22-يناير-2017

صورة لواجهة موقع تعليم العربية المغلق

لعلك عزيزي القارئ سمعت من قبل عن قانون المطرقة أو قانون ماسلو؟ على أيّة حال، سأذكّرك به سريعًا إن كنت قرأت عنه أو سمعت به منذ فترة بعيدة.

يقترح قانون المطرقة الذي وضعه أبراهام ماسلو أنّه لو كانت المطرقة هي الأداة الوحيدة التي تمتلكها، فإنّك ستجد نفسك تتصرّف مع كلّ أمر وكأنّه مسمار يحتاج للطرق. والمقصود بهذا القانون بشكل عامّ أنّ الإنسان يميل عادة إلى النظر إلى الأمور أو البحث عن الحلول من وجهة النظر التي تفرضها عليه تجربته الشخصية أو المهنيّة.

مناهج تعليم العربية حتى الآن، سواء لأبناء اللغة أو للناطقين بغيرها، لا تزال قاصرة عن اللحاق بالتطورات الهائلة في المناهج الحديثة

هذا الأمر صحيحٌ غالبًا. حين تلتقي بشيخ مثلًا، فستجده يقول لك بكل قناعة إنّ "نجاحنا وفلاحنا في الدنيا والآخرة باتباع الشريعة"، ولو التقيت بفنّان فغالبًا سيخبرك أنّ المجتمع بحاجة عضويّة للفنّ ولا يمكن تصوّر إصلاح المجتمع بدون الفنّ، والأمر ينطبق على المهندس والمدير والشاعر وهلّم جرًّا.

في أحد الأيام نبّهتني زوجتي وقالت لي: محمّد، هذا العالم لن تصلحه الترجمة! لقد كنت بالفعل أقحم قضيّة الترجمة تقريبًا في كلّ قضية أو مشكلة أتعامل معها. هذا إذًا قانون المطرقة.

اقرأ/ي أيضًا: عبدالله العلايلي.. من فقه اللغة إلى فقه الدين

ليس سرًّا أنّ اللغة العربيّة. تعاني الكثير. والتوجّه السائد حاليًّا في وسائل الإعلام التقليديّة والرقميّة هو الاعتماد بشكل متزايد على الفصيحة المطعّمة بالعامّية أو العكس، فهذا هو المستوى الثالث الجديد الواقع بين العامّية والفصيحة، وهو أمرٌ كما يحذّر عديد من اللغويين مثل الدكتور عبد السلام المسدّي والدكتور علي القاسمي والدكتور نهاد الموسى وغيرهم، يؤذن بانقراض الفصيحة وانزوائها إلى سياقات محدودة جدًّا.

الأدهى من ذلك بالتأكيد أنّ مناهج تعليم اللغة العربيّة حتّى الآن، سواء لأبناء هذه اللغة أو للناطقين بغيرها، لا تزال قاصرة عن اللحاق بالتطوّرات الهائلة في المناهج الحديثة في تعليم اللغات الطبيعيّة، كالإنجليزية أو الفرنسيّة أو الألمانية وسواها.

ونكتشف نحن العرب بين فترة وأخرى أنّ كلّ ما يجري من مبادرات تحت اسم حماية اللغة العربيّة وتطوير اللغة العربيّة، على أهمّية بعضها وتأثيره، إلا أنّه لا يمسّ أصل التهديد الذي تواجهه العربيّة في عصرنا الحاضر.

اللغة العربية تعاني. والتوجّه السائد في وسائل الإعلام هو الاعتماد بشكل متزايد على الفصيحة المطعّمة بالعامّية أو العكس

فهنالك مبادرات القراءة والشعر وجوائز للكتّاب والمترجمين، ولكن، هذا كلّه لا يكفي بطبيعة الحال. فاللغة العربيّة في الإعلام العربيّ المعاصر مثلًا، المكتوب منه والمرئيّ، تمرّ بتغيّرات كما يراها البعض أو تشوّهات كما يراها آخرون، على المستوى الصوتي والنحوي واللفظي والدلالي. وربّما أصابع الاتّهام ستتوجّه بطبيعة الحال إلى التعليم وضعف تدريس العربيّة وتغوّل اللغات الأجنبيّة عليها، خاصّة الإنجليزيّة.

