتأهيل وإصلاح ما سببته الفيضانات إلى خمس سنوات".

وتقول السلطات الباكستانية إن الدمار الذي وقع هذا العام أسوأ مما كان عليه في 2010 عندما قتلت الفيضانات 1700 شخص على الأقل. وقد أكد الجنرال قمر جاويد باجوا، رئيس أركان الجيش الباكستاني، على أن بلاده قد تستغرق سنوات لتتعافى من آثار الدمار الحاصل، وقد ناشد الباكستانيين الذين يعيشون في الخارج للتبرع لضحايا الفيضانات.

وقد نشرت باكستان حوالي 7000 جندي للمشاركة في عمليات الإغاثة، كما أفادت السلطات بأنها تستخدم طائرات عسكرية ومروحيات وشاحنات وقوارب لإجلاء الناس المحاصرين وتسليم المساعدات لهم.  

رغم ذلك، تصاعدت حدّة الشكاوى من المواطنين الباكستانيين، حيث تأخرت وصول المساعدات والطعام والأدوية الأساسية. 

مساعدات طارئة

وقد طلبت باكستان بالفعل مساعدة دولية عاجلة لمواجهة تداعيات الكارثة، وبالفعل أرسلت بعض الدول إمدادات وفرق إنقاذ ومساعدات مختلفة. وكان مسؤولون محليون أشاروا إلى نقص كبير في الموارد الموارد المالية ونقص في الخيام وانقطاع الكهرباء ونقص في الطعام والدواء وغيرها الكثير من مستلزمات الإغاثة المفقودة والمطلوبة في عمليات الإنعاش. 

بدوره وافق صندوق النقد الدولي على دعم برنامج الانقاذ الداعم للدولة الباكستانية، وسيتضمن تسهيل قرض بقيمة 1.17 مليار دولار أمريكي، وزيادة قيمة أموال الدعم، وكما وافق الصندوق على تمديد مدة البرنامج سنة إضافية.

PAKISTAN-WEATHER-FLOODS

وكان صندوق النقد قد أوقف البرنامج في وقت سابق من هذا العام بعد تعثر الحكومة الباكستانية عن الالتزام بشروط القرض البالغة قيمته ستة مليارات دولار وتبلغ مدته 36 شهرًا منذ عام 2019. وصرح وزير الاقتصاد الباكستاني مشيرًا إلى أن "جهود حكومتنا لإعادة البرنامج إلى مساره من خلال إجراءات اقتصادية تصحيحية مؤلمة أنقذت باكستان من التخلف عن السداد وأعادت البرنامج إلى السكة".

وستؤدي العودة إلى الاتفاق بين باكستان وصندوق النقد لفتح المجال أمام سبل تمويل أخرى لباكستان، وستكون هذه الأموال بمثابة شريان حياة لها سيما وأنها تعاني من ضائقة مالية شديدة تتمثل باستنزاف احتياطاتها من العملات الأجنبية حيث أنها يمكن أن تغطي شهرًا واحدًا إضافيًا لا غير، في مقابل ارتفاع معدل التضخم وعجز هائل في اقتصاد البلاد.

وقد تدفقت مساعدات إغاثية عاجلة من عدة دول عربية وإسلامية إلى باكستان، من بينها دولة قطر وتركيا، كما ستطلق الأمم المتحدة مناشدة دولية لتقديم التبرعات لدعم ضحايا الفيضانات اعتبارًا من اليوم الثلاثاء. 

توقّف الأمطار يكشف عن حجم النكبة 

توقف هطل الأمطار منذ أكثر منذ ثلاثة أيام، وانحسرت الفيضانات في بعض المناطق، إلا أن الباكستانيين في أجزاء كثيرة من البلاد لا يزالون يخوضون في المياه والأطيان التي غمرت المنازل وطمرت الطرق وأعاقت وصول المساعدات العاجلة من غذاء ودواء، ولاسيما للأطفال وكبار السنّ. وقد توفي العشرات بالفعل خلال محاولات الإنقاذ وإيصال المساعدات، إذ لقي ما لا يقل عن 11 شخصًا مصرعهم يوم أمس الإثنين عندما انقلب قارب كان يستخدمه رجال الإنقاذ المتطوعون لإجلاء عشرين شخصًا في المياه التي غمرتها الفيضانات بالقرب من مدينة بيلاوال بور الجنوبية. كما أكّدت السلطات وجود مئات المفقودين حتى الآن، وهو ما يرجّح أن تتصاعد حصيلة القتلى جراء الكارثة. 

