12-يوليو-2016

نفايات في نابولي بإيطاليا(لورا ليزا/Getty)

أصبح استيراد نفايات إيطالية قضية رأي عام بالمغرب، وموضوع حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي من خلال العديد من الهاشتاغ المعبرة أبرزها: #‏حنا_ماشي_مزبلة‬‬، وقد أججها وأشعلها، قرار الحكومة المغربية بحظر تداول الأكياس البلاستيكية، الذي دخل حيز التنفيذ مستهل تموز/يوليو 2016، مما يجعل البلد يدخل في حالة تناقض حسب الكثيرين، وهو مقبل على تنظيم "كوب22" (مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي)، ويعتبر مشاركًا في مشاريع الطاقة البديلة "الشمسية" حين دشن مشاريع في هذا الغرض بجنوب البلاد.

ترجح فرضيات أن صفقة استيراد النفايات الإيطالية قد أبرمتها إحدى شركات الهولدينغ الملكي، وهو الذي يمنع بالمغرب تناوله إعلاميًا أو محاسبته

وقد كان مركز بيئي بمدينة "الجديدة" سباقًا إلى الإعلان عن خطر هذه النفايات ودق ناقوس الخطر، وكشف أن المغرب قام بجلب بقايا صلبة لحرقها، مما يشكل خطرًا على البيئة وعلى صحة المواطنين ويسبب أمراضًا خطيرة، وهي تتمثل في 2500 طن من النفايات المطاطية والبلاستيكية قادمة من إيطاليا، تلتها حزمة أخرى من فرنسا.

اقرأ/ي أيضًا: نفايات إيطالية في المغرب واستياء شعبي

الطرف الحكومي يدافع..

من جهتها السيدة حكيمة الحيطي، الوزيرة المنتدبة المكلفة بالبيئة، اختارت أول خروج إعلامي للدفاع عن الصفقة والتأكيد على أن هذه المواد تخضع للمراقبة وأنها مفيدة، بعد أن اختارت صمتًا طويلًا لم يعد مجديًا في ظل تنامي الوعي والمد الافتراضي الذي أصبح يشكل قوة ضاغطة حلحلت العديد من الملفات والقضايا.

الوزيرة أكدت أن النفايات التي رخصت باستيرادها، هي نفايات غير خطرة تستعمل كمكمل أو كبديل للطاقة الأحفورية دوليًا في مصانع الإسمنت نظرًا لما تتميز به من قوة حرارية مهمة، وعقدت لهذا الشأن ندوة صحفية للدفاع عن الملف.

أما وزير الداخلية فقد تدخل في مجلس حكومي ودافع عن الصفقة، وهو عادة لا يتدخل إلا بالملفات التي عليها إشارات عليا، وسُحبت تدخلات برلمانيين بكلا الغرفتين "مجلس المستشارين والبرلمان المغربي" من عدة فرق برلمانية كانت قد تقدمت بطلبات إحاطة توجهت بها إلى الحكومة، مما يرجح شكوكًا وفرضيات تقول إن الصفقة قد أبرمتها شركة "هولسيم المغرب" أو شركة "إيكوسيم" (ECOCIM)، وهي فرع شركة "لافارج المغرب" التابعة بدورها للهولدينغ الملكي، هذا الأخير الذي يمنع بالمغرب تناوله إعلاميًا أو محاسبته أو مناقشة مشاريعه أو التفكير في التراجع عنها.

معركة انتخابية؟

ذهب آخرون، وفيهم وزراء وسياسيون، أن الأمر لا يعدو أن يكون معركة انتخابية مع اقتراب موعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، موعد الانتخابات البرلمانية المغربية، يراد منها إحراج الحكومة الحالية والائتلاف الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، مستدلين بذلك على كون هذه الصفقة أجريت سنة 2003، في عهد وزير سابق في سرية تامة ولم تثر حولها أية ضجة، وأنها لم تكن أول حزمة نفايات، لكنها بالمقابل كانت تمر في تكتم شديد ولا تكشف تفاصيلها للرأي العام، ولم تخرج نتائج تحليل وفحص تلك المستوردات أبدًا إلى العلن إلى الآن.

