19-يونيو-2022
أستاذ التاريخ نظمي الجعبة خلال المحاضرة (المركز العربي)

أستاذ التاريخ نظمي الجعبة خلال المحاضرة (المركز العربي)

ضمن "محاضرة النكبة السنوية" التي ينظّمها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" بالتعاون مع "مؤسسة الدراسات الفلسطينية"، عُقدت مساء أمس السبت، الثامن عشر من حزيران/ يونيو الجاري في مقر المركز العربي بالدوحة، محاضرة قدّمها نظمي الجعبة، أستاذ التاريخ في "جامعة بيرزيت"، تحت عنوان "القدس ومعركة البقاء".

أكد الجعبة في محاضرته بأن الصور القادمة من مدينة القدس، تنفي أن تكون قضيتها قد انتهت. وشدد أيضًا على أن هذه القضية ليست قضية خاسرة

استهل نظمي الجعبة محاضرته بالإشارة إلى أن ما يدور في مدينة القدس اليوم يُعتبر حالة فريدة من نوعها، وحراك من نوع آخر لم نعتد عليه. وقال في هذا السياق إن مستقبل الإقليم قد يتوقف على مستقبل المدينة، التي سترافقنا وتفرض نفسها على أجنداتنا بصورة دائمة خلال العقود القادمة، بحسب تعبيره.

وأكد الأكاديمي الفلسطيني أن الصور القادمة من القدس، تنفي أن تكون قضيتها قد انتهت باعتراف إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامببأنها عاصمة لإسرائيل، ثم نقل مقر السفارة الأمريكية إلى المدينة، وما ترتب على ذلك من تداعيات محلية وإقليمية وعالمية مختلفة، حيث تعاملت بعض الأنظمة، خاصةً العربية منها، مع هذه الخطوة على أنها أمر واقع ومحدِّد لسياساتها تجاه المدينة المحتلة.

ورأى الجعبة أن قضية القدس لا تزال على الطاولة، كما لا تزال حيّة أيضًا عند الشعوب العربية، حيث يمتد التضامن معها على طول العالم العربي، الأمر الذي يؤكد بأن قضية القدس قضية رابحة وليست خاسرة.

واستعرض الجعبة في محاضرته بعض المعلومات المقتضبة حول التاريخ الحديث لمدينة القدس، حيث تطرق إلى التغيّرات التي طرأت على مساحة الشطر الشرقي للمدينة بعد وقوعه تحت سيطرة دولة الاحتلال الإسرائيلي عقب هزيمة حزيران/ يونيو 1967، التي قامت بتوسيع حدوده الإدارية على حساب الضفة الغربية، فتحولت مساحته من 6،5 كلم مربع إلى 72 كلم مربع، لتصبح مساحة مدينة القدس، بشطريها الشرقي والغربي، حوالي 105 كلم مربع.

وأشار أستاذ التاريخ في هذا السياق إلى أن الضم الإسرائيلي للحدود الجديدة اقتصر على الأرض فقط ولم يشمل السكان، الذين تعاملت السلطات الإسرائيلية معهم بصفتهم "رعايا دولة ثانية"، غير محددة، سمحت لهم بالإقامة في المدينة.

وتناول الجعبة في حديثه الكيفية التي أدارت بها دولة الاحتلال مدينة القدس عبر ثنائية الأرض – السكان. وأشار هنا إلى أن قضية السكان تمثل مشكلة كبيرة بالنسبة إلى دولة الاحتلال، وهي لسوء حظهم، وفق تعبيره، مشكلة متنامية. ذلك أن جميع محاولاتهم للتخلص من سكان المدينة، أو تقليل عددهم، باءت بالفشل. كما اعتبر أن العامل الديموغرافي هو أمر مقلق للاحتلال ويقض مضاجعه أيضًا بفعل زيادة عدد الفلسطينيين، وتراجع الهجرات اليهودية إلى إسرائيل، مقابل ارتفاع عدد المهاجرين منها.

ولفت الجعبة إلى أن دولة الاحتلال نجحت في السيطرة على أرض القدس عبر بناء المستوطنات ونقل المستوطنين إليها، حيث قامت بنقل 250 ألف مستوطن إلى المدينة. وأنها استطاعت أيضًا تفكيك النسيج الاجتماعي والثقافي للمجتمع المقدسي عبر زرع المستوطنات بين أحيائهم السكنية وفي داخلها. لكن ذلك لم يؤثر على الناحية السكانية، حيث ارتفع عدد سكان المدينة الفلسطينيين من 70 ألف نسمة في عام 1967، إلى 400 ألف نسمة اليوم. ما يعني أنهم يشكلون 40% من سكان المدينة بشطريها الشرقي والغربي، بينما يمثلون الأغلبية في الشطر الشرقي. وهنا يشير إلى مفارقة فريدة من نوعها تكمن في تصنيف دولة الاحتلال للفلسطينيين في القدس، أي لنحو 40% من سكان "عاصمتها الأبدية"، على أنهم "أعداء".

ومن الوسائل التي استخدمتها دولة الاحتلال للسيطرة على المدينة هي سياسة إفقار سكانها، حيث يشير الجعبة إلى أن 80% من لـ 400 ألف فلسطيني الذين يعيشون في القدس هم تحت خط الفقر، رغم أن غالبية سكان المدينة كانوا سابقًا من الطبقة الوسطى، قبل أن تعمل دولة الاحتلال على إفقارهم وإلحاقهم بسوق العمل الإسرائيلي بأجور متدنية للغاية، مقابل هجرة الطبقة القادرة على الاستثمار من المدينة لأسباب اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية مختلفة.

أشار الجعبة إلى أن سكان القدس يواجهون التحديات التي تتعرض لها المدينة بوعي ذاتي مميز يؤكد أن قضية القدس هي قضية رابحة

انتقل الجعبة بعد ذلك لاستعراض أحوال سكان البلدة القديمة من القدس الذين يقدر عددهم بـ 37 ألف فلسطيني من أصل 40 ألف هم مجموع سكان البلدة. وأشار في هذا السياق إلى فشل الاحتلال في تغيير أعداد السكان اليهود في البلدة، حيث لم يتجاوز عددهم، رغم جميع الممارسات الاستعمارية الممتدة على مدار 55 عامًا، أكثر من 3 آلاف مستوطن. لكنه يلفت هنا إلى الواقع الاجتماعي والمعيشي الصعب لسكان البلدة القديمة من الفلسطينيين، الذين يعيشون في مساحة صغيرة جدًا، ويواجهون إلى جانب التحديات المتعلقة بالممارسات الاستعمارية وعربدات المستوطنين، تحديات اقتصادية ومعيشية صعبة.

وفي نهاية محاضرته، أكد نظمي الجعبة أن جميع المحاولات الإسرائيلية للسيطرة على البلدة القديمة من القدس، بمختلف أشكالها، باءت بالفشل. واختتم الأكاديمي الفلسطيني محاضرته بالإشارة إلى أن سكان البلدة، والقدس عمومًا، يواجهون التحديات التي تتعرض لها المدينة، والمسجد الأقصى خاصةً، بوعي ذاتي مميز يؤكد أن قضية القدس هي قضية رابحة.