29-ديسمبر-2024
نساء سوريات

نساء سوريات يشاركن في معرض للحرف اليدوية في العاصمة دمشق (الأناضول)

أثارت تصريحات رئيسة مكتب شؤون المرأة، عائشة الدبس، في مقابلتها مع قناة "TRT" التركية موجة من الانتقادات بين السوريين والسوريات، خاصة أنها جاءت في مرحلة انتقالية حساسة تعيشها سوريا، في أعقاب سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، وتطرح العديد من التساؤلات حول دور المرأة السورية في المرحلة القادمة، وهي واحدة من القضايا التي تشغل الهيئات المدنية النشطة في مجالات حقوق المرأة في سوريا.

حديث الدبس للقناة التركية، كان قد سبقه قبل نحو أسبوعين المتحدث باسم الإدارة السياسية، عبيدة أرناؤوط، في مقابلة مع "تلفزيون الجديد" اللبناني، حيث قال: "لا بد إن تكون المهام متناسبة مع وظيفة المرأة التي تستطيع أن تقوم بها"، وتابع ضاربًا مثلًا بالتساؤل إن كانت المرأة يمكنها استلام مهام حقيبة وزارة الدفاع في الحكومة السورية الجديدة، معتبرًا أن هذا المنصب لا يتناسب مع "كينونتها وطبيعتها البيولوجية"، وهو ما اعتبر انتقاصًا من حقوق المرأة السورية، التي نالت نصيبها من التهميش خلال حقبة النظام البائد.

جاءت تصريحات رئيسة مكتب شؤون المرأة، عائشة الدبس، في مرحلة انتقالية حساسة تعيشها سوريا، مما يطرح لعديد من التساؤلات حول دور المرأة السورية في المرحلة القادمة

وعلى الرغم من مرور وقت ليس بالطويل على تصريحات أرناؤوط، والتي لم تذهب أدراج النسيان. أعادت الدبس في حديثها للقناة التركية تجديد المخاوف بشأن حقوق المرأة في المرحلة القادمة، فهي أكدت على أن مكتب شؤون المرأة سيعمل على "صنع النموذج الخاص بنا الذي الذي يناسب بلدنا، عاداتنا وتقاليدنا وأصالتنا وحضارتنا"، وأضافت متساءلة "لماذا أتبنى النموذج العلماني أو المدني؟"، مضيفة أنها ستصنع "نموذج خاص بالمجتمع السوري"، وتابعت "أنا أتكلم عن رؤية القيادة كلها سنصنع نموذجًا متفردًا يناسب واقعنا".

وما كان لافتًا في حديث الدبس إشارتها إلى أنها "لا تدعي أن النساء السوريات ممكنات، سواء من كانت في الخارج أو في الداخل، لكن المرأة السورية بطبيعتها تملك المؤهلات، وإذا وفرنا لها الدورات التدريبية والمهارات ودورات القيادة ستصل لتشارك في السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية"، أما "فيما يخص السلطة القضائية لن أتكلم عن هذا لأن الدستور هو سيحدد ذلك"، ويُعد موضوع القاضيات السوريات واحدًا من المواضيع الإشكالية التي تشغل بال السلك القضائي في البلاد.

وفي إشارتها لإمكانية تعاون مكتب شؤون المرأة مع منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات الدولية والأممية، قالت الدبس: "إذا اتفقنا نحن في مكتب شؤون المرأة أن هذا الدعم يدعم النموذج الذي نحن بصدد بنائه فأهلًا وسهلًا"، وأضافت: "في النهاية أنا لن أفتح المجال لمن يختلف معي في الفكر"، وهو ما يشير بشكل واضح إلى التوجه الإيديولوجي للمكتب الذي سيرفض التعاون مع المنظمات المدنية التي تختلف معه فكريًا، ويعكس طبيعة المرحلة القادمة، في حال لم يتم تداركها من قبل حكومة تصريف الأعمال السورية.

وادعت الدبس في المقابلة ذاتها أن بعض المنظمات كان لها خلال الفترة الماضية "أجندات على أطفالنا، على نسائنا على بناتنا"، دون أن توضح ماهية هذه الأجندات، لكنها أشارت إلى أنهم "كانوا يمارسون الكثير من البرامج والأنشطة والفعاليات والبرامج التدريبية التي أتت بثمار كارثية، على سبيل المثال في عام 2018 ارتفع معدل الطلاق بشكل رهيب في بعض المناطق التي فيها بعض المنظمات التي لا تراعي كيفية تمثيل المرأة، وكيفية إفهامها حقوقها وواجباتها ومسؤولياتها"، وهو ما يمثل تجاهلًا واضحًا لحوادث العنف المنزلي الذي تتعرض له النساء.