في السياق ذاته، وللوقوف على فداحة المشكلة فيما يتعلّق بالعربيّة وتدريسها، نجد ضعف المصادر التعليميّة الخاصّة بتعليم اللغة العربيّة، سواء لأبنائها أو للناطقين بغيرها من الأجانب. فأثناء تدريسي العربيّة في الفترة الماضية كنت أجد صعوبة مضنية في العثور على مصادر جيّدة من أوراق عمل أو موادّ تعليميّة تفاعليّة أو حتّى أفكار مبتكرة لغرفة الصفّ ملائمة لتدريس اللغة العربيّة. أمّا إن كنت تبحث عن موادّ مصوّرة أو مقاطع فيديو أو اختبارات حاسوبيّة، فلن تجد أيّ شيء يمكن أن يكون ذا فائدة، لا من ناحية النوع ولا الكمّ.

اقرأ/ي أيضًا: هل اللغة العربية بالمغرب في مهب الريح؟

هنالك استثناءات نادرة طبعًا، بل نادرة جدًّا في الواقع. كان منها، وهذا ما أردت أن أصل من حديثي السابق، موقع عربيّ باسم الدكتور مسعد (drmosad. com)، وهو أستاذ وشاعر ومعلّم للغة العربيّة. كان له هذا الموقع الذي يشرح قواعد العربيّة من نحو وصرف، وضع فيه الرجل خلاصة خبرة طويلة في مجال التعليم، ودعمه بأمثلة كثيرة من الشعر والنثر في كل موضوع، واضعًا أوجه الإعراب المختلفة، ومقدّمًا لكافّة الموضوعات تقريبًا شروحًا بسيطة ووافية يستفيد منها الأستاذ أو الدارس للغة في مراحل متقدّمة.

يقترح قانون المطرقة أنه لو كانت المطرقة هي الأداة الوحيدة التي تمتلكها، فإنك ستجد نفسك تتصرف مع كل أمر وكأنه مسمار يحتاج للطرق

ولقد تفاجأت قبل عدّة أيّام حين زرت الموقع، ووجدت أنّه معطّل، غالبًا لعدم دفع الرسوم السنويّة للموقع. حاولت التواصل مع الدكتور مسعد محمّد زياد، لكن من دون جدوى. قد لا يعني هذا الموقع شيئًا للكثير من القرّاء، أو لمعظم القرّاء غالبًا، ولهذا السبب ذكرت قانون المطرقة في بداية حديثي، كي يفهم القارئ أنّ الإنسان يرى في الأشياء التي يتقنها حلولًا لكلّ شيء. لقد كان يعني لي ذلك الموقع الكثير، أنا والعديد من الأساتذة والزملاء الذين يهتمّون باللغة ودراستها وتدريسها، وكنّا دومًا نتساءل عن تلك الهمّة الفريدة التي تقف وراء هذا الموقع الغنيّ والسهل واللطيف.

لم أكن أتخيّل أنّ هذا الموقع قد يُغلق هكذا، وقد حزنت حقًّا حين عرفت ذلك. كان الأمر أشبه بخبر وفاة شخص أعرفه. ولهذا أردت أن أكتب اليوم عن هذا الموقع الذي لم يكترث أحد بوفاته، لعلّ هذا الدكتور مسعد، يقرأ هذه المقالة أو يرسلها أحدٌ إليه، سواء كان في فلسطين اليوم، أم في أحد بلاد اللجوء، ليعرف أنّ ما بذله من جهود، شخصيّة على الأغلب، قد أثّرت على الكثيرين، وأنا منهم.

اقرأ/ي أيضًا:
"الدارجة" المغربية بديلًا للعربية في المغرب؟
معلمة جزائرية تثير جدلًا بسبب اللغة العربية