التغيّر المناخي يهدّد العالم

الأمطار الغزيرة غير المسبوقة التي ضربت باكستان تعد الأحدث في سلسلة من الكوارث التي مسؤولون باكستانيون في تصريحات صحفية إنها تفاقمت بسبب تغير المناخ، بما في ذلك موجات الحر وحرائق الغابات والانهيارات الجبلية وذوبان البحيرات الجليدية، وهي كوارث تبين كيف أن البلدان الأكثر فقرًا هي التي تدفع في كثير من الأحيان الأثمان الأكثر فداحة للتغير المناخي الذي تحدثه الأنشطة الصناعية للدول الكبرى بشكل أساسي. فمنذ العام 1959، لم تكن باكستان مسؤولة سوى عن 0.4% فقط من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، بينما كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن 21.5% تليها الصين بنسبة 16.5% ثم الاتحاد الأوروبي بنسبة 15%. 

floods pakistan

رغم ذلك، فإن هذه الدول المسؤولة عن احترار الكوكب، ستكون آخر من يقدّم يد العون لباكستان، ولاسيما الولايات المتحدة التي لطالما حرصت على إعاقة أي اتفاق دولي يقضي بتعويض الدول الأكثر فقرًا ومساعدتها على مواجهة التحديات الكارثية التي يفرضها التغير المناخي. 

هذا الواقع دفع وزيرة البيئة الباكستاني، شيري رحمن إلى التأكيد لوسائل الإعلام العالمية على أن "التغير المناخي لا يعترف بالحدود، وآثاره لا تميز بين دولة وأخرى، ونحن في باكستان على خط المواجهة في خضمّ أزمة عالمية". 

عالميًا، ضربت ثلاثة زلازل بقوة تتراوح بين 5.2 إلى 6.4 على مقياس ريختر جمهورية أندونيسيا. وقالت وكالة الأرصاد الجيوفيزيائية في البلاد أن لا إصابات بشرية ولكن ألحقت أضرارًا طفيفة في المباني والمنشأت مما اضطر العديد من السكان إلى إجلاء منازلهم إلى مناطق مرتفعة. وقد تسببت الأمطار الغزيرة هذا العام في فيضانات غمرت مدنًا في الصين وكوريا الجنوبية وعطلت إمدادات المياه والكهرباء في الهند، في حين عرض الجفاف محاصيل المزارعين للخطر في جميع أنحاء أوروبا. تجدر الإشارة إلى أن الفيضانات والعواصف الشديدة تسببت بخسائر عالمية تجاوزت 224 مليار دولار العام الماضي.

خسائر للاقتصاد العالمي تفوق 5.6 تريليون دولار

أفاد تقرير نشر يوم الإثنين بتاريخ 29 آب /أغسطس من هذا العام إلى أن تفاقم موجات الجفاف والعواصف والأمطار الغزيرة في بعض أكبر اقتصادات العالم قد يتسبب في خسائر بقيمة 5.6 تريليون دولار للاقتصاد العالمي بحلول عام 2050. التقرير نشره مركز الاستشارات الهندسية والبيئية GHD وتحدث عن أن "تغير المناخ سيدفع بالمزيد من الأمطار الغزيرة والفيضانات والجفاف في العقود المقبلة، ومن المتوقع أن ترتفع خسائر الاقتصادات العالمية بسبب ارتفاع تكاليف مكافحة تداعيات التغير المناخي.