وفي صيغة تعيد التذكير بتصريحات أرناؤوط التي تحدد دور المرأة في المجتمع، توجهت الدبس في نهاية حديثها للمرأة السورية بكل طوائفها داعية إياها "ألا تتجاوز أولويات فطرتها التي فطرها الله عليها، وهي دورها التربوي في أسرتها" والتي حددتها بـ"عناية المرأة بنفسها أولًا، معنية بالانتباه لعقيدتها، أسرتها، زوجها، معنية بأن تنتبه لسلم أولوياتها"، معتبرة أن هذه الأفكار يمكن النقاش بها على طاولة الحوار.

في قراءة السوريين والسوريات لمقابلة الدبس لمسنا انقسامًا بين من وصف بـ"المقبولة"، كما كتب الروائي، فادي عزام، عبر صفحته على منصة "فيسبوك"، لكنه أشار أيضًا إلى أن الالتباس الذي تسبب به قولها "لن أفتح المجال لمن يختلف معي بالفكر"، مرجعًا ذلك إلى أنه "لا يقوم في الجواب الضعيف والهلامي الذي تحول إلى صيد ثمين للرعب والتخويف والسخرية، بل لأن المحاور هو الذي صنع هذا الالتباس، فوقعنا في فخ "النموذج" الغامض".

من جانبها، اعتبرت الشاعرة والكاتبة، سعاد جروس، أنه "ربما من الأفضل لو أنه تم تكليف السيدة، عائشة الدبس، بشؤون الأسرة، فهو أنسب للأفكار التي طرحتها، ويحتاجه المجتمع السوري بعد 14 عام من تفكك الأسر السورية"، وتابعت جروس مضيفة "أما شوؤن المرأة ودورها في المرحلة القادمة أظنه لا يحتاج إلى مكتب ، لأن المرأة في سوريا اليوم أكثر من نصف المجتمع ، ولولا الدور الذي قامت به المرأة خلال السنوات القاتلة ما صمد ما تبقى من البلاد"، مؤكدة أن "ما تريده المرأة السورية هو قوانين تعترف بحقوقها كإنسان لا ضلع قاصر تحتاج شؤونه مكتبًا خاصًا".

أما الإعلامي أيمن عبد النور، فقد أعاد نشر ما كتبه المحامي، زيد العظم، الذي أكد على أن تصريح الدبس "يحمل طابعًا إقصائيًا ولا يبعث على التفاؤل، وأتمنى أن لا يكون هذا هو توجه الإدارة الجديدة أو الحكومة المؤقتة"، لافتًا إلى أنه "ينبغي على السيدة الدبس أن تدرك أن المرأة المطلقة التي تعيش بكرامة قد تكون في وضع أفضل بكثير من المرأة المتزوجة التي تعاني يوميًا من العنف والقسوة والضرب المبرح".

وردت الفنانة يارا صبري على تصريحات الدبس بمنشور ساخر قالت فيه: "ياصبايا ويانساء سوريا العظيمة: يلي ضايع منها السلم.. قصدي السيبة تبع أولوياتها ترفع إيدها، لأنه في حدا ممكن يلاقيلك ياها لأولوياتك ويساعدك تطلعي وتعزلي سقفك الجديد وحيطانك"، وأضافت: "بيقلك هاد الحدا: اذا عندك اعتراض اضربي راسك بالحيط الجديد عزيزتي المرأة السورية".

وبعد موجة الانتقادات التي وجهت للدبس، عادت رئيسة مكتب شؤون المرأة إلى منصة "إكس" للتأكيد في منشور على تصريحاتها السابقة بالقول: "همنا هو العمل مع المرأة السورية ولأجلها، وهمّتنا أن نعمل بعزم لا يعرف التوقف"، موضحة أن مهمة المكتب تتمثل بـ"صناعة نموذج فريد لامرأة سورية استباقية، بنّاءة، ومعطاءة. سنمحو بحريتنا عقودًا من الظلم والاضطهاد والتهميش، ولن نرهق أنفسنا بتجارب لا تناسبنا أو قوالب جاهزة لا تلبي احتياجاتنا ولا تحقق أهدافنا".

وفي الوقت ذاته، كتب وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال السورية، أسعد حسن الشيباني، في منشور على منصة "إكس": "ناضلت المرأة السورية عبر سنين طويلة لأجل وطن حر تحفظ فيه كرامتها ومكانتها، سنعمل على الوقوف إلى جانب قضايا المرأة وندعم حقوقها كاملة، كما نؤمن بدور المرأة السورية الفاعل بالمجتمع ونثق بقدراتها ومهاراتها، فالمرأة امتداد لأجيال من البذل والعطاء".