اقرأ/ي أيضًا: "ميليشيا سوكلين".. "بلطجة" الأمر الواقع اللبنانية

معطيات وتجارب صادمة

ذهب البعض إلى القول إن الجدل حول صفقة النفايات الإيطالية يندرج في إطار معركة انتخابية مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المغربية

تقول معلومات إن الاتحاد الأوروبي يمنع تصدير واستيراد هذه الأشياء، وحتى إحراقها يتم في ظروف وشروط خاصة وفي أفران بدرجة حرارة عالية جدًا، وبقانون خاص، لأنها ملوثة وتضر البيئة. ولهذا يرى المهندس الإيطالي باولو رابيتي، خبير قضائي كلفته محكمة نابولي للبحث في ما يعرف بـ"نفايات نابولي" أن الكلفة الباهظة لإتلاف هذه النفايات وتشديد المراقبة من طرف الاتحاد الأوروبي سببان رئيسيان للجوء إلى بعض الدول، مثل المغرب للتخلص منها بأقل تكلفة وفي غياب نفس المنظومة الحقوقية والقانونية الصارمة.

فيما قالت جريدة "لوموند" الفرنسية ومعهد الصحة الإيطالية، إن حرق هذه النفايات يتسبب في أمراض مزمنة، خاصة لدى الرضع والأطفال "مرض السرطان" ودفنها يتسبب في تسمم الغطاء المائي. وإذا علمنا أن نفس النوع من هذه النفايات سبق وأن أثار جدلاً واسعًا داخل إيطاليا سنة 2013، ما دفع الاتحاد الأوروبي آنذاك إلى فرض غرامات مالية كبيرة على روما سنة 2015 مما دفع إيطاليا للبحث عن أماكن أخرى بالعالم للتخلص من هذه التبعات، بعدما أحرجتها منظمات وجمعيات مهتمة بالبيئة، ورفع مواطنون وفلاحون إيطاليون دعاوى قضائية حصلوا منها ومازالوا يطالبون بتعويضات عن الأراضي التي تضررت بمساحات واسعة وشاسعة.

أسئلة مشروعة

ولعل السؤال البديهي الذي يطرحه الناس ورواد شبكات التواصل الاجتماعي، أيمكن لإيطاليا بتقنياتها وتطورها ومختبراتها ومصانعها أن تفرط في طاقة بديلة أو إيكولوجية وتصدرها لبلد نام وهي قد تكون في حاجة إليها؟ لماذا ستدفع إيطاليا مقابلًا ضخمًا للمغرب إذا كانت النفايات تشكل طاقة بديلة يمكن أن تستفيد منها؟ وإذا كانت النفايات مطابقة للشروط وللسلامة فلما لا تحرق في مكانها أو في أي بلد أوروبي؟ أم أن الأمر يتعلق بنفايات سامة يتخلص منها الإيطاليون في بلد متخلف بمقابل مادي حيث تخفت المراقبة والصرامة القانونية ويوجد سماسرة لمثل هذه العمليات المستفيدون منها في تغييب تام للجميع؟

على كل حال، لن تكون قضية نفايات إيطاليا سهلة خاصة أنها مرتبطة بالمحيط الملكي واستثماراته بما يصعب إمكانية التراجع عنها، ثم بالنظر إلى طبيعة النسق "المخزني" المغربي القائم والحريص على "هيبة" الدولة وإبعاد المؤسسة الملكية. وهو ما كان حين توجه الملك إلى عطلة بتطوان رغم كل الجلبة القائمة.

بينما يرى البعض أن القضية لن تطوى بخرجات إعلامية وزارية فاقدة لكثير من التفاصيل ومحاطة بالغموض، في سياق مغربي متسم بالتوتر وتغيرات مجتمعية كبيرة، خاصة بعد حراك 2011، أضف إلى ذلك دعوة نشطاء إلى الاحتجاج أمام البرلمان، وآخرين بمدينة آسفي والبيضاء، المدن التي قد تحتضن حرق هذه الأشياء بما أنها تعتبر من أهم نقاط شركات الإسمنت بالمغرب، كما أن هناك مطالب حقوقية بفتح تحقيق جدي وعاجل وشفاف في ملابسات الاستيراد والاستفادة المالية من إحراق ملايين الأطنان من النفايات الإيطالية والفرنسية وبمساءلة المتورطين فيها ومتابعتهم، إعمالاً لمبدأ عدم الإفلات من العقاب. وقد قام فعلًا السيد زيان، الوزير السابق لحقوق الإنسان، برفع دعوى قضائية مستعجلة ضد وزيرة البيئة المغربية.

اقرأ/ي أيضًا: 

حول قمة المناخ والاستثمار في المزيد من التلوث..

القمامة.. كل ما تبقى لنازحي "الحديدة" في اليمن