26-أغسطس-2015

تسديداتهم على المرمى ضعيفة ليست كما يرونها وهم داخل الملعب (Getty)

عبارة صادمة ومدغدغة لحلم ليس في المتناول قالها محمد في اجتماع فريق كرة القدم: "ما رأيكم أن نقوم بتصوير المباراة النهائية يوم الجمعة بالفيديو؟"، في تلك اللحظة حتى اللاعبون الاحتياطيون الذين لا يشركهم المدرب إلا في حالات الشدّة، بدأوا يتخيلون أنفسهم يتلاعبون بدفاعات الخصم ويسجلون الأهداف على طريقة الكابتن ماجد. وافقنا بالإجماع وبلا تردد. إجماع لم يصمد طويلًا، فعندما قال المدرب "يتطلب الأمر أن يدفع كل واحد منا مبلغًا لاستيفاء تكاليف التصوير"، عاد البعض إلى الواقعية وقالوا "لا داع للتصوير.. وهل نحن إي سي ميلان؟"، في تلك الفترة كان الميلان متزعم الكرة الأوروبية، لكن حماس الأغلبية الساحقة أجبر الأقلية الرافضة على قبول الفكرة، إذًا تم الأمر، وقررنا أن نلعب تحت أشعة عدسة الكاميرا لأول مرة في تاريخنا الرياضي.

 معالم السعادة على وجوه اللاعبين بدأت تذبل بسرعة، فالشاشة تعرضهم وكأنهم واقفون لا يتحركون في الملعب

كان اجتماع الفريق هذه المرة مختلفًا، إذ عاد كل لاعب إلى منزله وهو يتخيل سيناريو المباراة بطريقة الإخراج التلفزيوني العالمي لمباريات كأس العالم. شكل الأمر حافزًا نفسيًا جديدًا. اللاعب العاشق من طرف واحد استحضر حبيبته وهي تشاهده في التلفزيون، وعوّل على مستواه ليصبح لحبه طرف آخر. واللاعب الفهلوي رأى أن الفيديو سيساعده في اللعب في أندية الدرجة الثانية إذا ما قدمه لأحد مسؤولي الأندية. كابتن الفريق ذهب إلى أن التصوير سيساعد الفريق في تلافي بعض الأخطاء التكتيكية، من خلال إعادة اللقطات بحضور الجميع وخاصة قلب الهجوم الذي يقع في مصيدة التسلل أكثر مما يلمس الكرة في المباراة.

حان موعد المبارة النهائية. تجمع الفريقان في الملعب الترابي، وعيون اللاعبين تبحث عن الكاميرا التي لم تصل بعد، كابتن الفريق المنافس سأل أحد اللاعبين "أصحيح أنكم استأجرتم كاميرا فيديو؟" - نعم ستصل بعد قليل. وهذا ما حدث بالفعل، جاء من الطريق العام ميكروباص من طراز "هوب هوب" ورُكن قرب خط التماس في منتصف الملعب. وخرج المصور منه حاملًا الكاميرا المنتظرة، ثم صعد إلى سطح الميكرو وجهز كل أدوات العمل. جمهور المباراة، الذي لا يتعدى عدده ثلاثين متفرجًا، صعد معظمهم إلى جانب المصور، وانطلقت صافرة الحكم معلنة ضربة البداية.

حماس ما بعده حماس. كل لاعب يبذل جهدًا مضاعفًا عما سبق من مباريات الكأس. انتهى الشوط الأول من دون أهداف، بينما حقق الفريق الفوز في الشوط الثاني بهدف من ضربة جزاء، ورفعوا الكأس عاليًا. رقصوا غنوا، وساروا في شوارع المدينة في موكب حافل قوامه نحو خمسة عشر دراجة نارية، ثم عاد كل إلى منزله بعد أن اتفقوا أن يجتمعوا في السابعة مساء لكي يشاهدوا شريط المباراة.

حانت السابعة وتهافت اللاعبون إلى مكان العرض. كان اجتماعًا مفتوحًا سمح فيه للأصدقاء المقربين ومشجعي الفريق كي يحضروا، فيما سبق كان استئجار جهاز عرض فيديو يتطلب عملًا استخباراتيًا دقيقًا لأن الأفلام التي ستعرض عليه من النوع الإباحي "البورنو"، أما اليوم فالثقة سيدة الموقف فلا خوف ولا حذر.

غصت الغرفة باللاعبين والأصدقاء وبدأ العرض.

بدا الملعب على الشاشة ترابيًا أكثر مما يعرفونه، وكأنهم يرونه للمرة الأولى، لا بل بدا صحراويًا. معالم السعادة على وجوه اللاعبين بدأت تذبل بسرعة، فالشاشة تعرضهم وكأنهم واقفون لا يتحركون في الملعب، كأن المدرب نسي أن يخبرهم أن كرة القدم تتطلب من اللاعب أن يركض بسرعة، معظم التمريرات التي شاهدوها كانت غير دقيقة ومقطوعة، تسديداتهم على المرمى ضعيفة ليست كما يرونها وهم داخل الملعب. الكرة التي أبعدها الحارس عن مرماه كانت ضعيفة لا تشبه ما حدث معه، إذ ظن نفسه أنقذ الفريق بأعجوبة من هدف محقق. في معظم مراحل اللقاء كانت الكرة تحلق في الجو من الدفاع إلى الهجوم مباشرة، واكتفى لاعبو الوسط بمراقبتها وكأنهم "حميماتيون". لم يلعب أحد أثناء التصوير دور معلق المباراة لكن الجمهور الذي جلس فوق الميكرو قرب الكاميرا كانوا كلهم معلقين، أصواتهم كانت قوية وساخرة وصادمة.

-العب الكرة يا أحمد.. إي.. الله يلعن هالكرش.

-انظروا إلى عدنان إنه لا يتحرك، وكأنه التهم طنجرة برغل قبل المباراة.

-يا حمار.. العب الكرة لشادي.

-لو قبل المدرب أن يشرك أمي بدلًا منك يا أسعد لسجلت من هذه الفرصة.

بدأ البعض يتململ من العرض، واعتذر قسم منهم بحجة ارتباطه بموعد، سأل أحدهم "هل ستصورون المباراة المقبلة؟"، كلهم أجابوا "لا داع.. وهل نحن نادي جبلة؟"، تناقص عدد الحضور بسرعة، وبقي قلة خططوا لإكمال السهرة على وقع أفلام البورنو.

في الأسبوع التالي، وضمن منافسة الدوري، لعب الفريق بسبعة لاعبين فقط، وخسر بخمسة أهداف نظيفة.