وقام المركز بتقييم المخاطر في سبع دول لكل منها ظروفها المناخية والاقتصادية المتنوعة، وهذه الدول هي الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبريطانيا والفليبين والإمارات العربية المتحدة وأستراليا، وقدر المركز بناء على دراسات علمية حجم المخاطر التي تواجهها البلدان وقيمة التكاليف على الاقتصاد الكلي.

الخبير البيئي دون هولاند، والذي يقود برامج مركز الاستشارات الهندسية والبيئية في كندا، قال "عندما تتوفر المياه بكثرة أو عندما لا تتوفر إلا بمعدلات قليلة جدًا، ففي الحالتين يمكن أن يشكل ذلك قوة تدميرية على المجتمعات".

تتربع الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر اقتصاد في العالم، في المرتبة الأولى لناحية الخسائر حيث سيبلغ إجمالي خسائرها حوالي 3.7 تريليون دولار بحلول عام 2050، ويترافق ذلك مع تقلص الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنحو 0.5% كل عام. وأما الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، فتواجه خسائر تراكمية تبلغ حوالي 1.1 تريليون دولار بحلول عام 2050.

PAKISTAN-WEATHER-FLOODS

ومن بين قطاعات الأعمال الخمسة الأكثر حيوية للاقتصاد العالمي، سيكون التصنيع والتوزيع الأكثر تضررًا من الكوارث التي ستبلغ خسائرها حوالي 4.2 تريليون دولار، وذلك لأن ندرة المياه تعطل الإنتاج، بينما تدمر العواصف والفيضانات البنية التحتية والمخزونات الاحتياطية. وقد يشهد القطاع الزراعي، المعرض لكل من الجفاف والأمطار الشديدة، خسائر بقيمة 332 مليار دولار بحلول عام 2050. وأما القطاعات الأخرى التي ستواجه تحديات كبيرة هي قطاعات التجزئة والمصارف والطاقة بحسب تقرير GHD.

وتجدر الإشارة إلى أن لجنة جديدة من الخبراء كانت قد شكلت في منتدى دافوس في سويسرا تهدف إلى تقديم المشورة لصانعي السياسات بشأن إدارة المياه. الرئيس المشارك للجنة، ثارمان شانموجاراتنام، صرح بالقول "يجب علينا تغيير الطريقة التي نتعامل بها مع مسألتي المياه والتغير المناخي معًا"، وأضاف "أعلم أن التكاليف باهظة لوضع الخطط الاستراتيجية ولكنها تبقى أقل تكلفة مقارنة بالتكاليف الناجمة عن الخسائر التي يحدثها الطقس القاسي".

تعد الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر منتج تاريخيًا للانبعاثات الكربونية المسؤولة عن تزايد الاحترار العالمي 

وأشار التقرير إلى أن "المجتمعات في جميع أنحاء العالم تشعر بالفعل بتأثير الأحداث المناخية المتزايدة، ومن الأهمية بمكان أن نتحرك الأن لحمايتها"، وأضاف التقرير "قطاع المياه لديه الفرصة لقيادة التغيير، وهناك حاجة إلى مزيد من الاستثمار الموجه، والابتكار المركز، والإدارة المتكاملة للمياه، وإشراك المجتمعات في هذه الرحلة أمر أساسي". واعتبر التقرير أن "الاعتراف بدور المياه كحلقة وصل بين القطاعات، وهو أمر محوري في تطوير اقتصاد دائري وعنصر حاسم في كل شركة وسلسلة توريد، سيكون أيضًا جزءًا من الحل".

ورأى التقرير أن الشعوب والدول "بحاجة إلى إعادة توجيه علاقتها بالمياه"، مضيفًا إلى أنه حان الوقت للابتعاد عن اعتبار المياه سلعة يتم التحكم فيها، بدلًا من الاعتراف بقيمتها الجوهرية، وبكونها جزءًا من دورة طبيعية، وكما "يجب استعادة توازنها والحفاظ عليه إذا أردنا أن نعيش بشكل مستدام ومزدهر".